يعتبر علم النبات علماً مهماً جداً وما زال يُستخدم حتى عصرنا هذا وله أهميةٌ كبيرة في صنع الدواء واستخراج المواد اللازمة للعلاج، ومنذ زمنٍ طويل في العصور الوسطى ظهر عالمٌ شهيرٌ أجرى عدة أبحاثٍ على النباتات وكان يجمع الحشائش والأعشاب لمعرفة فوائدها وأضرارها، كما أنه كان باحثاً متمكناً حيث لم يترك كتاباً ولا معلومةً إلا وبحث عنها وتأكد من صحتها، وهذا العالم هو ابن البيطار أفضل عالمٍ عربي للنبات، لنتعرف عليه بشكلٍ أكبر…
من هو ابن البيطار ؟
ضياء الدين ابن البيطار هو عالمٌ جليلٌ
وحكيم للنبات، وُلد في ملقة بالأندلس عام 1197م، وتوفي في دمشق عام 1248م، وكان
أعظم عالمٌ نباتي عربي في العصور الوسطى، حيث بحث عن هذا العلم بسفره إلى عدة
بلادٍ مختلفة منها اليونان وبلاد الشام والمغرب والإسبان ومصر، وكان يجمع الحشائش
المختلفة ويدرسها عن كثب كما أنه كان يجتمع بكل من يهتم بالتاريخ الطبيعي ويأخذ
منهم العلم والمعرفة.
مديح من قِبل طبيب شهير مثل ابن أبي أصيبعة:-
وقد درس ابن البيطار الكتب المختلفة، وحصل على مديح تلميذه الطبيب الشهير ابن أبي أصيبعة الذي قابله لأول مرة في دمشق، حيث كانا يجمعان الحشائش معاً فرأى الثاني من الأول من الأخلاق الحسنة ما أعجبه، ومن العلم والفهم والذاكرة العجيبة ما أذهله، فكان ابن البيطار يدرس كتب جالينوس والغافقي وديسقوريدس ويحفظها جيداً لدرجة معرفته بمكان مقال كل دواءٍ ولم يترك منها شيئاً إلا ودرسه واستخرج منها العقاقير والأدوية.
وقال عنه ابن أبي أصيبعة: “قرأت عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدوس؛ فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئًا كثيرًا جدٌّا، وكنت أحضر عدة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدوس وجالينوس والغافقي وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن، فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدوس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد صححه في بلاد الروم، ثم يذكر جمل ما قاله ديسقوريدوس من نعته وصفته وأفعاله”.
وزاد ابن أبي أصيبعة عن ابن البيطار “ويذكر أيضًا ما قاله جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما يتعلق بذلك، ويذكر أيضًا جُملاً من أقوال المتأخرين وما اختلفوا فيه ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته، فكنتُ أراجع تلك الكتب معه، ولا أجده يقلد شيئُا مما فيها، وأعجب من ذلك أيضًا أنه كان ما يذكر دواء إلا وعيّن في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدوس وجالينوس، وفي أي عدد هو من جُملة الأدوية المذكورة في تلك المقالة”.
أهم إنجازات ابن البيطار:-
- كان تحت يد الملك (الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب) وقد
وضعه رئيساً على العشابين في الديار المصرية معتمداً عليه في الأدوية والحشائش،
وبعد أن توفي الملك الكامل استلم عنه ابنه (الصالح نجم الدين) وأبقى ابن
البيطارتحت خدمته في مدينة دمشق. - زاد ابن البيطار في الثروة العلمية بتأليفه لكتب النبات
المميزة والتي كانت موفقة جداً وساعدت في تقدم العلم وتبيين الفوائد الطبية
للنباتات لصناعة الأدوية والعقاقير. - لم يأخذ ابن البيطار معلوماته نقلاً أبداً، بل كان
مدققاً بارعاً يأخذ المعلومات من الأقدمين والمتأخرين ويدقق بها تدقيقاً شديداً
حتى يتأكد منها بالمشاهدة وتثبت لديه بالخبر، وإن رأى بها التباساً أو مخالفة في
المنفعة تركها ولم يعمل بها.
