يسعى مشروع دراسة المومياوات بوارسو ببولندا، إلى دراسة 23 مومياء بشرية، وحوالي 20 مومياء حيوانية.
وقدم اكتشافهم قبل شهور حول أول مومياء حامل في مصر القديمة وعدا بحثيا بأننا سنكون على موعد مع اكتشافات أخرى، وهو ما حدث بالفعل، حيث أعلنوا مؤخرا معاناة المومياء الحامل مع مرض السرطان، خلال حياتها.وخلال مقابلة خاصة هي الأولى مع موقع عربي، كشف مديرا المشروع فويتشخ إجسموند، و مارزينا أواريك زيلكي، لـ “العين الإخبارية” عن تفاصيل هذه الاكتشافات، وأعلنا عن بحث جديد يجري حاليا لبناء وجه المومياء الحامل. كما أكدا ان هذه الاكتشافات هي “غيض من فيض” لإنجازات أخرى سيتم إعلانها تباعا، كما أكدا أن المومياوات هي “كبسولات زمنية” يمكن استخدامها للتأريخ للأمراض، وتحدثا عن أسباب اتجاههما لهذا التخصص.. وإلى نص الحوار.
ما هو مشروع المومياء بوارسو ؟ هل يمكنك أن تقدما ملخصا لها؟
مشروع المومياء بوارسو، هو مشروع بحثي متعدد التخصصات يهدف إلى إجراء فحص شامل للمومياوات المصرية القديمة المحفوظة في المتحف الوطني في وارسو، فنحن ندرس 23 مومياء بشرية وحوالي 20 مومياء حيوانية.وبدأ المشروع بجرد المومياوات القديمة في المتحف، واتضح أن بعض المومياوات كانت مقطوعة، على سبيل المثال كانت هناك أجزاء من جمجمة بشرية في صندوقين، وكان يعتقد أنهما شخصان، لكن فحص الباحثة مارزينا أواريك-شيلكي، أثبت أنه كان في الأصل شخصا واحدا، لذلك قمنا بتقليل عدد المومياوات في المتحف، ولاحقًا ، صنعنا صورا بالأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب، والتي ما زلنا نقوم بفحصها، وحتى الآن، كان اكتشافنا الأكثر إثارة هو المومياء الحامل.
يرتبط اسم المشروع باكتشاف المومياء الحامل. هل كانت لديكم اكتشافات أخرى لم تحظ بنفس شهرة المومياء الحامل؟كان أول اكتشاف لنا هو جعران في مومياء كاهن طيبة باني، الذي عاش في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد، وفي اليوم التالي عندما كنا نفحص مومياء الكاهن هوج-دجيهوتي، لاحظنا أن الهيكل العظمي للرجل كان حساسا للغاية بالنسبة للرجل، وبعد أخذ قياسات قليلة للعظام توصلنا إلى أن هذا لم يكن رجلاً بل امرأة، وتم الإعلان عن اكتشافنا في ورقتنا البحثية التي قدمت في عام 2016، وتصدرت عناوين الصحف في ذلك الوقت.
وبينما واصلنا الأبحاث حول هذه المومياء، اكتشفنا أن المرأة حامل وأن الجنين محفوظ جيدا إلى حد ما، لقد كان اكتشافًا غير عادي وغير متوقع تمامًا، لأننا عند فحص المومياوات لا نبحث عن الحمل، لكن كل مومياواتنا تخضع لتحليل مفصل ولم نسمع عن مومياء حامل أخرى من قبل، ونعتقد أيضا أن لدينا أول مومياء حامل في العالم.
وأضافا: “منذ بداية المشروع كنا نركز من بين أمور أخرى، على البحث عن آثار للأمراض القديمة، وخاصة السرطان، وتمت مكافأة سنوات طويلة من الدرسات الدقيقة من خلال اكتشاف التغيرات المرضية في عظام الجمجمة والتي تشير إلى سرطان البلعوم الأنفي، ونعمل حاليا مع البروفيسور رافاي ستيك والبروفيسور توماش ستوكوسا من جامعة وارسو الطبية لإجراء اختبارات الأنسجة الوراثية والجزيئية لمعرفة المزيد ليس فقط عن مومياواتنا ولكن أيضًا عن السرطان نفسه في العصور القديمة.
وقمنا بالعديد من الاكتشافات الأخرى في هذه الأثناء، حيث وجدنا تمائم ومجوهرات تحت الأغلفة، لكننا نرغب في تقديمها عندما سننشر أبحاث مومياوات أخرى، وهناك مومياء واحدة في المجموعة يعتقد أنها مزورة.
