يصوم المسلمون شهر رمضان في كل عام إيمانا واحتسابا، وامتثالا لأمر الله تعالى، فهو فرض من فروض الإسلام الخمس.
والأدب صفة جميلة تدل على حسن خلق المرء، وأكمل الأدب وأعظمه الأدب مع الله سبحانه، ولذلك شُرع لكل عبادة في الإسلام آداب ينبغي على المسلم الحفاظ عليها، فالصلاة لها آداب، والحج له آداب، والصوم كذلك له آداب.
وحول آداب الصيام يقول الداعية الإسلامي عبد الرحمن بن عبيد السدر: “الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للطائعين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين، وآل ببيته الطيبين، وأصحابه أجمعين، وبعد إخوة الإيمان”.فإن الله سبحانه وتعالى شرع لعبادة الصوم، وجعل له آداباً، ينبغي للمؤمن المتبع للنبي صلى الله عليه وسلم أن يلتزم بها، ليؤدي صومه على أكمل وجه، وأحسن حال، وينال الثواب التام، فلقد فرض الله شهر رمضان لحكمٍ عظيمة, وأسرار بالغة, قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة 183).إخوة الإيمان: إن للصيام آداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب، فمنها النية، فلا شك ولا ريب أن شهر رمضان يحتاج إلى نية, فينوي في أول الشهر نية صيام شهر رمضان، امتثالاً لأمر الله وطلباً لمرضاته، لقول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).ومن الآداب الإمساك عن المفطرات: “الطعام والشراب والجماع”، والبعد عن كل ما ينقص الصوم من كذب، وغيبة، ونميمة، وسباب، واستماع للأغاني، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)، أخرجه البخاري، برقم الحديث 1903، صفحة رقم (362).فعلى الصائم أن يحفظ بصره عن النظر إلى المحرمات, ويحفظ أذنه عن الاستماع للغناء وآلات اللهو والطرب, فليس من العقل والحكمة أن يتقرب العبد إلى ربه سبحانه وتعالى بترك المباحات من الطعام والشراب والجماع، ويرتكب المعاصي والآثام.وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لمن شُتم قوله جهراً (إني صائم)، فالمسلم إذا صام عليه أن يكون حليماً مالكاً لنفسه، ضابطاً لمشاعره، مسيطراً عليها، مبتعداً عن أذية الناس، متحفظاً على لسانه وفلتاته، لا يستثار ولا يغضب، مبتعداً عن أسباب ذلك، راغباً للأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى، فرمضان مدرسة للنفوس ومهذباً للأخلاق والجوارح.ومن الآداب المستحبة الإكثار من تلاوة القرآن، والذكر، والصدقة، فالقرآن في شهر رمضان له مزية عن غيره من الشهور، فلقد نزل القرآن فيه، وكان نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يتدارس مع جبريل عليه السلام القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فدل على استحباب دراسة القرآن والإكثار من تلاوته.وأعلموا أنّ المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه؛ جهاد بالنهار على الصِّيام وجهاد بالليل على القيام.فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفَّى بحقوقهما، وصبر عليهما، وُفِّي أجرُه بغير حساب.قال كعب: ينادي يوم القيامة منادٍ: إنّ كُلّ حارثٍ يُعطى بحرثه ويُزاد غَيْرَ أهل القرآنِ والصّيام، يُعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضاً عند الله عزّ وجل، كما في المسند عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الصّيام والقرآن يَشفَعَانِ للعبد يوم القيامة؛ يقولَ الصّيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنّهار، ويقول القرآن: مَنَعَتهُ النوم بالليل فَشفَعني فيه، فيشفعان)، فالصيام يشفَعُ لمن منعه الطعام والشهوات المحرّمَة كُلّها، وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، فإن من قرأ القرآن وقام به، فقد قام بحقِّه فيشفَعُ له. من كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، لابن رجب رحمه الله، صفحة رقم (٣١٩-٣٢٠).والسنة في السحور التأخير إلى قبيل الفجر، ومن الآداب تعجيل الفطور، إذا تبين غروب الشمس المحقق، وتأخير السحور إلى قبيل الفجر.ومن الآداب الحرص على الدعاء عند الفطر, لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أنه قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم وذكر منهم الصائم حين يفطر)، صححه الألباني، برقم الحديث 2526، كما في سنن الترمذي، صفحة رقم (568).وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: (ذهب الظمأُ وابتلَّتِ العُروق، وثبت الأجر إن شاء الله)، حسنه الألباني، برقم الحديث 2357، كما في سنن أبي داود، صفحة رقم (413-414).اللهم اجعل صيامنا مقبولاً يا حي يا قيوم، ووفقنا للصيام والقيام على الوجه الذي يرضيك عنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.