مولده ونشأته:–
ما وصلنا عن حياة وشخص وإنجازات العالِم حامد بن الخضر الخَجندي (الخوشندي)، هي معلومات شحيحة للغاية، والذي نما لعلمنا حيال سيرته الذاتية؛ هو ما ورد في المخطوطات والكتب التي نجت في أعقاب احتراق مكتبة بيت الحكمة ببغداد من قبل المغول الغزاة (1258م)، هذا بالإضافة إلى القليل مما أدرجه العلّامة الموسوعي نصير الدين الطوسي (1201-1274 م) في كتبه ومؤلفاته.
وما نحن واثقون منه هو
أن حامد بن الخضر من مواليد العام 940 ميلادي في مدينة خجند أو ما تعرف بلينين
أباد (تقع اليوم في طاجكستان).
المنطقة الجغرافية
المذكورة؛ تطل على نهر سيجون وتتربع على وادي فرغانة وهي منطقة خصبة وصلها العرب
في خضم الفتوحات الإسلامية في غُرة القرن الثامن للميلاد.
ما يذكره الطوسي من
تعليقات عن حامد الخًجندي؛ قوله: إنه ينحدر من عائلة الحكام المغول في طاجكستان،
لذلك، فمن المرجح أنه كان صاحب مكانةً وثراء، وذلك نظراً لانتسابه إلى إحدى الأسر المعروفة
والنبيلة.
تعلمه ومكانته العلمية:–
خلال سنوات دراسته وما
بعدها؛ تلقى حامد بن الخضر الدعم والتشجيع من قبل أفراء السلالة البويهية التي اعتلت سدة الحكم، وبعد سنوات من تمدد هيمنة الأسرة على مناطق في
آسيا الوسطى؛ تمكن أحمد معز الدولة (932-967 م)، من السيطرة على مدينة بغداد عاصمة
العباسيين وأعلن نفسه حامياً للخلافة.
وفي خِضم هذه
التوسعات؛ توزع أفراد عائلة السلطان أحمد معز الدولة في كل المقاطعات كحكام وأمراء،
وذلك على الرغم من عدم التجانس والتفاهم والتلاحم بين أفراد السلالة والعائلة
البويهية التي تعود جذورها لمنطقة بحر الخزر.
وقد قام الأمير فخر الدولة علي بن ركن الدولة، حاكم الري وأصفهان، بدعم أبحاث وأعمال الخُجندي وذلك في الفترة الواقعة ما بين عامي 976 و997 للميلاد، وخاصة في المشروع الأساسي الذي عمل عليه الخُجندي في بناء جدارية (سُدس) ضخمة في مرصده الواقع بمنطقة الري المحاذية لمدينة طهران المعاصرة (في إيران).
والسدس هي بمثابة آلة بصرية لقياس المسافة الزَّاويَّة (نسبة إلى الزاوية) بين نقطتين، مثل الشمس والأفق.
وكان فخر الدولة
يتطلع لبناء جدارية ضخمة للغاية، انطلاقاً من التصور السائد حينذاك بأنه كلما كانت
الأداة أكبر؛ كلما كانت النتائج الرصدية أكثر دقة.
آلة السدس الجدائية هذه كانت عبارة عن المشروع الأساسي الذي عمل عليه واخترعه الخُجندي، وعبره تمكن من فتح أفاق بحثية وتقنية جديدة من خلال وضع مقياس ضمن السدس ويشير إلى الثواني.
هذه الدقة الكبيرة في
الحسابات؛ لم يسبق لعالم أو باحث قبل الخُجندي تحديده.
الانقلاب الصيفي والشتوي:-
قام الخجندي عام 994 م باستعمال هذه الآلة الضخمة في المراقبة والتمعن بسلسلة من خطوط زوال الشمس خلال فترة الانقلابات.
