تياذوق هو طبيب عاش في العصر الأموي، واكتسب شهرة واسعة بفضل علمه و براعته، حيث صَحِبَ عامل الأمويين على العراق وقائد جيوشهم الحجاج بن يوسف الثقفي وجعله الأخير طبيبه الخاص، بفعل ثقته في تشخيصه للمرض ومداواته.
وقد سيطر غير المسلمين على مهنة الطب في العصر الأموي، إذ يلحظ أن غالبيتهم كانوا من اليهود والمسيحيين والصابئة من قبيل الحكم الدمشقي ونجله عيسى وابن أثال وماسرجويه وغيرهم.
أقوال العلماء في تياذوق :-
أثنى العلماء والمؤرخون على علم وشخص تياذوق، ومن بين أبرز ما تناوله بالذكر:
- قال عنه الإمام الذهبي في “سير أعلام النبلاء”: “كان بارعاً في الطِّب، ذكياً عالماً، وكان عزيزاً عند الحجَّاج، ولهُ ألفاظٌ في الحكمة، توفِّيَ قريباً من سنَةِ تسعين وقد شَاخ، صنَّفَ كُنَّاشاً كبيراً، وكتاب “الأدوية” وغير ذلك..”.
- أما ابن أبي أصيبعة ؛ فقال عنه في “طبقات الأطباء”: ” كان طبيباً فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب..”.
- بدوره؛ قال محمد حسين علي السويطي عنه في دراسته التي نشرها بمجلة واسط “تياذوق الطبيب، سيرته وآثاره العلمية”: “هو أحد الأطباء النَّصارى الرُّوم الدمشقيين المتمكنين من صنعتهم، حاله حال معظم أطباء العصر الأموي المعروفين، ومردُّ ذلك إلى إتقان المسيحيين للغة اليونانية، واختلاطهم بأطباء الرُّوم في الشَّام الذين سبقوا المسلمين بالإقبال على تعلُّم العلوم الطبيعية والطبية، وكان فضلاً عن حذاقته في صنعته الطبيَّة؛ كريم الخُلُق، لطيف المعاشرة، سريع البديهة..”.
- وقال عنه كمال السامرائي: ” كان حسَن السُّلوك، فاضل الخُلُق، واسِع التجربة في الطِب، له فيه إصابات حَسَنة”.
نصائح تياذوق للحجاج :-
وجه تياذوق سلسلة نصائح للحجَّاج الذي كان يمنح الأول ثقة مطلقة ويغدق عليه الأموال والهدايا.
والحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل، هو أبو محمد الثقفي، قائد داهية، وُلِدَ في الطائف سنة 39هـ، وقد ولِّيَ العراق عشرين عاماً، كان فيها دعامة من دعائم الدولة الأموية، وقد صورته الكثير من كتب التاريخ على أنه جزَّار محب لسفك الدماء، وقد توفي بواسط في شهر رمضان من سنة 95هـ .
وقال عنه الذهبي: “كان ظلوماً، جباراً، ناصبياً، خبيثاً، سفَّاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة، وإقدام، ومكر، ودهاء، وفصاحة، وبلاغة، وتعظيم للقرآن … سقت من سوء سيرته حصاره لابن الزبير بالكعبة، ورميه إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له … وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء”.
وبحسب رواية المسعودي في “مروج الذهب”؛ فقد كان الحجاج يحبس النساء والرجال في موضع واحد، ولم يكن للحبس ستر يقي الناس لهيب حرِّ الشمس صيفاً ولا من مطر وبرد وجفاف الشتاء، كما كان له غير ذلك من أنماط التعذيب.
وفيما يلي جملة النصائح التي قدَّمها تياذوق للحجَّاج:
- أولاً: لا تنكح (تتزوَّج) إلَّا شابَّة، ولا تتكارهنَّ على الجِماع.
- ثانياً: لا تأكل من اللَّحْمِ إلَّا فتياً.
- ثالثاً: لا تشرب الدَّواء إلَّا من علَّة.
- رابعاً: لا تأكُل الفاكهة إلَّا في أوانِ نُضجها.
- خامساً: لا تأكُلَنَّ حتى تجوع، و أجِد مضغَ الطَّعام.
- سادساً: إذا أكلتَ نهاراً فلا بأسَ أن تنام، وإذا أكلتَ ليلاً فلا تنم حتَّى تمشي ولو خمسين خطوة.
- سابعاً: لا تحبس البول، وخُذ من الحمَّام قبل أن يأخَذ منك.
نصائحه الطبية للملك :-
كان تياذوق محل ثقة الملوك والأمراء والخلفاء الذين أرادوا الاستفادة من نصائحه وذلك بعد أن استشعروا أنه شارف على الموت (توفي في واسط التي بناها الحجاج في العراق سنة 90 هجرية)، فطلبوا منه نصائح تساعدهم على صون صحتهم وأجسادهم ، فمنح أحد الملوك عشرة نصائح هي :
أولاً: لا تأكل طعاماً وفي معدتك طعام.