أهم مؤلفات ابن البيطار:-
- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية:
ذكر ابن البيطار في هذا الكتاب كل ما يتعلق بالأدوية وأسمائها وما تحتويه وما ينتفع بها وما وقع الاشتباه فيها، وهو أفضل كتابٍ في الأدوية المفردة وأجودها، حيث قال عنه ماكس مايرهوف أنه أفضل كتابٍ عربي لعلم النبات، فهو يضم أبحاثاً لعلماء الأعشاب التي تعتمد على أكثر من 150 كتاباً بعضها يوناني، مع التأكد منها وتدقيقها ووضع الملاحظات والتنقيحات، ويحتوي على شرحٍ لأكثر من 1400 عقارٍ نباتي وحيواني ومعدني، ومن ضمنها 300 عقارٍ جديد، مع تبيين فوائد النباتات وكيفية استخدامها كأغذية وأدويةٍ للعلاج.
ويتميز الكتاب بعدم التكرار إلا عند الضرورة وهو مرتبٌ
على حروف المعجم لتسهيل مطالعته على القارئ بدون أي عناءٍ أو تعب.
وفي هذا الصدد؛ تقول المستشرقة الألمانية سيغريد هونكه (توفيت عام 1999 م) عن ابن البيطار: “هو أعظم عباقرة العرب في علم النبات، ضمَّ في كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية؛ شرحاً لألف وأربعمائة نبتة طبية مع ذكر أسمائها وطرق استعمالها، وما قد ينوب عنها، ومركزها من غيرها، بعض النظر عن المواد المعدنية والحيوانية”.
كذلك قال المستشرق روسكا : “إن لكتاب الجامع أهميته وقيمته وأثره الكبير في تقدُّم عِلْم النَّبَات”.
- المغني في الأدوية المفردة:
يعتبر كتاباً مهماً جداً بعد كتاب الجامع، حيث يحتوي على عشرين فصلاً مرتباً لمداواة الأعضاء المتألمة، وقد وضعه لينتفع به الأطباء حيث يتناول علاج كل عضو بالطريقة المختصرة، مع ذكر الأدوية المناسبة لكل مرض من آلام الرأس والأذن وغيرهم، وذكر الأدوية التي تعالج الحمى وأخرى لعلاج السم، مع ذكر أهم العقاقير التي يتم استعمالها بكثرة.
ابن البيطار – المنهج العلمي:-
- الأمانة العلمية عند النقل إلى كتبه، واستناده على التجربة كمعيار لصحَّة الأحكام.
- أسلوبه العلمي تميَّز بالنزعة النقدية، مع التزامه الكامل بالموضوعية والنَّزاهة العلمية، حيث عمد إلى مناقشة آراء سابقيه من العلماء والأطباء والعشَّابين، حيث نقد بعضهم في عدة أمور، وفي حالات يزيد من انتقاده لدرجة اتهامه صاحب النظرية أو الفكرة السابقة بالزَّيغ عن الحق.
- عاد لأكثر من مائة وخمسين كتاباً من بينها 20 كتاباً يونانياً وذلك حينما ألَّف كتابه “الجامع في الأدوية المفردة”.
- دوَّن كل الشُّروح والملاحظات المتعلقة بتخزين النباتات وحفظها، وتأثير ذلك على المواد الفعَّالة والمكوِّنات الغذائية الموجودة فيها.
- دوَّن الأماكن التي يَنبُتُ فيها الدواء، ومنافعه وتجاربه الشهيرة، وكان يقيِّدُ ما كان ينبغي تقييده منها بالضَّبط والشَّكل والنقط، تقييداً يضبط نُطقها، لئلا يقع الخلط أو التحريف عند الذين ينسخون أو يطَّلعون على كتبه، وذلك لأهمية الدواء وتأثير الخطأ على حياة النَّاس.
ابن البيطار أعظم عالم نباتي في القرون الوسطى، وأنجز كتابي “المغني في الأدوية المفردة” و” الجامع لمفردات الأدوية والأغذية” ، فأورَدَ في هذين الكتابين أكثر من 1400 عقار نباتي وحيواني ومعدني منها 300 جديدة، وقد بيَّن الفوائد الطبية لجميع هذه النباتات، وكيف يكون استعمالها كأدوية وأغذية.
— قدري طوقان، العلوم عند العرب.
كثرة السفر والترحال للتزود بالعلم :-
هذه أهم إنجازات ابن البيطار الذي أفنى حياته وهو يتنقل من بلدٍ لآخر ليحصل على العلم ويتأكد من كل معلومة ويؤلف بكل إخلاص، فلم يكن تحصيل العلم سهلاً بل كان يحتاج لجهودٍ كبيرة وسنين طويلة، وترك لنا أهم الكتب التي انتفعنا بها حتى يومنا هذا.
