تقاطر ملايين السوريين إلى ساحات البلاد للاحتفال بـ «جمعة النصر» احتفالا بسقوط النظام، للمرة الأولى منذ عقود دون خوف من الاعتقال او الرصاص حاملين اعلام الاستقلال. واستعاد السوريون ذكريات احتجاجاتهم الأولى التي كانت تخرج عقب صلاة الجمعة وتوجهوا إلى مراكز محافظاتهم من ساحة الأمويين في دمشق مرورا بدرعا مهد الثورة والسويداء، وساحة الساعة في حمص التي كانت تلقب بعاصمة الثورة، وساحة العاصي بحماة وإدلب واللاذقية وطرطوس وصولا إلى ساحة سعدالله الجابري في حلب، وركزت خطب الجمعة على سورية المستقبل والبناء ووحدة الشعب.
ودعت إدارة العمليات العسكرية إلى الالتزام بالسلوك السلمي خلال المظاهرات حفاظا على سلامة الجميع، وقالت ان الأمن العام سيتعامل بحزم مع أي شخص يثبت تورطه في إطلاق نار خلالها وأكدت أن الأمن سينفذ انتشارا مكثفا لتأمين سلامة المشاركين.
ودعا قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني السوريين للنزول إلى الشارع احتفالا بـ «انتصار الثورة».
وأطل الشرع في مقطع ?يديو على تطبيق «تلغرام» بالزي المدني مرتديا قميصا أبيض وسترة رمادية من دون أكمام قائلا «أود أن أبارك للشعب السوري العظيم انتصار الثورة المباركة وأدعوهم للنزول إلى الميادين للتعبير عن فرحتهم بذلك دون إطلاق الرصاص أو ترويع الناس».
وأضاف «ثم بعد ذلك لنتجه إلى بناء هذا البلد، وكما قلناها منذ البداية: منصورة بعون الله».
وحول الجامع الأموي، انتشر عشرات الشباب لاستقبال الرجال والنساء والأطفال الذين تجمعوا في باحة المسجد، في مشهد غير مألوف في العاصمة السورية. ورفع الكثير منهم علم الثورة، ورددوا هتافات عدة بينها «واحد واحد واحد الشعب السوري واحد»، بحسب مراسلي «فرانس برس».
والى باحة المسجد، قدمت نور ذي الغنى (38 عاما) من حي الميدان الدمشقي، وقالت بفرح عارم «نحن في الجامع الأموي في دمشق، نجتمع فرحين بتحرير سورية، فرحين بتحريرنا من السجن الذي كنا نعيش فيه».
وأضافت السيدة المجازة في الاقتصاد بحماسة «هذه أول مرة نجتمع فيها بهذه الأعداد في مكان واحد، وأول مرة نشهد حدثا مماثلا.. لم نتوقع أن يأتي مثل هذا اليوم».
وعمت مشاهد الفرح والبهجة باحة المسجد الأموي ومحيطه، إلى حيث تدفق السوريون منذ ساعات الصباح، وحمل بعضهم علم الاستقلال السوري.
ورفع شبان شارات النصر أمام عدسات مئات وسائل الإعلام العربية والدولية.
وردد المشاركون وبينهم نساء ورجال وأطفال، شعارات عدة داعية إلى وحدة السوريين ومناوئة للأسد.
وعلى جدران المسجد الأموي الخارجية، علقت عشرات الصور لمفقودين ومعتقلين في سجون الأسد مع أرقام هواتف، لمن يعلم عنهم شيئا، مع اعلان السلطات الجديدة إخراجها آلاف المعتقلين من السجون السيئة السمعة في أنحاء البلاد.
ومن محافظة إدلب التي انطلقت منها عملية ردع العدوان التي انتهت بإسقاط الاسد، وصل عمر الخالد البالغ 23 عاما إلى دمشق للمرة الأولى في حياته.
وقال الشاب الذي يعمل خياطا لـ «فرانس برس»: «كان حلمي أن آتي إلى دمشق، وهذه أول مرة أزورها في حياتي».
وتابع «لا يمكن وصف شعورنا، معنوياتنا عالية جدا ونأمل أن تتجه سورية إلى مستقبل أفضل»، مضيفا «كان الشعب مخنوقا.. لكن الآن فتحت الأبواب لنا».
وقالت أماني زنهور (42 عاما) وهي مدرسة ومهندسة كومبيوتر «لا شيء أسوأ مما كان. لا يمكننا أن نشعر بالخوف» من المستقبل، مبدية تأييدها لإرساء دولة مرتكزة على تعاليم الإسلام، تحترم في الوقت ذاته تقاليد المكونات الأخرى في سورية، حيث تعيش أقليات عدة بينها المسيحية والكردية.
وفي خطوة نادرة الحدوث في بلد كان يحكمه حزب البعث لأكثر من ستين عاما، ألقى رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد البشير خطبة الجمعة من فوق منبر الجامع الأموي.
وبعد اداء صلاة الجمعة، في مسجد بني أمية الكبير وباقي المساجد، توجه المحتفلون إلى ساحة الامويين التي اصبحت ساحة مركزية لكل سورية مع تقاطر المحتفلين من المحافظات الأخرى.
ورفعوا علما كبيرا على نصب السيف الدمشقي الضخم، قرب مبنى الأركان العسكرية سابقا، ومبنى دار الأوبرا.
على بعد أمتار، صرحت أمينة معراوي (42 سنة) وهي داعية إسلامية «دعونا لا نتحدث في تفاصيل قد تفرقنا، ونتحدث فقط عما يجمعنا» مضيفة «ما يجمعنا اليوم هو كرهنا لبشار الأسد».
وفي باقي المحافظات بثت الاناشيد الثورية التي كان المحتجون يستخدمونها خلال احتجاجاتهم الأولى كأغنية «جنة جنة سورية ياوطنا» التي كان يرددها حارس منتخب سورية الراحل عبد الباسط الساروت الملقب بـ «حارس الثورة» وكذلك اهازيج «منشد الثورة» ابراهيم القاشوش. وردد آلاف المشاركين في كل الساحات أغنية «ارفع راسك فوق» تحية لمهد الثورة درعا.
واستعاض المتظاهرون عن شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» الذي استخدموه في بدايات الاحتجاجات بهتاف «الشعب يريد اعدام الرئيس».
وفي مدينة السويداء، معقل الأقلية الدرزية، توافد المئات إلى الساحة المركزية التي كانت مسرحا للتظاهرات المناهضة للحكومة على مدى عام ونصف العام.
وقال هيثم حديفة (54 عاما) «فرحتنا لا توصف.. طالما أن الشعب السوري يسير إلى الأمام موحدا، فلن يحدث له أي شيء». انتقل الكثيرون منهم فيما بعد عبر الحافلات إلى دمشق للمشاركة في الاحتفال المركزي في ساحة الامويين وآخرون توجهوا مدينة درعا المجاورة التي تعرف بـ «مهد الثورة».
وفي حلب، قال الأب بهجت إنه يتفهم المخاوف حيال السلطة الجديدة، لكنه أضاف «في الواقع نحن لم نعان من التمييز».