ثانياً: ولا تأكل ما تضعف أسنانك من مضغه، فتضعف معدتك عن هضمه.
ثالثاً: لا تشرب الماء على الطَّعام حتى تفرغ ساعتين؛ فإنَّ أصل الدَّاء التُّخْمَة، وأصل التُّخمة الماء على الطعام.
رابعاً: عليكَ بدُخول الحمَّام في كُلِّ يومين مرَّةً واحدة؛ فإنَّهُ يخرجُ من جسدك ما لا يصلُ إليه الدَّواء.
خامساً: أكثر الدَّم في بدنك تحرص به نفسك.
سادساً: عليكَ كل فصل قيئة ومسهِّلة.
سابعاً: لا تحبس البول وإن كُنتَ راكباً.
ثامناً: اعرض نفسَك على الخلاء قبل نومِك.
تاسعاً: لا تُكثِر الجِماع، فأنَّهُ يقتبس من نار الحياة فليكثر أو يقل.
عاشراً: لا تُجامع العجوز، فإنَّهُ يوَرِّث الموت الفجأة.
وحينما سمِعَ الملكُ ذلك؛ أمرَ كاتبه بتدوين هذه النصائح بالذَّهَب الأحمر، ويضعه في صندوق من ذهب مُرَصَّع، وظلَّ ينظر إليه في كُلّ يوم ويعمل به، فلم يعتل طيلة حياته إلى أن وافته المنية.
مواقف:-
- فضلاً عن تميز تياذوق بخفَّة الرُّوح، وحلاوة المجلس، وبُعد النَّظَر؛ فقد كان حكيماً سياسياً، فقد نصَح الحجَّاجَ وحذَّره من قتل التابعي الجليل سعيد بن جبير رحمه الله، وقال له: إنِّي أرى نهاية عُمرك قريبةً من تنفيذ أمرك بهذا الرَّجُل، بيد أنَّ الحجَّاجَ لم يُنصِت لرأي طبيبه ومستشاره الأمين، فذبَحَ سعيد ونَضَحَ دمه الطَّاهر على أروقة المكان حتى هال الحُضور وأفزعهم لكثرتهِ، فسأل الحجَّاج تياذوق عن سبب ذلك، فأجابه الأخير: سببهُ اجتماعُ نفس الرجُل وشجاعته، وعدم جزعه للموت، وعدم هيبته منك، وضعف مبالاته بك، واجتماع روحع وعقله في التوجُّه إلى ربه، فذلك الذي جَعَلَ دمهُ غزيراً بهذه الصُّورة، بينما يجِفُّ دمُ سواهُ فزعاً من الموت، وقد تحققت رؤية تياذوق، إذ لم يطُل عُمر الحجَّاج بعدها إلَّا مدَّة قصيرة يقال إنها لم تزِد عن الأربعين يوماً، وكان إذا نام يرى سعيد في المنام يأخذ بمجامِع ثوبه و يجرّه من رجله وهو يقول : يا عدو الله ! فيم قتلتني ؟ فيقول الحجاج :مالي ولسعيد بن جبير ، مالي ولسعيد بن جبير ؟ إلى أن مات الحجَّاج وهو على هذه الحالة.
- وجَدَ الحجَّاج في رأسهِ صُداعاً فبعثَ إلى تياذوق وأحضرهُ وعرضَ عليه مرضه، فقال له تياذوق: اغسل رجليكَ بماءٍ حارٍّ وادهنهُما، فكان أحد حُرَّاس الحجَّاج قائماً على رأسِه، فقال: واللهِ ما رأيتُ طبيباً أقلَّ معرفة بالطِّبِ مِنْكَ، يشكو الأمير صُداعاً في رأسِهِ، فتَصِف له دواء في رجليه، فقال له: أما أنَّ عَلامةَ ما قُلت فيكَ بيِّنَة، فسأل الحارس وكان خصيَّاً: وما هي ؟ ، قال : نزعت خصيتاك فذهب شعرُ لحيتِك، فضحِكَ الحجَّاجُ ومن حضر.
- ذكر الرازي في كتابه الشهير “الحاوي في الطب” بعضاً من وصفات تياذوق الطبية، منها تشخيصه لمرض الطُّحال، حيث قال الأخير: إذا كان الورَمُ حارَّاً، وكانَ معهُ عطشٌ شديدٌ، وقيءٌ صفراء، ثم الخضراء، ثم سقوط الشَّهوة، وحُمرة اللِّسان، ثمَّ سَواد، وتجف الطبيعية جداً، ويكون حُمَّة محرقة، فيكون علاج المصاب بمرض الطِّحال بحفظهِ من الأغذية المنفخة، ومرة بالدُّخول في الماء العذب، وغذِّهِ بالخفيفة التي لا تنفخ، ولا غلط لها.
اقرأ ايضاً ما الطعام الذي ينصحك ابن سينا بتناوله؟
المصادر:-
- سير أعلام النبلاء، الذهبي.
- طبقات الحكماء، القفطي.
- تياذوق الطبيب، سيرته وآثاره العلمية، السويطي.