البيضة والحمضكيف تلقيت تشكيك الباحثين المصريين في اكتشاف المومياء الحامل، هل شعرت بوجود “غيرة بحثية” أم أن ملاحظات هؤلاء الباحثين كانت معتبرة وتستحق الرد؟اتصلت بنا الدكتورة سحر سليم اختصاصي الأشعة بجامعة القاهرة، بخصوص اكتشاف المومياء الحامل ونشرت ملاحظاتها لاحقًا على الاكتشاف، وهذا نقاش أكاديمي علمي، هي قدمت شكوكها وحججها ضد اكتشافنا، وتناولت احتمالات لكل ما يمكن العثور عليه في تجويف البطن، وحتى أمراض الحمل خارج الرحم النادرة للغاية، ولم نتفق مع رأيها، لذلك نشرنا ردنا عليها مع تحليل العمليات التي حدثت أثناء تحنيط الجنين داخل جسد الأم، ونحن نعتبر هذا نقاشًا علميًا صحيًا لفت انتباهنا إلى جوانب معينة من المومياء.
وأضافا أنه أصبح من المهم بشكل خاص شرح العمليات التي حدثت أثناء التحنيط، فن قبل، لم نكن نعتقد أنه سيكون مثيرًا للجدل إلى هذا الحد. لكن بفضل المناقشة العلمية كان علينا تحليل ما يحدث للجنين المتبقي في الرحم أثناء التحنيط، وهذا ما نعتبره نجاحنا العلمي، فلم يقم أحد من قبل بتحليل عملية تحنيط الجنين في المومياوات من قبل.
والخلاصة أن سحر سليم كتبت انتقاداتها من منظور اختصاصي الأشعة الذي لم يرَ الأشعة المقطعية أو الأشعة السينية، ولا يمكننا إتاحتها حتى نهاية البحث لأننا ما زلنا ننشر اكتشافات أخرى، وسنفعل ذلك لاحقًا بالطبع.
أما بخصوص الغيرة، فيجب أن نعترف أن ذلك موجود بين الباحثين، ونحن أحيانا نشعر بالغيرة من زملائنا البولنديين، ونحن سعداء بالاستقبال الحماسي من قبل المتخصصين الآخرين، لقد تلقينا العديد من رسائل البريد الإلكتروني للتهنئة وأقمنا تعاونا مع العديد من العلماء المتميزين من جميع أنحاء العالم.هل كانت نظرية “البيض والحمض” التي استخدمها فريق البحث للرد على الانتقادات كانت موجودة في أذهانك وقت الاكتشاف، أم فكرتم بها بعد قراءة الانتقادات؟
لن نسميها نظرية، هي بالأحرى طريقة لشرح الظاهرة بطريقة سهلة لغير المتخصصين، ويوجد مقال علمي يستكشف هذه العملية مع متخصصين في علم الطب والكيمياء والدم قيد المعالجة حاليا.
جاءت فكرة مقارنة عمليات الذي يحدث في الرحم لاحقًا بظاهرة البيضة والحمض، عندما احتجنا إلى أن نشرح للصحفيين وفي مدونتنا بطريقة شائعة ما حدث للجنين، لم نكن نتوقع أن يحظى باستقبال جيد من قبل عامة الناس.سرطان المومياء الحاملفيما يتعلق بآخر اكتشافاتك حول سرطان المومياء الحامل.. هل العلامات التي تم رصدها قاطعة ومؤكدة أم مجرد اجتهاد؟
يشير موقع التغيرات على العظام إلى هذا النوع من السرطان (سرطان البلعوم الأنفي)، لكي نكون متأكدين تمامًا، نحتاج إلى إجراء فحص الأنسجة كما في حالة المرضى الأحياء، وفي حالة مومياواتنا، التشخيص ليس مؤكدا بعد ، ولكن الأكثر ترجيحًا، نريد تأكيده ومعرفة المزيد، في ظروف أخرى، على سبيل المثال، كان من الممكن العثور على جمجمة بهذه الميزات في موقع تنقيب في بولندا، ولكن بدون الأنسجة الرخوة، كان من الممكن تصنيفها على أنها تحتوي على آثار للسرطان.
