داود بن عمر الأنطاكي – نبذة تعريفية:-
هو داود بن عمر الأنطاكي المشتهر باسم الرئيس الضرير، الطبيب المشهور، والمتوسِّع بعلوم الصيدلة و خصائص النباتات الطبية، فضلاً عن كونه فلكياً قديراً.
وُلِد كسيحا إلا أنه شفي من ذلك بعدها، وكان مسقط رأسه بمنطقة الفوعة القروية بمحافظة إدلب في سوريا، إلا أنه عاش تقريبا طيلة عمره في أنطاكية و لهذا فقد نسب إليها.
تمكن من إتقان اللغة اليونانية وذلك بعد زياراته لمختلف البلدان طلبا للعلم كبلاد الأناضول، مصر، دمشق وكذا مكة النكرمة التي ظل مستقرا بها إلى أن واتته المنية.
داود بن عمر الأنطاكي – نشأته ودراسته:-
نشأ داود بن عمر الأنطاكي في أنطاكية -جنوب تركيا الآن- في القرن العاشر الهجري، وقد ولد كفيف البصر كما ابتلي بعلة أعجزته عن القيام، فكان أبوه -عمدة قرية تُسمَّى “حبيب النجار”- يحمله ويصطحبه معه إلى رباط أقامه بنفسه قرب مزار حبيب النجار لخدمة الزائين له.
ولما اشتد صلبه؛ صار ينتقل و يتجول بحثاً عن العلم و المعرفة، فزار بقاعاً مختلفة منها، والأناضول -شرق تركيا- و أيضا القاهرة التي كانت مركز إشعاع علمي وفكري آنذاك، فدرس هناك الكثير من كتب الطب و الصيدلة و الأدوية بشتى أنواعها، كما تقلَّد منصب رئيس عشابي صيادلة عصره، وكان متقنا لكل من اللغتين اللاتينية و اليونانية، كما وقد عمل في البيمارستان المنصوري بالقاهرة.
ومن شدة تفوقه و ذكائه؛ كان يلقب آنذاك بجالينوس أوانه وأبقراط زمانه، والحكيم الماهر الفريد والطبيب الحاذق الوحيد، كما و كان يُحكى عنه أنه إذا سُئل في شيء من العلوم الحكمية، والطبيعية، والرياضية، أَمْلَى ما يدهش السائل بحيث كان يرد على السؤال الواحد بمجلد.
الإنجازات العلمية:-
مما لا شك فيه أن داود بن عمر الأنطاكي قد حقق وانجازات مهمة للغاية في مجالاته، فقد اكتشف سِرَّ العديد من الأمراض التي كانت شائعة في عصره، كما اخترع عدة أدوية لمعالجتها ، وذلك بعد أن عمل على بناء مستحضرات طبية هامة جداً، كما و قد وضع عشرة مبادئ و قوانين تخص المفردات الطبية، فذكر أوصافها من رائحة و مذاق ولون وأسمائها بمختلف اللغات في العالم، و كيفية استخدام و استعمال كلٍّ منها و فوائد كل واحدة على الجسم.
هذا و قد أوضح في مؤلفاته أيضاً الجرعات المناسبة لكل حالة ولكل فرد لكلا نوعيّ الأدوية: المفردة منها و المركبة.
و إلى جانب هذا؛ فقد كان الأنطاكي يتمتع بروح فُكاهية ، وكان رجلاً يخشى ربه متسما بأطيب الخصال و ساعياً وراء مساعدة الفقراء، ليذيع صيته كطبيب المحتاجين في حي الأزهر بالقاهرة .
كتابه “تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب”:-
بعدما دخل داود بن عمر الأنطاكي بلاد مصر، استاء من أن يرى الطب محصورا فقط بين اليهود وكبار القومـ فيقول بلسانه : “… فعزمت على أن أجعله كسائر العلوم، يدرس ليستفيد به المسلمون”، ولعله لهذا السبب؛ قرَّر عالمنا القدير أن يمضي قدماً و يقدم ما لديه للتفوق والإشعاع في مختلف العلوم و خصوصا الطبية منها.
و من أبرز الكتب التي أتمَّها داود بن عمر الأنطاكي واهباً إياها كتحفة و قيمة مضافة لمكتبة تاريخ الطب في العالمين العربي والإسلامي؛ مؤلَّفه الشهير “تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب” المعروف باسم “تذكرة داوود” ، الذي تحدث فيه بالتفصيل عن علم الطب و الصيدلة وما يرافقهما من حيثيات و مداخل، كما و قد قدم في هذا المؤلف نصائح قيمة للغاية بخصوص الغذاء والأطعمة و الوجبات، هذا إلى جانب تطرقه لآثار العلماء السابقين في مجالات الطب والدواء، كالرازي، و ابن سينا وابن البيطار وغيرهم، مثنياً على ما بذلوه من جهودٍ علميةٍ، منبهاً أيضاً لبعض الأخطاء التي وقعوا فيها . و لا زال كتابه الشهير مخلداً كمفخرة علمية إلى يومنا هذا.
داود بن عمر الأنطاكي – مؤلفاته:-
خلَّف الأنطاكي بعد وفاته عدداً غير يسير من الكتب المؤلفة والمترجمة و التي تقر بها مختلف المصادر و تستعمل كمراجع أساسية في مجالاتها ، من ألمعها :
- كتاب مجمع المنافع البدنية.
- مجربات داوود الأنطاكي في علم الطب.
- غاية المرام في الطب.
- ألفية في الطب.
- كفاية المحتاج في علم العلاج.
- التحفة البكرية في أحكام الاستحمام الكلية والجزئية.
- كتاب في الطب النفسي، يحتوي أحاديث نبوية في نصائح طبية.
- رسالة في الفلك.
- أنموذج من الفلك.
- استدلالات بحركات النجوم وطوالعها، أو الاختيارات.
- زينة الطروس في أحكام العقل والنفوس.
- الأنولوطيقا الصغرى.
- رسالة في الطير والعقاب.
وفاته:-
بعد عمر من السعي وراء العلم و المعرفة و البحث و مساعدة المحتاجين، توفي الأنطاكي عام 1008 هـجري الموافق للسنة 1599 ميلادية وذلك في مكة المكرمة.
اقرأ أيضاً: البيمارستان النوري في دمشق .. أحد أبرز تجليات تقدم المسلمين في المجال الطبي
المصادر:-
- داود بن عمر الأنطاكي : بغية المحتاج في المجرب من العلاج، وهو خلاصة تذكرة داود في الطب.
- إبن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب.
- الزركلي: الأعلام.
- أحمد فؤاد باشا: موسوعة أعلام الفكر الإسلامي.