إقرار غربي:-
- قال المستشرق ماكس مايرههوف عن صاحب كتاب “الجامع في الأدوية المفردة”: “إنه أعظم كاتب عربي خُلِّد في علم النبات”.
- ويُقِر جورج سارتون بقيمة الكتاب قائلاً: “إنه خيرٌ ما أُلِّف في هذا الموضوع في القرون الوسطى، بل إنه لأضخم نتاج من نوعه منذ ديسقوريدس حتى منتصف القرن السادس”.
- قال عنه المستشرق لكرك: ” أدخل ابن البيطار ما يربو على الثمانين مادة في العقاقير والمُفرَدَات الطِّبيَّة”.
إن ابن البيطار من أعظم عباقرة العرب في علم النبات، فقد حوى كتابه “الجامع” كل علوم عصره، وكان تُحفة رائعة تنُمُّ عن عقلٍ علمي حيٍّ.. كل هذا عبارة عن شواهد تُعرِّفنا تماماً كيف كان يعمل رأس هذا الرجُل العبقري.
— المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه.
ابن البيطار – القصة من البداية:-
ابن البيطار الطفل المتوثب للمستقبل:-
لقد امتهن أحمد البيطار والد عبد الله مهنة بيطرة الحيوانات، إلى جانب مهنة الحدادة عموماً، وصناعة حدوات الخيل على وجه الخصوص، وقد كان الأب ممن يتطلعون لأن يخلفهم أبناءهم في مهنتهم، بيد أن نجله كان يمتلك ميولاً مختلفة عن البيطرة والحدادة.
فقد كان عبد الله دائم الحرص -منذ أن بلغ العاشرة من العمر- على الانطلاق صوب الغابة ليمضي وقته متجولاً بين الأشجار والنباتات والأزهار، متأملاً في مخلوقات الله، وباحثاً فيها، لدرجة أنه كان يرسمها ويجمع المعلومات عنها ويدوِّنها.
لم تفلح مساعي الوالد في اجتذاب نجله نحو مهنة البيطرة، وبسبب تجاهل الابن دعوات أبيه؛ فقد خشي الثاني على مستقبل الأول، رغم علم والدته بميل ابنها إلى مجال علم النباتات وسبر أغوار أسراره، وقد كان ذلك جلياً واضحاً، إذ لم يكف عن ممارسة برنامجه اليومي في ترك المنزل نحو الغابة للبحث في شؤون النبات.
ابن البيطار وعلاقته بابن الرومية:-
وهنا أدرك الوالد أن عليه عدم إجبار ابنه على انتهاج طريق لا يريده، فتواصل مع صديقه ابن الرومية الذي كان عالماً ذائع الصيت في مجال علم النبات وتركيب الأدوية، وقد سمع عبد الله بذلك، فواظب على الاستفسار اليومي حول حقيقة قدوم ابن الرومية الذي أصبح يحلم بلقائه.
وبالفعل؛ ففي أحد الأيام؛ وأثناء عودة عبد الله البيطار من الغابة، وإذ به يفاجأ بوجود ابن الرومية في منزله بصحبة والده، وهنا أقدم الابن على عرض رسومات النبات التي رسمها طيلة الأيام السابقة في الغابة، وهو الأمر الذي أثار اندهاش ابن الرومية الذي سأله عن مصدر ألوان رسوماته.
فلما عرف ابن الرومية أن مصدرها عُصارة النبات، أدرك على الفور مدى الموهبة التي يحظى بها عبد الله، الذي امتلك أيضاً ذهنا متوقداً وحماساً استثنائياً.
وافق ابن الرومية على اصطحاب عبد الله ليعلمه، وبعد فترة وجيزة من التعلُّم، حصل الثاني من الأول على رسالة توصية إلى عالم النبات المغربي أبو الحجاج، لينتقل البيطار إلى مدينة سبتة التي تعلم فيها اللاتينية أيضا بناء على توصية معلمه الجديد الذي نصحه بالذهاب إلى بلاد اليونان والرومان ليتعلم هناك إرث سقوريدس وجالينوس، وهو ما حصل، حيث غادر إلى صقلية “فينسيا”، ماكثاً في بلاد اليونان والرومان سبع سنوات تعلَّم فيها قدراً وافراً من علم النبات، قبل أن يغادرها إلى بيزنطة بصحبة صديقه العالم “سقوريدس الصغير”، كما سمَّاه ابن البيطار.