نشرت قبل أيام دراسة حول تسجيل إصابة مومياء بالتهاب المفاصل الروماتويدي، وأخبرني أحد الباحثين، رداً على دراسة، أن العلامات التي تم ملاحظتها والتي اقترحها الباحثون كانت شبيهة بأمراض أخرى، وأن تأكيد هذا النوع من الإصابة يحتاج إلى تحليلات إضافية لا يمكن إجراؤها مع الهياكل العظمية القديمة مثل المومياوات، ألا ينطبق نفس الأمر على اكتشافكم الأخير أن المومياء مصابة بالسرطان؟
ما قاله لك الباحث نهج جيد وحكيم للغاية، فعلى الرغم من أن أمراض المفاصل يمكن أن تترك تغييرات مماثلة في العظام، يجب من أجل التشخيص، إجراء تحليل شامل لجميع المفاصل، لأن جزءا منه ليس ظهور الآفة التي تشير إلى مرض معين، ولكن أنواع المفاصل التي تظهر عليها علامات المرض، إنه نفس الشيء مع مومياواتنا، ليست عيوب العظام وحدها هي التي تشير إلى السرطان، بل هي أثر لورم خبيث سرطاني محتمل.. ومع ذلك، فقد أبرزنا في بياننا الصحفي أن السرطان محتمل جدًا، ولكن من أجل التأكد تمامًا نحتاج إلى إجراء المزيد من الفحوصات التشريحية المرضية.وأضافا: نحن أعنا عمدا عن تفسيرنا حتى يتمكن باحثو السرطان الآخرون من الاتصال بنا لإبلاغنا بأفكارهم، وتبادل المعلومات، وهذا محفز للغاية، وسنقدم أيضًا ملاحظاتنا في العديد من المؤتمرات العلمية ونأمل في الحصول على تعليقات.بعد تسجيل السرطان ، ما هي الأسرار الأخرى التي قد تحملها هذه المومياء الغامضة؟
ما زلنا نحاول الكشف عن هويتها، ونود معرفة اسمها ومزيد من التفاصيل حول حياتها، ونرغب في تحديد تاريخ المومياء بالكربون لتحديد متى كانت تعيش، وأيضا، نحن نعد منشورا لإعادة بناء وجهها، والذي تم إعداده من قبل 2 من المتخصصين الجيدين حقا، فبحثنا مثل تحقيق الشرطة أو رواية غامضة، فهو مليء بالمفاجآت والتحولات.أود أن تصف لي كيف شعرتما بعد اكتشاف المومياء الحامل؟ هل حرصتم على عدم تسريب هذا الخبر قبل نشره علمياً؟
كان من المهم جدًا بالنسبة لنا أن يتم تأكيد الحمل من قبل أخصائي الحمل وأخصائي أمراض النساء ووصفه بالتفصيل، وقمنا أيضًا بفحص الكثافات الإشعاعية (ما يسمى بوحدات هونسفيلد) للأنسجة وأجزاء مختلفة من الجنين والمنسوجات والأعضاء المحنطة وقارنناها بدراسات الأشعة المقطعية الأخرى المنشورة لمومياوات مصرية وغير مصرية.
وتم نشر الاكتشاف لأول مرة في مجلة علم الآثار التي تمت مراجعتها من قبل الأقران، لذلك لم يتم نشرها في وسائل الإعلام. أردنا إعداد منشور علمي أولاً حتى يتمكن الباحثون الآخرون من الوصول إلى بياناتنا. ونشرت المجلة مقالنا في وقت أبكر مما كان متوقعا، لذلك علمنا بالنشر من وسائل الإعلام، وبدأنا في تلقي رسائل البريد الإلكتروني من الصحفيين يسألون عن اكتشافنا، ولم نكن مستعدين لذلك، لكن الاكتشاف نفسه أصبح شائعًا، لقد كانت تجربة مجزية حقًا لنا، كنا نظن أن العلماء فقط هم من يهتمون.غيض من فيضبخلاف المومياء الحامل، هل هناك دراسات على مومياوات أخرى ضمن مشروع “وارسو مومياء” قد تجلب مفاجآت لا تقل عن المومياء الحامل؟
بالطبع.. تتكون المجموعة الموجودة في وارسو من 23 مومياء بشرية، بما في ذلك مومياوات كاملة وأجزاء من الجسم مثل الرأس أو اليدين، وكل مومياء فريدة من نوعها، لقد بدأنا للتو في نشر نتائج دراسة أول مومياء وهذا مجرد غيض من فيض، وما زلنا نبحث في جسد هذه السيدة الغامضة، ويمكننا القول في هذه المرحلة من البحث إننا وجدنا بالصدفة مومياء يعتقد أنها ضاعت، ولدينا 22 مومياء أخرى سنخرج من تحليها باكتشافات لعرضها على المجتمع العام والأكاديمي.ماذا تعني لكما دراسة المومياوات القديمة، ألا تشعران بالرهبة والخوف، ولماذا اخترتما هذا التخصص على وجه التحديد؟
مارزينا: لا داعي للخوف على الإطلاق، فمنذ طفولتي كنت مفتونة بالطب والكيمياء والتاريخ ومصر القديمة، ومنذ سن 12 عامًا كنت أرغب في دراسة المومياوات لأن البحث متعدد التخصصات حول المومياوات يجمع كل هذه التخصصات معًا، وفي معهد علم الآثار بجامعة وارسو كان هناك أساتذة حاضروا عن مصر القديمة والبروفيسور كارول بياسيكي الذي كان خبيرًا ممتازًا في المومياوات. بفضل البروفيسور كارول، ذهبت إلى مصر لأول مرة وأجريت أول بحث عن مومياء في حياتي، وبالطبع لقد نشرت النتائج.