ملاحظاته هذه التي
قام بتسجيلها للانقلاب الصيفي والتي حددها ما بين اليومين من (16 و17) حزيران/
يونيو من سنة (994)، وما بين يومي (14 و17) كانون الأول / ديسمبر (994) للانقلاب
الشتوي قام بالاستفادة منها في حساب مقدار ميلان الشمس وخط العرض الذي تقع عليه
مدينة الري.
كل هذه الأمور؛ قام الخجندي بقياسها وتدوينها في أطروحته التي تتحدث عن ميل الشمس في الكسوف والمحدد لخطوط العرض للمدن.
ومن الملاحظات التي
قام بوضعها؛ ما يُلاحظ أنه حدد الدرجات (23, 32′ 19″) والتي تحدد ميلان مسار الشمس، وهي قيمة أقل من تلك التي حددت من
قبل العلماء السابقين له:
يخبر الخجندي أنهُ: “قد تمكن الهنود من أيجاد أقصى قيمة لميل الكسوف والتي تم تحديدها بقيمة (24) درجة، في حين حددها بطليموس بأنها (51 درجة و23 جزء)، إن هذه القيم المتباينة والمختلفة لا تكون ناتجة عن عيب في القياس أو الأداة، في الحقيقة إن ميل المسار الشمسي ليس ثابتاً بل هو عبارة عن مقدار قابل للتناقص”.
ومع ذلك؛ فإن القيمة التي حددها الخُجندي لميل الكسوف تتضمن خطأ بمقدار دقيقتين منخفضتين، وهو ما ناقشه العلامة الموسوعي أبو الريحان البيروني (973-1050 م) عندما علل نشوء الخطأ بفعل تعيين فتحة آلة السدس على مسافة واحدة نتيجة لثقل الأداة.
واليوم؛ يظهر أن تعليل البيروني وقيمة الخطأ الذي حدده صحيحة إلى حد كبير، فعلى الرغم من وجود أخطاء طفيفة، غير أن تحديده لخط العرض الذي تقع عليه مدينة الري؛ كان دقيقاً لشكل كبير.
الخجندي ونظرية الجيب المثلثي:–
مما عثر عليه في
أطروحات الطوسي؛ هو تقديمه لدليل واضح ودامغ على أن الخُجندي هو أول من قدم
برهاناً على وجود مفهوم نظرية المثلثات ضمن القطوع الكروية (القطوع).
وعلى الرغم من أن الطوسي هو الذي نسب الأمر للخجندي؛ إلا أنه يوجد ميل لدى المؤرخين بنسب هذه النظرية إلى أبي الوفا البوزجاني (940-998 م)، أو إلى أبي نصر منصور بن عراق (960-1036 م) اللذان يعتبران المؤسسين الأساسيين لهذا العلم الرياضي.
ويعود الشك في نسب نشوء النظرية للخجندي، على اعتبار أن كلا من أبي الوفا وأبي نصر قد ادعيا وكتبا عن نظرية الجيب المثلثية، بينما لم يترك الأول أثراً يمكن يعزز افتراض نسب العمل إليه.
هذا بالإضافة إلى أن
الخجندي كان عالماً فلكياً يعمل في تصميم الآلات الفلكية والمراقبة الفلكية
النظرية، فصحيح أنه ربما تحدث عن المثلثات؛ ولكن أبا نصر كان قد كتب عنها في
أطروحاته، وهو الأمر الذي نجده أمامنا في المخطوطات التي تمنحه الأولوية في
المبادرة بهذا العمل.
هذا الأمر؛ لا ينفي
ولا يقلل أبداً من الإسهامات الرياضية التي برع فيها وأضافها الخجندي، هذا إلى
جانب محاولاته في تقديم حلول عملية سواء أصابت أم جانبها الدقة.