ابن البيطار المتنقل:-
ومن بيزنطة؛ اتجه نحو الشام، ومن دمشق؛ راسل استاذه أبو الحجاج المغربي وطمأنه على أحواله، ثم قصد مصر التي وصلها وهو في عمر 32 عاماً.
ومن الإسكندرية قصد القاهرة، وفي اليوم التالي لوصوله؛ طُلب من قبل الملك الكامل الذي ألحق ابن البيطار في خدمة البيمارستان وصيدليته، وسمح له بممارسة المهنة في الديار المصرية.
ابن البيطار والنصيحة الذهبية:-
كان الملك الصالح يستشير ابن البيطار في شؤون الحرب والسياسة إلى جانب أمور الطب والصيدلة، وقد صادف تواجده في مصر، شن الفرنسيين حملتهم العسكرية على البلاد، فأنشأ الملك الكامل الاستحكامات جنوبي دمياط وصولاً للمنصورة، وقد استمع الملك لمستشاريه بشأن كيفية حماية دمياط من الغزاة، فلم يعثر على ضالته بينهم.
وحينها تحدث ابن البيطار بضرورة إغراق عدة سفن في دمياط، وبذلك لن تفلح سفن الغزاة في أن تجتازه إلى الجنوب، بحيث يتم تعطيل مسيرها من جهة، وضمان استمرار مجرى النيل من جهة ثانية، و قد أخذ الملك بنصيحة العالم الشاب التي آتت ثمارها.
وفاته:-
توفِّيَ ابن البيطار في دمشق سنة 646 هجرية/1248 ميلادية، مخلَّفاً وراءه إرثاً علمياً بقيت شاهدة على عبقريته العظيمة.
المصادر:–
- مكتبة قطر الرقمية.
- كتاب موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام.
- معجم العلماء العرب، باقر أمين الورد.
- قصَّة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني.
- ويكيبيديا: المقتبس الذي تحدث فيه ابن أبي أصيبعة عن ابن البيطار.
- أشهر العلماء في التاريخ، عاطف محمد، دار اللطائف.
- معجم العلماء العرب، باقر أمين الورد.
يعتبر علم النبات علماً مهماً جداً وما زال يُستخدم حتى عصرنا هذا وله أهميةٌ كبيرة في صنع الدواء واستخراج المواد اللازمة للعلاج، ومنذ زمنٍ طويل في العصور الوسطى ظهر عالمٌ شهيرٌ أجرى عدة أبحاثٍ على النباتات وكان يجمع الحشائش والأعشاب لمعرفة فوائدها وأضرارها، كما أنه كان باحثاً متمكناً حيث لم يترك كتاباً ولا معلومةً إلا وبحث عنها وتأكد من صحتها، وهذا العالم هو ابن البيطار أفضل عالمٍ عربي للنبات، لنتعرف عليه بشكلٍ أكبر…
من هو ابن البيطار ؟
ضياء الدين ابن البيطار هو عالمٌ جليلٌ
وحكيم للنبات، وُلد في ملقة بالأندلس عام 1197م، وتوفي في دمشق عام 1248م، وكان
أعظم عالمٌ نباتي عربي في العصور الوسطى، حيث بحث عن هذا العلم بسفره إلى عدة
بلادٍ مختلفة منها اليونان وبلاد الشام والمغرب والإسبان ومصر، وكان يجمع الحشائش
المختلفة ويدرسها عن كثب كما أنه كان يجتمع بكل من يهتم بالتاريخ الطبيعي ويأخذ
منهم العلم والمعرفة.
مديح من قِبل طبيب شهير مثل ابن أبي أصيبعة:-
وقد درس ابن البيطار الكتب المختلفة، وحصل على مديح تلميذه الطبيب الشهير ابن أبي أصيبعة الذي قابله لأول مرة في دمشق، حيث كانا يجمعان الحشائش معاً فرأى الثاني من الأول من الأخلاق الحسنة ما أعجبه، ومن العلم والفهم والذاكرة العجيبة ما أذهله، فكان ابن البيطار يدرس كتب جالينوس والغافقي وديسقوريدس ويحفظها جيداً لدرجة معرفته بمكان مقال كل دواءٍ ولم يترك منها شيئاً إلا ودرسه واستخرج منها العقاقير والأدوية.
