في قلب مدينة الأقصر، وعلى مقربة من وادي الملوك، يقف بيت قديم على ربوة عالية في البر الغربي، يطوي بين جدرانه قصصًا وأسرارا لا حصر لها، كل ما فيه مقنع بالأحجية في انتظار من يكسر قيدها، إنه بيت هوارد كارتر، عالم الآثار البريطاني الشهير الذي خلد اسمه في كتب التاريخ عندما التقى حلمه بإرث ملك من ذهب، فكان اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون عام 1922، بمثابة تذكرة العبور إلى عالم الأبدية والخلود..
أصل الحكاية ولد كارتر في لندن عام 1874بمقاطعة كينسينجتون وعند بلوغه السابعة عشرة اهتم بدراسة علم المصريات وسافر إلى مصر، ليبدأ مشواره بتعلم الرسم والنحت، حتى قاده شغفه للمشاركة في عمليات التنقيب والاكتشافات الأثرية.. في عام 1907 كان كارتر على مشارف تحول كبير في مسار حياته عندما التقى باللورد كارنارفون ممول بعثات الحفائر الأثرية، والذي عرض عليه تمويل بعثاته المستقبلية للبحث والتنقيب، ومن هنا بدأت رحلة عالم الأثار البريطاني التي توجت بالعثور على كنوز مقبرة توت عنخ آمون..بيت الأسرار تعود قصة بيت كارتر إلى عام 1910 عندما شيد عالم الأثار الشهير بيته بالطوب اللبن على الطراز الريفي البسيط، ليكون بمثابة الاستراحة له ومعاونيه عندها كان كارتر قد بدأ العمل في التنقيب عن الأثار ، واختار موقع هذا البيت ليكون قريبًا من مناطق الحفريات في جبانة طيبة القديمة ووادي الملوك.. يضم البيت قاعة مركزية تعلوها قبة، وغرفتي نوم ، ومطبخ وحمامين وغرف للعمل ، ومعمل تصوير .. عند دخولك بيت كارتر ، تشعر على الفور بأنك تنتقل عبر الزمن إلى حقبة زمنية أخرى ، ففي أركانه وضع المستكشف البريطاني خططه وكل آماله .. هنا آلة تصوير ومروحة قديمة ، لمبة جاز ،مكتب خاص، قبعة معلقة ، مجموعة من الأقلام التي لامست طيف تحقيق الحلم ومذكراته والكثير من المتعلقات الشخصية، كلها تعطي انطباعاً بأنه لم يغادر هذا المكان أبداً.. العديد من الأدوات والصور الشاهدة على أحاديث لم نسمعها وأحداث لم نشهدها، تسجل لنا لحظات ثمينة لأعظم الاكتشافا الأثرية .. لحظة فاصلة استغرق كارتر في رحلة عثوره على مقبرة الملك توت ما يقارب عقدا من الزمان في البحث والتنقيب والدراسة ، فقد خلالها اللورد كارنارفون الممول للبعثة اهتمامه وطالبه بوقف المشروع ، ولكن عالم الأثار البريطاني كان على ميعاد مع حدث مفصلي، انتشله من حطام يأسه ليدير دفة حياته نحو الأضواء والشهرة والخلود، حين سمح له الملك الذهبي توت غنخ آمون أن يزيح عنه غموض ألاف السنين ليظهر للعلن … المقبرة رقم 62 في الخامس من نوفمبر عام 1922 نجح كارتر وفريقه في العثور على أول اثنتي عشرة درجة من الدرجات المؤدية لمدخل مقبرة مغلق بأختام تحمل اسم توت عنخ آمون بوادي الملوك ، والتي لم تصلها أو تعبث بها أيدي اللصوص، و عثر بها على أكثر من5000 آلاف قطعة أثرية لتصبح هذه المقبرة رقم 62 من أعظم الاكتشافات في العصر الحديث.. متحف بيت كارتر أسدل الستار على حياة عالم المصريات و المستكشف البريطاني هوارد كارتر عام 1939، نتيجة إصابته بنوبة قلبية تعرّض لها بعد معاناته من سرطان الغدد اللمفاوية لفترة طويلة ، وبعد انتقال ملكية بيته إلى مصلحة الآثار المصرية قامت بتوسعته جهة الغرب، واستخدمت المبنى مقرًا لإقامة مفتشي وعلماء الآثار ،وتم الحفاظ عليه كمعلم تاريخي وثقافي، إلى أن تحول لمتحف في عام2009 ليجذب الزوار من كل أنحاء العالم . خضع بيت كارتر والحدائق للترميم في عام 2022 بمناسبة مرور مائة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وطوال أكثر من مائة عام ظل يتألق كوجهة سياحية مثالية لمحبي التاريخ وعشاق الغموض وروح المغامرة ..