وفاة الخجندي:–
توفي أبو محمود
الخجندي عن عمر تجاوز الواحد والخمسين سنة في عام (390هـ، 1000م)
المصادر:-
http://mathshistory.st-andrews.ac.uk/Biographies/Al-Khujandi.html
مكتبة قطر الرقمية
مولده ونشأته:–
ما وصلنا عن حياة وشخص وإنجازات العالِم حامد بن الخضر الخَجندي (الخوشندي)، هي معلومات شحيحة للغاية، والذي نما لعلمنا حيال سيرته الذاتية؛ هو ما ورد في المخطوطات والكتب التي نجت في أعقاب احتراق مكتبة بيت الحكمة ببغداد من قبل المغول الغزاة (1258م)، هذا بالإضافة إلى القليل مما أدرجه العلّامة الموسوعي نصير الدين الطوسي (1201-1274 م) في كتبه ومؤلفاته.
وما نحن واثقون منه هو
أن حامد بن الخضر من مواليد العام 940 ميلادي في مدينة خجند أو ما تعرف بلينين
أباد (تقع اليوم في طاجكستان).
المنطقة الجغرافية
المذكورة؛ تطل على نهر سيجون وتتربع على وادي فرغانة وهي منطقة خصبة وصلها العرب
في خضم الفتوحات الإسلامية في غُرة القرن الثامن للميلاد.
ما يذكره الطوسي من
تعليقات عن حامد الخًجندي؛ قوله: إنه ينحدر من عائلة الحكام المغول في طاجكستان،
لذلك، فمن المرجح أنه كان صاحب مكانةً وثراء، وذلك نظراً لانتسابه إلى إحدى الأسر المعروفة
والنبيلة.
تعلمه ومكانته العلمية:–
خلال سنوات دراسته وما
بعدها؛ تلقى حامد بن الخضر الدعم والتشجيع من قبل أفراء السلالة البويهية التي اعتلت سدة الحكم، وبعد سنوات من تمدد هيمنة الأسرة على مناطق في
آسيا الوسطى؛ تمكن أحمد معز الدولة (932-967 م)، من السيطرة على مدينة بغداد عاصمة
العباسيين وأعلن نفسه حامياً للخلافة.
وفي خِضم هذه
التوسعات؛ توزع أفراد عائلة السلطان أحمد معز الدولة في كل المقاطعات كحكام وأمراء،
وذلك على الرغم من عدم التجانس والتفاهم والتلاحم بين أفراد السلالة والعائلة
البويهية التي تعود جذورها لمنطقة بحر الخزر.
وقد قام الأمير فخر الدولة علي بن ركن الدولة، حاكم الري وأصفهان، بدعم أبحاث وأعمال الخُجندي وذلك في الفترة الواقعة ما بين عامي 976 و997 للميلاد، وخاصة في المشروع الأساسي الذي عمل عليه الخُجندي في بناء جدارية (سُدس) ضخمة في مرصده الواقع بمنطقة الري المحاذية لمدينة طهران المعاصرة (في إيران).
والسدس هي بمثابة آلة بصرية لقياس المسافة الزَّاويَّة (نسبة إلى الزاوية) بين نقطتين، مثل الشمس والأفق.
وكان فخر الدولة
يتطلع لبناء جدارية ضخمة للغاية، انطلاقاً من التصور السائد حينذاك بأنه كلما كانت
الأداة أكبر؛ كلما كانت النتائج الرصدية أكثر دقة.
آلة السدس الجدائية هذه كانت عبارة عن المشروع الأساسي الذي عمل عليه واخترعه الخُجندي، وعبره تمكن من فتح أفاق بحثية وتقنية جديدة من خلال وضع مقياس ضمن السدس ويشير إلى الثواني.
هذه الدقة الكبيرة في
الحسابات؛ لم يسبق لعالم أو باحث قبل الخُجندي تحديده.
الانقلاب الصيفي والشتوي:-
قام الخجندي عام 994 م باستعمال هذه الآلة الضخمة في المراقبة والتمعن بسلسلة من خطوط زوال الشمس خلال فترة الانقلابات.
