نجح فريق بحثي بقيادة جامعة “بليموث” البريطانية، بالتعاون مع جامعة “ستانفورد” الأميركية، في تطوير تقنية جديدة تجعل من الموجات فوق الصوتية أداة غير جراحية ودقيقة لعلاج أمراض الدماغ المستعصية.
وتركز الدراسة، المنشورة في دورية “بلوس بيولوجي” PLOS Biology، على تقنية تُعرف باسم “التحفيز بالموجات فوق الصوتية عبر الجمجمة” (TUS) والتي قد تصبح قريباً وسيلة فعالة لتحديد وعلاج مشكلات الدماغ دون الحاجة إلى أدوية أو عمليات جراحية.
خلال السنوات الماضية، استخدمت تكنولوجيات الموجات فوق الصوتية في تصوير الأعضاء الداخلية ورصد تطور الأجنة، لكن هذه التقنية شهدت تطوراً كبيراً حيث باتت تُستخدم كعلاج مُوجَّه يمكن أن يُحدث ثورة في مجال علاج الدماغ.
ويستكشف الباحثون الآن كيفية استخدام هذه الموجات كأداة للبحث عن المناطق المتأثرة في الدماغ وفحصها بدقة وربما علاجها قبل بدء العلاج، وذلك عبر استهداف أماكن معينة بأمان.
علاج أمراض الدماغ المستعصية
ويُمثّل هذا تقدماً في مسار تطوير علاجات مخصصة لمرضى يعانون من أمراض مثل الألم المزمن، واضطراب الوسواس القهري، ومرض باركنسون، وإدمان الكحول، إذ يمكن لهذه التقنية أن تساهم في تحسين حالتهم الصحية بشكل ملحوظ.
وتعتمد هذه التقنية على إرسال نبضات من الموجات فوق الصوتية عبر الجمجمة للوصول إلى أجزاء محددة من الدماغ، وتكون هذه الموجات بترددات محددة، بحيث تتمكن من اختراق عظام الجمجمة والوصول إلى الأنسجة الدماغية بعمق معين، ما يسمح بتوجيه العلاج بدقة إلى المنطقة المستهدفة.
وبمجرد وصول الموجات فوق الصوتية إلى الدماغ، تقوم بإحداث اهتزازات طفيفة في الخلايا العصبية، ما يساعد على تنشيط هذه الخلايا أو تثبيطها، حسب طبيعة النبضات المستخدمة، ويمكن أن يعدّل هذا التحفيز نشاط الخلايا في المناطق التي تعاني من اضطرابات، مثل حالات الألم أو التوتر العصبي.
ويظهر تأثير هذه التقنية بسرعة نسبياً مقارنة ببعض العلاجات الأخرى، إذ يتم تحفيز الخلايا فور وصول الموجات فوق الصوتية إليها، ويؤدي هذا إلى نتائج فورية أو شبه فورية، ما يجعلها وسيلة واعدة لتخفيف الأعراض بشكل سريع. وبالإضافة إلى أن التقنية غير جراحية، فإن المخاطر أو الآثار الجانبية تبقى محدودة مقارنة بالعمليات التقليدية.
ويمكن استخدام التقنية بشكل مؤقت لاختبار مناطق معينة في الدماغ قبل بدء العلاج الفعلي، ويستطيع الأطباء من خلال هذه الخطوة تحديد الموقع الدقيق للمشكلات أو الاضطرابات داخل الدماغ، مما يساعد في تخصيص العلاج بناء على حالة المريض واحتياجاته.
ويشير الباحثون إلى أن التقنية ما زالت تواجه تحديات تحتاج لحلول لتعميم استخدامها، خاصة أن كل دماغ وجمجمة يختلفان عن الآخر، مما يستلزم إجراء المزيد من الأبحاث لتخصيص العلاج بما يناسب جميع الأفراد.
وتمكّن العلماء من تطوير جهاز بسيط ومحمول يمكن استخدامه منزلياً بعد إجراء تقييمات سريرية، وهو ما قد يقلل الحاجة لزيارة المستشفيات بشكل متكرر، لكن ورغم التقدم الكبير، ما زال العلماء بحاجة إلى تطوير التقنية لتصبح فعالة من حيث التكلفة.