ابن البذوخ هو أبو جعفر عمر بن علي القلعي المغربي، الطبيب العارف بتركيب الأدوية والمولود في قلعة بني حماد أو في محيطها وذلك في القرن الخامس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وهذه القلعة كانت العاصمة الأولى لدولة الحماديين الصنهاجيين وذلك قبل انتقالها إلى مدينة بجاية (الجزائر).
اشتهرت هذه القلعة بارتباطها برائد علم الاجتماع ومؤسِّسه عبد الرحمن بن خلدون (توفي 1406 م) صاحب المقدمة المشهورة، والذي وصفها بالقول:”استبحرت في العمارة، واتسعت بالتمدُّن، ورَحَل إليها من الثُّغور القاصِية والبلد البعيد طُلاب العُلوم، وأربابُ الصنائع”، كما ذكرها الرحَّالة الإدريسي (توفي سنة 1166 م) بقوله: “مدينة القلعة من أكبر البلاد قطراً وأكثرها خلقا وأغزرها خيراً وأوسعها أسواراً وأحسنها قصوراً ومساكن، وأعمها فواكه، وخِصباً، وحنطتها رخيصة، ولحُومها طيِّبة سمينة”.
ويبدو أنَّ ثقافة صناعة الأدوية والترياقات وتركيبها كانت سائدة في القلعة ومحيطها، وهو ما ساهم في هضم ابن البذوخ لهذه المعارف منذ صباه، ومن وصف الإدريسي للقلعة في عصره قوله: “بهذه المدينة عقاربُ كثيرة سود، تقتل في الحال وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصَّنون من ضررِها، ويشربون لها نبا الفليون الحراني، ويزعمون أنه ينفع، درهمين منه لعام كامل… وحكى عن هذه الحشيشة أنه شربها وقد لبسته العقرب فسكن الوجع سريعاً، ثم أنه لسبته العقارب في سائر العام ثلاث مرات، فما وجد لذلك اللسب ألما وهذا النبات ببلد القلعة كثير..”.
انتقل ابن البذوخ -والذي كان كاتباً و شاعراً أيضاً- إلى دمشق وأقام سنين عديدة حتى وافته المنية فيها.
تعرف هنا على بجاية .. عاصمة الدولة الحمادية
مكانة ابن البذوخ العلمية:-
تميَّز ابن البذوخ بموسوعيته الطبية، إذ حرص على الاستفادة من علوم سابقيه من الأطباء اليونان والعرب والمسلمين الكبار من قبيل أبقراط وديسقوريدس وجالينوس بالإضافة إلى ابن سينا وغيرهما، غير أنَّهُ لم يكتفِ بذلك؛ حيث واصل جهوده لتطوير قدراته الطبية ومعارفه في تركيب الأدوية، فقد قال الناس عنه حينما استقر في دمشق:
- كان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المفردة والمركبة وله حسن نظر في الاطلاع على الأمراض ومداواتها.
- كانت له دكان عطر باللبادين (باب اللبادين في دمشق والذي سادت عليه هذه التسمية لأنه مجاور لسوق اللباد المصنوع من أفخر أصناف صوف الخراف المندوف، ويُعرف أيضاً بباب جيرون وباب السَّاعات والباب الشرقي)، يجلس فيها ويعالج من يأتي إليه أو يستوصف منه.
- كان يهيئ عنده أدوية كثيرة مركَّبة يصنعها من مختلف المعاجين والأقراص والسُفوفات وسوى ذلك يبيع منها ويبتاعها الناس وينتفعوا بها.
- كان معتنياً كثير الاطلاع على الكُتب الطبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكرهُ الأوائل من صفة الأمراض وسُبُل مداواتها.
مؤلفاته:-
تأثر ابن البذوخ وتعلَّق كثيراً بما قدَّمه العلماء السابقون من مساهمات في مجال الطب والأدوية، وقد علَّق على بعض تلك المؤلفات، ومن ذلك كتابته:
- شرحاً لكتاب الفصول لأبقراط الإغريقي الطبيب الشهير.
- أرجوزة شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط أيضاً.
- أرجوزة كتاب ذخيرة المفرد في التأليف من الأشباه.
- حواش على كتاب القانون في الطب للطبيب الموسوعي العملاق ابن سينا.
شعره:-
ابن البذوخ كان صاحب اهتمامات بعلم الحديث كما كان يشعر وله رجزٌ كثير إلا أن أكثر شعره ضعيف منحل، ومن شعره في ذكر الموت والمعاد قوله:
وقال ابن البذوخ مادحاً كتاب جالينوس:
وفاته:-
توفي ابن البذوخ في دمشق سنة 576 هجرية (1180م)، وذلك بعد أن عمَّر طويلاً وضعُفت حركته بسبب ضعف بدنه وإصابته بالعمى بماء نزل في عينه لأنه كان كثيراً يغتذي باللبن ويقصد بذلك ترطيب بدنه، وفي سنواته الأخيرة؛ كان يُنقَل إلى دُكَّانه محمولاً في محفَّة.
قال فيه ابن فضل الله العمري: “كان من أعلام أهل الفضائل، وأواخِر من لحقه السَّلف من الأوائل، جنى بيده الأدوية وركَّبها، وعرف مقادير رتبها ورتّبها، إلى سوى هذا مِمَّا قضى فيه أيام عُمره، وذهب وقد أبقى للناس من ثمره، وكان كأنه ما مات، ولا أكلت أنواره الظلمات، ومضى وهذا أثره، وبقي ذباب السيف وهو أكثره..”.