ملاحظاته هذه التي
قام بتسجيلها للانقلاب الصيفي والتي حددها ما بين اليومين من (16 و17) حزيران/
يونيو من سنة (994)، وما بين يومي (14 و17) كانون الأول / ديسمبر (994) للانقلاب
الشتوي قام بالاستفادة منها في حساب مقدار ميلان الشمس وخط العرض الذي تقع عليه
مدينة الري.
كل هذه الأمور؛ قام الخجندي بقياسها وتدوينها في أطروحته التي تتحدث عن ميل الشمس في الكسوف والمحدد لخطوط العرض للمدن.
ومن الملاحظات التي
قام بوضعها؛ ما يُلاحظ أنه حدد الدرجات (23, 32′ 19″) والتي تحدد ميلان مسار الشمس، وهي قيمة أقل من تلك التي حددت من
قبل العلماء السابقين له:
يخبر الخجندي أنهُ: “قد تمكن الهنود من أيجاد أقصى قيمة لميل الكسوف والتي تم تحديدها بقيمة (24) درجة، في حين حددها بطليموس بأنها (51 درجة و23 جزء)، إن هذه القيم المتباينة والمختلفة لا تكون ناتجة عن عيب في القياس أو الأداة، في الحقيقة إن ميل المسار الشمسي ليس ثابتاً بل هو عبارة عن مقدار قابل للتناقص”.
ومع ذلك؛ فإن القيمة التي حددها الخُجندي لميل الكسوف تتضمن خطأ بمقدار دقيقتين منخفضتين، وهو ما ناقشه العلامة الموسوعي أبو الريحان البيروني (973-1050 م) عندما علل نشوء الخطأ بفعل تعيين فتحة آلة السدس على مسافة واحدة نتيجة لثقل الأداة.
واليوم؛ يظهر أن تعليل البيروني وقيمة الخطأ الذي حدده صحيحة إلى حد كبير، فعلى الرغم من وجود أخطاء طفيفة، غير أن تحديده لخط العرض الذي تقع عليه مدينة الري؛ كان دقيقاً لشكل كبير.
الخجندي ونظرية الجيب المثلثي:–
مما عثر عليه في
أطروحات الطوسي؛ هو تقديمه لدليل واضح ودامغ على أن الخُجندي هو أول من قدم
برهاناً على وجود مفهوم نظرية المثلثات ضمن القطوع الكروية (القطوع).
وعلى الرغم من أن الطوسي هو الذي نسب الأمر للخجندي؛ إلا أنه يوجد ميل لدى المؤرخين بنسب هذه النظرية إلى أبي الوفا البوزجاني (940-998 م)، أو إلى أبي نصر منصور بن عراق (960-1036 م) اللذان يعتبران المؤسسين الأساسيين لهذا العلم الرياضي.
ويعود الشك في نسب نشوء النظرية للخجندي، على اعتبار أن كلا من أبي الوفا وأبي نصر قد ادعيا وكتبا عن نظرية الجيب المثلثية، بينما لم يترك الأول أثراً يمكن يعزز افتراض نسب العمل إليه.
هذا بالإضافة إلى أن
الخجندي كان عالماً فلكياً يعمل في تصميم الآلات الفلكية والمراقبة الفلكية
النظرية، فصحيح أنه ربما تحدث عن المثلثات؛ ولكن أبا نصر كان قد كتب عنها في
أطروحاته، وهو الأمر الذي نجده أمامنا في المخطوطات التي تمنحه الأولوية في
المبادرة بهذا العمل.
هذا الأمر؛ لا ينفي
ولا يقلل أبداً من الإسهامات الرياضية التي برع فيها وأضافها الخجندي، هذا إلى
جانب محاولاته في تقديم حلول عملية سواء أصابت أم جانبها الدقة.
وفاة الخجندي:–
توفي أبو محمود
الخجندي عن عمر تجاوز الواحد والخمسين سنة في عام (390هـ، 1000م)
المصادر:-
http://mathshistory.st-andrews.ac.uk/Biographies/Al-Khujandi.html
مكتبة قطر الرقمية