11:16 ص – الجمعة 15 نوفمبر 2024
يعيش “شعب الباجاو”، المعروفون بلقب “بدو البحر”، حياة استثنائية في قلب المحيط، حيث تكيفوا للعيش في بيئة مائية تتحدى قدرات الإنسان العادي. منتشرون عبر سواحل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، يعتبر هؤلاء السكان نموذجًا فريدًا لكيفية تطور الإنسان على مدى مئات السنين ليتكيف مع الحياة تحت سطح البحر.
التكيف الفسيولوجي الفريدتُظهر الأبحاث أن قدرة الباجاو على البقاء تحت الماء لفترات طويلة تعود جزئيًا إلى امتلاكهم طحالًا أكبر من الطبيعي بنسبة تتجاوز 50% مقارنة بالآخرين، وهو ما يسمح لهم بتخزين المزيد من الأوكسجين في دمائهم خلال الغوص. وُجد أن هذا التكيف الفسيولوجي مرتبط بجين يسمى PDE10A، الذي يزيد من إنتاج هرمون الثايرويد T4، مما يعزز حجم الطحال ويتيح احتياطات إضافية من الأكسجين عند الغوص. علاوة على ذلك، يُظهر الباجاو ما يُعرف بـ”منعكس الغوص” أو “غريزة الغوص”، وهي سلسلة من التغيرات الفسيولوجية تتضمن تباطؤ نبض القلب وتقلص الأوعية الدموية الطرفية، وهو ما يقلل من استهلاك الأوكسجين ويدعم تحملهم لتلك الظروف الاستثنائية. هذا التكيف يعتبر بمثابة “خزان غوص بيولوجي” يتيح لهم العمل في أعماق تصل إلى 60 مترًا تحت سطح الماء لمدة تصل إلى 13 دقيقة دون أجهزة تنفس، وهي قدرة يندر توفرها لدى الإنسان العادي. التحديات والمخاطر الصحيةيقدم شعب الباجاو على ثقب طبلة الأذن حيث يساعد في موازنة الضغط بين الأذن الخارجية والداخلية عند الغوص، إلا أن هذا الإجراء يحمل معه مخاطر صحية. فثقب الأذن يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالتهابات مزمنة ويقلل من قدرتهم على السمع، مما يشكل تحديًا صحيًا كبيرًا لقبيلة تعتمد على الغوص بشكل يومي لتأمين طعامها واحتياجاتها الأساسية. دلالات الدراسة والتطبيقات المستقبليةتكشف دراسة الباجاو عن أول دليل علمي على التأقلم الجيني للإنسان في بيئة بحرية، وقد يكون لهذا الاكتشاف فوائد طبية محتملة، مثل تطوير علاجات لمشاكل نقص الأوكسجين. كما أن فهم هذا التكيف يمكن أن يساهم في تحسين الإجراءات الطبية المتعلقة بتعامل الجسم مع نقص الأوكسجين الحاد، وهو موضوع ذو أهمية في حالات الطوارئ الطبية. إن تجربة شعب الباجاو تُعد شاهدة على قدرة الإنسان على التكيف الجيني والبيولوجي في مواجهة الظروف القاسية. قصتهم ليست مجرد دليل على البقاء، بل تذكير بأن الإنسان يمتلك قدرات مذهلة يمكن اكتشافها وتطويرها لأغراض علمية وطبية.