وقال عنه ابن أبي أصيبعة: “قرأت عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدوس؛ فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئًا كثيرًا جدٌّا، وكنت أحضر عدة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدوس وجالينوس والغافقي وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن، فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدوس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد صححه في بلاد الروم، ثم يذكر جمل ما قاله ديسقوريدوس من نعته وصفته وأفعاله”.
وزاد ابن أبي أصيبعة عن ابن البيطار “ويذكر أيضًا ما قاله جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما يتعلق بذلك، ويذكر أيضًا جُملاً من أقوال المتأخرين وما اختلفوا فيه ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته، فكنتُ أراجع تلك الكتب معه، ولا أجده يقلد شيئُا مما فيها، وأعجب من ذلك أيضًا أنه كان ما يذكر دواء إلا وعيّن في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدوس وجالينوس، وفي أي عدد هو من جُملة الأدوية المذكورة في تلك المقالة”.
أهم إنجازات ابن البيطار:-
- كان تحت يد الملك (الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب) وقد
وضعه رئيساً على العشابين في الديار المصرية معتمداً عليه في الأدوية والحشائش،
وبعد أن توفي الملك الكامل استلم عنه ابنه (الصالح نجم الدين) وأبقى ابن
البيطارتحت خدمته في مدينة دمشق. - زاد ابن البيطار في الثروة العلمية بتأليفه لكتب النبات
المميزة والتي كانت موفقة جداً وساعدت في تقدم العلم وتبيين الفوائد الطبية
للنباتات لصناعة الأدوية والعقاقير. - لم يأخذ ابن البيطار معلوماته نقلاً أبداً، بل كان
مدققاً بارعاً يأخذ المعلومات من الأقدمين والمتأخرين ويدقق بها تدقيقاً شديداً
حتى يتأكد منها بالمشاهدة وتثبت لديه بالخبر، وإن رأى بها التباساً أو مخالفة في
المنفعة تركها ولم يعمل بها.
أهم مؤلفات ابن البيطار:-
- الجامع لمفردات الأدوية والأغذية:
ذكر ابن البيطار في هذا الكتاب كل ما يتعلق بالأدوية وأسمائها وما تحتويه وما ينتفع بها وما وقع الاشتباه فيها، وهو أفضل كتابٍ في الأدوية المفردة وأجودها، حيث قال عنه ماكس مايرهوف أنه أفضل كتابٍ عربي لعلم النبات، فهو يضم أبحاثاً لعلماء الأعشاب التي تعتمد على أكثر من 150 كتاباً بعضها يوناني، مع التأكد منها وتدقيقها ووضع الملاحظات والتنقيحات، ويحتوي على شرحٍ لأكثر من 1400 عقارٍ نباتي وحيواني ومعدني، ومن ضمنها 300 عقارٍ جديد، مع تبيين فوائد النباتات وكيفية استخدامها كأغذية وأدويةٍ للعلاج.
ويتميز الكتاب بعدم التكرار إلا عند الضرورة وهو مرتبٌ
على حروف المعجم لتسهيل مطالعته على القارئ بدون أي عناءٍ أو تعب.
وفي هذا الصدد؛ تقول المستشرقة الألمانية سيغريد هونكه (توفيت عام 1999 م) عن ابن البيطار: “هو أعظم عباقرة العرب في علم النبات، ضمَّ في كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية؛ شرحاً لألف وأربعمائة نبتة طبية مع ذكر أسمائها وطرق استعمالها، وما قد ينوب عنها، ومركزها من غيرها، بعض النظر عن المواد المعدنية والحيوانية”.
كذلك قال المستشرق روسكا : “إن لكتاب الجامع أهميته وقيمته وأثره الكبير في تقدُّم عِلْم النَّبَات”.
- المغني في الأدوية المفردة:
يعتبر كتاباً مهماً جداً بعد كتاب الجامع، حيث يحتوي على عشرين فصلاً مرتباً لمداواة الأعضاء المتألمة، وقد وضعه لينتفع به الأطباء حيث يتناول علاج كل عضو بالطريقة المختصرة، مع ذكر الأدوية المناسبة لكل مرض من آلام الرأس والأذن وغيرهم، وذكر الأدوية التي تعالج الحمى وأخرى لعلاج السم، مع ذكر أهم العقاقير التي يتم استعمالها بكثرة.
ابن البيطار – المنهج العلمي:-
- الأمانة العلمية عند النقل إلى كتبه، واستناده على التجربة كمعيار لصحَّة الأحكام.