ويتطلب العمل مع المومياوات تعلمًا مستمرًا لأن البحث يسير جنبًا إلى جنب مع التطورات في الطب وعلم الوراثة والعديد من المجالات الأخرى، يجب أن تكون على اطلاع دائم وعقل متفتح، ولا تخاف من السؤال وتكون قادرا على التعاون مع فريق من المتخصصين، فالمومياوات هي كبسولات زمنية، ستساعدنا على فهم المرض الحديث بشكل أفضل.
أما فويتشخ، فيقول: لطالما كنت مفتونًا بالحضارة المصرية القديمة، فقد كانت واحدة من أعظم الثقافات القديمة التي أثرت على العديد من الدول القديمة في الشرق الأوسط وكانت مصدر إلهام لليونان القديمة، ويمكننا أن ندرسها بآثارها ونصوصها وصناع الحضارة أنفسهم.
وتتيح لنا تقنيات البحث الحديثة التعرف على كيفية عيشهم، وماذا أكلوا، وما مرضوا به، وكان لدى قدماء المصريين طب متقدم للغاية ونعتقد أنه لا يزال بإمكاننا التعلم منهم.
علاوة على ذلك، استمرت الدولة الفرعونية لآلاف الأعوام، وخلال ذلك الوقت كانت الأمراض المختلفة تجتاح البلاد، وكان الأطباء يختبرون العلاجات المختلفة للإصابات والأمراض، وهذا مصدر بيانات لا يقدر بثمن.
وتسمح لنا دراسة المومياوات أيضًا بالتعرف على معتقداتهم، فأنا أشعر باحترام وإعجاب كبير لهؤلاء الأشخاص، واخترت هذا التخصص لأنني مفتون بمصر القديمة وأعتقد أن دراستها يمكن أن تثري حضارتنا.القيمة العلميةما هي القيمة العلمية لدراسة الأمراض القديمة في المومياوات، وهل يمكن الخروج منها بدروس مستفادة تثري حياتنا الآن؟
نعم ، تحتوي المومياوات القديمة على معلومات حول الأمراض السابقة التي لا تزال تصيبنا حتى اليوم، على سبيل المثال الملاريا وداء البلهارسيات، والتي كانت شائعة جدًا أيضًا في مصر القديمة، لكننا مهتمون ليس فقط بالأمراض الطفيلية، ولكن أيضًا بالأمراض الفيروسية والبكتيرية والأورام.
ويعتقد الكثير من الناس أن السرطان هو أحد أمراض نمط الحياة الحديثة التي تسببها الأطعمة غير الصحية والكحول والنيكوتين أو فيروس الورم الحليمي البشري، ننسى أن العديد من هذه العوامل رافقت الإنسان لآلاف السنين، فالسرطان لم يكن أقل شيوعا في العصور القديمة.
على عكس الرأي العام، كان لدى الناس عادات وتفضيلات مماثلة، وكان التلوث الناجم عن دخان الأفران في المدن، واستهلاك الكحول أو الإجهاد أكبر مما هو عليه اليوم، لم تكن هناك أيضًا مثل هذه التشخيصات والأدوية، لذلك غالبًا ما تتطور الأمراض بشكل أسرع وتترك آثارًا أكبر. لم يعيش الكثير من الناس طويلاً بما يكفي للوصول إلى العمر الذي تتطور فيه أنواع معينة من السرطانات بشكل متكرر، ومع ذلك، يمكن العثور على مومياوات وهياكل عظمية بها آثار للسرطان. من خلال مقارنة حالات السرطان القديمة بالحالات الحديثة ، يمكننا معرفة ما إذا كان هذا المرض قد تغير مع مرور الوقت وكيف.