تعرف على أحمد بن الجزار القيرواني .. الفيلسوف الباهر والطبيب الحاذق
المصادر:-
ابن البذوخ هو أبو جعفر عمر بن علي القلعي المغربي، الطبيب العارف بتركيب الأدوية والمولود في قلعة بني حماد أو في محيطها وذلك في القرن الخامس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وهذه القلعة كانت العاصمة الأولى لدولة الحماديين الصنهاجيين وذلك قبل انتقالها إلى مدينة بجاية (الجزائر).
اشتهرت هذه القلعة بارتباطها برائد علم الاجتماع ومؤسِّسه عبد الرحمن بن خلدون (توفي 1406 م) صاحب المقدمة المشهورة، والذي وصفها بالقول:”استبحرت في العمارة، واتسعت بالتمدُّن، ورَحَل إليها من الثُّغور القاصِية والبلد البعيد طُلاب العُلوم، وأربابُ الصنائع”، كما ذكرها الرحَّالة الإدريسي (توفي سنة 1166 م) بقوله: “مدينة القلعة من أكبر البلاد قطراً وأكثرها خلقا وأغزرها خيراً وأوسعها أسواراً وأحسنها قصوراً ومساكن، وأعمها فواكه، وخِصباً، وحنطتها رخيصة، ولحُومها طيِّبة سمينة”.
ويبدو أنَّ ثقافة صناعة الأدوية والترياقات وتركيبها كانت سائدة في القلعة ومحيطها، وهو ما ساهم في هضم ابن البذوخ لهذه المعارف منذ صباه، ومن وصف الإدريسي للقلعة في عصره قوله: “بهذه المدينة عقاربُ كثيرة سود، تقتل في الحال وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصَّنون من ضررِها، ويشربون لها نبا الفليون الحراني، ويزعمون أنه ينفع، درهمين منه لعام كامل… وحكى عن هذه الحشيشة أنه شربها وقد لبسته العقرب فسكن الوجع سريعاً، ثم أنه لسبته العقارب في سائر العام ثلاث مرات، فما وجد لذلك اللسب ألما وهذا النبات ببلد القلعة كثير..”.
انتقل ابن البذوخ -والذي كان كاتباً و شاعراً أيضاً- إلى دمشق وأقام سنين عديدة حتى وافته المنية فيها.
تعرف هنا على بجاية .. عاصمة الدولة الحمادية
مكانة ابن البذوخ العلمية:-
تميَّز ابن البذوخ بموسوعيته الطبية، إذ حرص على الاستفادة من علوم سابقيه من الأطباء اليونان والعرب والمسلمين الكبار من قبيل أبقراط وديسقوريدس وجالينوس بالإضافة إلى ابن سينا وغيرهما، غير أنَّهُ لم يكتفِ بذلك؛ حيث واصل جهوده لتطوير قدراته الطبية ومعارفه في تركيب الأدوية، فقد قال الناس عنه حينما استقر في دمشق:
- كان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المفردة والمركبة وله حسن نظر في الاطلاع على الأمراض ومداواتها.
- كانت له دكان عطر باللبادين (باب اللبادين في دمشق والذي سادت عليه هذه التسمية لأنه مجاور لسوق اللباد المصنوع من أفخر أصناف صوف الخراف المندوف، ويُعرف أيضاً بباب جيرون وباب السَّاعات والباب الشرقي)، يجلس فيها ويعالج من يأتي إليه أو يستوصف منه.
- كان يهيئ عنده أدوية كثيرة مركَّبة يصنعها من مختلف المعاجين والأقراص والسُفوفات وسوى ذلك يبيع منها ويبتاعها الناس وينتفعوا بها.
- كان معتنياً كثير الاطلاع على الكُتب الطبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكرهُ الأوائل من صفة الأمراض وسُبُل مداواتها.
مؤلفاته:-
تأثر ابن البذوخ وتعلَّق كثيراً بما قدَّمه العلماء السابقون من مساهمات في مجال الطب والأدوية، وقد علَّق على بعض تلك المؤلفات، ومن ذلك كتابته:
- شرحاً لكتاب الفصول لأبقراط الإغريقي الطبيب الشهير.
- أرجوزة شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط أيضاً.
- أرجوزة كتاب ذخيرة المفرد في التأليف من الأشباه.
- حواش على كتاب القانون في الطب للطبيب الموسوعي العملاق ابن سينا.
شعره:-
ابن البذوخ كان صاحب اهتمامات بعلم الحديث كما كان يشعر وله رجزٌ كثير إلا أن أكثر شعره ضعيف منحل، ومن شعره في ذكر الموت والمعاد قوله:
وقال ابن البذوخ مادحاً كتاب جالينوس:
وفاته:-
توفي ابن البذوخ في دمشق سنة 576 هجرية (1180م)، وذلك بعد أن عمَّر طويلاً وضعُفت حركته بسبب ضعف بدنه وإصابته بالعمى بماء نزل في عينه لأنه كان كثيراً يغتذي باللبن ويقصد بذلك ترطيب بدنه، وفي سنواته الأخيرة؛ كان يُنقَل إلى دُكَّانه محمولاً في محفَّة.
قال فيه ابن فضل الله العمري: “كان من أعلام أهل الفضائل، وأواخِر من لحقه السَّلف من الأوائل، جنى بيده الأدوية وركَّبها، وعرف مقادير رتبها ورتّبها، إلى سوى هذا مِمَّا قضى فيه أيام عُمره، وذهب وقد أبقى للناس من ثمره، وكان كأنه ما مات، ولا أكلت أنواره الظلمات، ومضى وهذا أثره، وبقي ذباب السيف وهو أكثره..”.
تعرف على أحمد بن الجزار القيرواني .. الفيلسوف الباهر والطبيب الحاذق