من هو سلمويه بن بنان الطبيب؟
سلمويه بن بنان هو طبيب مسيحي تابع للمذهب النسطوري عاش في بغداد عاصمة الدولة العباسية وذلك خلال القرن التاسع الميلادي.
كان سلمويه طبيباً مشرفاً على صحة الخليفة المعتصم بالله، وقد عرف عليه كونه رائداً من روَّاد حركة الترجمة في القرن الثالث الهجري، حيث ترجم عدة أعمال من اليونانية إلى العربية، من أهمها أعمال الطبيب الإغريقي جالينوس.
وكان المعتصم يقول عنه: ” هذا عندي أكبر من قاضي القضاة لأنَّ هذا يحكُمُ في مالي وهذا يحكُم في نفسي، ونفسي أشرف من مالي.
مكانته العلمية:-
اعتبر سلمويه من أمهر الأطباء الجرَّاحين في مدينة القدس ، إذ تميَّز بدرايته التامَّة بخبايا هذا العلم وأسراره، كما اشتهر اسم علامتنا في مجال الترجمة، حيث كان متقناً للغاتٍ عدَّة، ما جعله مرجعاً مهما لكُل راغبٍ في طلب العلم والمعرفة في زمانه.
ورغم علو شأن هذا العالم انطلاقا مما شهدت به كتب التراجم، فإن المعلومات حول حياة سلمويه الطبيب تظلُّ قليلة مقارنة بما أضافه الى ساحة الطب والترجمة في عصره.
لكن هذا التقصير لم يطل علامتنا فقط وإنما أطباء آخرين كُثُر ممن مارسوا هذه المهنة في فلسطين، فقد وَرد اسم سلمويه بن بنان في إحدى الوثائق العثمانية المؤخرة بتاريخ 1784 ميلادية الموافق 1198 هجرية مع اسمين اخرين من الجرَّاحين الذين مارسوا المهنة في فلسطين، غير أن الملاحظ كون المراجع خالية من أعلام الأطباء المقدسيين خلال القرون الثلاثة الأولى الهجرية، إذ يبدو أن المؤرخين و مدوني الأحداث قد أغفلوا هذا الأمر تماما أو أن كتباً تطرَّقت إلى ذلك ففُقدت أو اندثرت من الوجود، وهو أمر ٌ دارجٌ جدا.ً
خدمته للخليفة المعتصم :-
يعتبر الطبيب سلمويه بن بنان مثالاً مميزاً لذلك الرابط الذي يجمع بين كل من السِّياسة و الطب في التاريخ الإسلامي حيث نصبهُ الخليفة العباسي المعتصم مشرفاً على إدارة شؤون البلاد فضلا ًعن جعله طبيبه الشخصي أيضاً.
ويقول ابن أبي أصيبعة في هذا الصدد : “لما اُستُخلف أبو إسحاق محمد المعتصم بالله، وذلك في سنة 218هـ اختار لنفسه سلمويه الطبيب، وأكرمه إكراما كثيرا يفوق الوصف، وكان يرد إلى الدواوين توقيعات المعتصم في السجلات وغيرها بخط سلمويه، وكل ما يرد على الأمراء والقوَّاد من خروج أمر وتوقيع من حضرة أمير المؤمنين، بخط سلمويه . ومما زاد من جور سلمويه بن بنان في بلاط المعتصم؛ أنه نجح في تولية أخيه إبراهيم بن بنان خزن بيوت الأموال في البلاد، وخاتمه مع خاتم أمير المؤمنين”.
وإذا دل حديث ابن ابي اصيبعة على شيءٍ فانه يدل على مدى ثقة الخليفة بسلمويه الطبيب، إذ وضع زمام الدولة بين يديه فضلاً عن كونه قد ائتمنه على صحَّة بدنه، فقد اتفقت المراجع على أنه لم يكن أحد عند الخليفة مثل سلمويه وأخيه إبراهيم في المنزلة، ما أتاح للأخوين فرصاً عديدة وجلب لهم منافع كثيرة، واكتسب طبيبنا معرفة بالسياسة ومغاراتها، فظل وفيا للمعتصم ولم يخدم غيره.
تُرجم لعلامتنا في عدد من كبار كتب التراجم، فأكثروا الثناء عليه واعترفوا بعلمه وحكمته، ونذكر من ذلك ما يلي:
- قال ابن فضل الله العمري في كتاب كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار عن سلمويه بن بنان :
“جلّ في العيان، وحلّ في الأعيان، وكان له شان لا تغص به المآقي، ولا يغضّ الأيام على لياليه البواقي، وسعد به أخاه، وصعد رتب النظراء ولم يواخوه”.
- كذلك تحدث عنه ابن أبي أصيبعة فقال: ” لما استخلف المعتصم اختاره لنفسه، وقرّبه حتى كانت التواقيع في السجلات وغيرها تصدر عن المعتصم بخطه، وولى أخاه بيوت الأموال، وسلّمه خاتمه، وكان سلمويه نصرانيا محمود السيرة، وافر العقل”.
وقال صلاح الدين الصفدي في “الوافي بالوفيات” في هذا السياق: “واعتلَّ سلمويه وعاده المعتصم وبكي عندهُ، وقال له: تشير عليَّ بعدَك بما يُصلحني.، فقال له: عليكَ بهذا الفُضولي يوحنا بن ماسويه، وإذا شكوت إليه ووصف لكَ أوصافاً فخُذ أقلها أخلاطاً”.
توفي سلمويه بن بنان سنة 840 م، فتأثر الخليفة المعتصم أشدَّ التأثُّر عندما وصله خبر موته، لدرجة أنه أضرب عن الطعام وأقام جنازته في منزله وفقاً للأعراف المسيحية احتراماً لسلمويه وعقيدته. إلَّا أن الخليفة نفسه لم يصمد طويلاً، فتوفي بعد صديقه بعشرين شهراً.
تعرف عليه أكثر هنا يوحنا بن ماسويه .. الطبيب النسطوري الأمين للخلفاء العباسيين
المصادر:-
- ابن فضل الله العمري: كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.
- الزركلي: الاعلام .
- ابن أبي اصيبعة : عيون الأباء في طبقات الأطباء.
- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين.
- القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحُكماء.
- الصفدي، الوافي بالوفيات.