- أسلوبه العلمي تميَّز بالنزعة النقدية، مع التزامه الكامل بالموضوعية والنَّزاهة العلمية، حيث عمد إلى مناقشة آراء سابقيه من العلماء والأطباء والعشَّابين، حيث نقد بعضهم في عدة أمور، وفي حالات يزيد من انتقاده لدرجة اتهامه صاحب النظرية أو الفكرة السابقة بالزَّيغ عن الحق.
- عاد لأكثر من مائة وخمسين كتاباً من بينها 20 كتاباً يونانياً وذلك حينما ألَّف كتابه “الجامع في الأدوية المفردة”.
- دوَّن كل الشُّروح والملاحظات المتعلقة بتخزين النباتات وحفظها، وتأثير ذلك على المواد الفعَّالة والمكوِّنات الغذائية الموجودة فيها.
- دوَّن الأماكن التي يَنبُتُ فيها الدواء، ومنافعه وتجاربه الشهيرة، وكان يقيِّدُ ما كان ينبغي تقييده منها بالضَّبط والشَّكل والنقط، تقييداً يضبط نُطقها، لئلا يقع الخلط أو التحريف عند الذين ينسخون أو يطَّلعون على كتبه، وذلك لأهمية الدواء وتأثير الخطأ على حياة النَّاس.
ابن البيطار أعظم عالم نباتي في القرون الوسطى، وأنجز كتابي “المغني في الأدوية المفردة” و” الجامع لمفردات الأدوية والأغذية” ، فأورَدَ في هذين الكتابين أكثر من 1400 عقار نباتي وحيواني ومعدني منها 300 جديدة، وقد بيَّن الفوائد الطبية لجميع هذه النباتات، وكيف يكون استعمالها كأدوية وأغذية.
— قدري طوقان، العلوم عند العرب.
كثرة السفر والترحال للتزود بالعلم :-
هذه أهم إنجازات ابن البيطار الذي أفنى حياته وهو يتنقل من بلدٍ لآخر ليحصل على العلم ويتأكد من كل معلومة ويؤلف بكل إخلاص، فلم يكن تحصيل العلم سهلاً بل كان يحتاج لجهودٍ كبيرة وسنين طويلة، وترك لنا أهم الكتب التي انتفعنا بها حتى يومنا هذا.
إقرار غربي:-
- قال المستشرق ماكس مايرههوف عن صاحب كتاب “الجامع في الأدوية المفردة”: “إنه أعظم كاتب عربي خُلِّد في علم النبات”.
- ويُقِر جورج سارتون بقيمة الكتاب قائلاً: “إنه خيرٌ ما أُلِّف في هذا الموضوع في القرون الوسطى، بل إنه لأضخم نتاج من نوعه منذ ديسقوريدس حتى منتصف القرن السادس”.
- قال عنه المستشرق لكرك: ” أدخل ابن البيطار ما يربو على الثمانين مادة في العقاقير والمُفرَدَات الطِّبيَّة”.
إن ابن البيطار من أعظم عباقرة العرب في علم النبات، فقد حوى كتابه “الجامع” كل علوم عصره، وكان تُحفة رائعة تنُمُّ عن عقلٍ علمي حيٍّ.. كل هذا عبارة عن شواهد تُعرِّفنا تماماً كيف كان يعمل رأس هذا الرجُل العبقري.
— المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه.
ابن البيطار – القصة من البداية:-
ابن البيطار الطفل المتوثب للمستقبل:-
لقد امتهن أحمد البيطار والد عبد الله مهنة بيطرة الحيوانات، إلى جانب مهنة الحدادة عموماً، وصناعة حدوات الخيل على وجه الخصوص، وقد كان الأب ممن يتطلعون لأن يخلفهم أبناءهم في مهنتهم، بيد أن نجله كان يمتلك ميولاً مختلفة عن البيطرة والحدادة.
فقد كان عبد الله دائم الحرص -منذ أن بلغ العاشرة من العمر- على الانطلاق صوب الغابة ليمضي وقته متجولاً بين الأشجار والنباتات والأزهار، متأملاً في مخلوقات الله، وباحثاً فيها، لدرجة أنه كان يرسمها ويجمع المعلومات عنها ويدوِّنها.
لم تفلح مساعي الوالد في اجتذاب نجله نحو مهنة البيطرة، وبسبب تجاهل الابن دعوات أبيه؛ فقد خشي الثاني على مستقبل الأول، رغم علم والدته بميل ابنها إلى مجال علم النباتات وسبر أغوار أسراره، وقد كان ذلك جلياً واضحاً، إذ لم يكف عن ممارسة برنامجه اليومي في ترك المنزل نحو الغابة للبحث في شؤون النبات.
ابن البيطار وعلاقته بابن الرومية:-
وهنا أدرك الوالد أن عليه عدم إجبار ابنه على انتهاج طريق لا يريده، فتواصل مع صديقه ابن الرومية الذي كان عالماً ذائع الصيت في مجال علم النبات وتركيب الأدوية، وقد سمع عبد الله بذلك، فواظب على الاستفسار اليومي حول حقيقة قدوم ابن الرومية الذي أصبح يحلم بلقائه.
وبالفعل؛ ففي أحد الأيام؛ وأثناء عودة عبد الله البيطار من الغابة، وإذ به يفاجأ بوجود ابن الرومية في منزله بصحبة والده، وهنا أقدم الابن على عرض رسومات النبات التي رسمها طيلة الأيام السابقة في الغابة، وهو الأمر الذي أثار اندهاش ابن الرومية الذي سأله عن مصدر ألوان رسوماته.
فلما عرف ابن الرومية أن مصدرها عُصارة النبات، أدرك على الفور مدى الموهبة التي يحظى بها عبد الله، الذي امتلك أيضاً ذهنا متوقداً وحماساً استثنائياً.
وافق ابن الرومية على اصطحاب عبد الله ليعلمه، وبعد فترة وجيزة من التعلُّم، حصل الثاني من الأول على رسالة توصية إلى عالم النبات المغربي أبو الحجاج، لينتقل البيطار إلى مدينة سبتة التي تعلم فيها اللاتينية أيضا بناء على توصية معلمه الجديد الذي نصحه بالذهاب إلى بلاد اليونان والرومان ليتعلم هناك إرث سقوريدس وجالينوس، وهو ما حصل، حيث غادر إلى صقلية “فينسيا”، ماكثاً في بلاد اليونان والرومان سبع سنوات تعلَّم فيها قدراً وافراً من علم النبات، قبل أن يغادرها إلى بيزنطة بصحبة صديقه العالم “سقوريدس الصغير”، كما سمَّاه ابن البيطار.
ابن البيطار المتنقل:-
ومن بيزنطة؛ اتجه نحو الشام، ومن دمشق؛ راسل استاذه أبو الحجاج المغربي وطمأنه على أحواله، ثم قصد مصر التي وصلها وهو في عمر 32 عاماً.
ومن الإسكندرية قصد القاهرة، وفي اليوم التالي لوصوله؛ طُلب من قبل الملك الكامل الذي ألحق ابن البيطار في خدمة البيمارستان وصيدليته، وسمح له بممارسة المهنة في الديار المصرية.
ابن البيطار والنصيحة الذهبية:-
كان الملك الصالح يستشير ابن البيطار في شؤون الحرب والسياسة إلى جانب أمور الطب والصيدلة، وقد صادف تواجده في مصر، شن الفرنسيين حملتهم العسكرية على البلاد، فأنشأ الملك الكامل الاستحكامات جنوبي دمياط وصولاً للمنصورة، وقد استمع الملك لمستشاريه بشأن كيفية حماية دمياط من الغزاة، فلم يعثر على ضالته بينهم.
وحينها تحدث ابن البيطار بضرورة إغراق عدة سفن في دمياط، وبذلك لن تفلح سفن الغزاة في أن تجتازه إلى الجنوب، بحيث يتم تعطيل مسيرها من جهة، وضمان استمرار مجرى النيل من جهة ثانية، و قد أخذ الملك بنصيحة العالم الشاب التي آتت ثمارها.
وفاته:-
توفِّيَ ابن البيطار في دمشق سنة 646 هجرية/1248 ميلادية، مخلَّفاً وراءه إرثاً علمياً بقيت شاهدة على عبقريته العظيمة.
المصادر:–
- مكتبة قطر الرقمية.
- كتاب موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام.
- معجم العلماء العرب، باقر أمين الورد.
- قصَّة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني.
- ويكيبيديا: المقتبس الذي تحدث فيه ابن أبي أصيبعة عن ابن البيطار.
- أشهر العلماء في التاريخ، عاطف محمد، دار اللطائف.
- معجم العلماء العرب، باقر أمين الورد.