اسمه:-
أبو جعفر محمد بن محمد بن حسن، المعروف بالشيخ نصير الدين الطوسي، الفيلسوف، صاحب علم الرياضيات، وُلِدَ بطُوْس سنة 597هـ، وكان حَسَن الصورة سمحاً، كريماً، جواداً، حليماً، حسن العشرة، غزير الفضل.
كان ومازال الطوسي شخصية فريدة، فهذا الرجل -الذي عاش قرابة 73 عام-؛ امتلك حياة غنية بالأعمال والإنجازات التي ملأت حياته حتى وافته المنية في بغداد يوم 18 ذو الحجة، سنة 672هـ (1274 م).
نشأة الطوسي وتَعلمهُ:–
ترعرع الطوسي في كنف والدٍ يقدِّر قيمة العِلم والمعرفة، حيث قام بتشجيعه على التعلُم وخوض غمار شتى فروع العلم، فسهَّل عليه طريق الوصول إلى العلماء المنتمين إلى سائر الفنون، وهكذا كان نصير الدين يكبر ويعتاد على التنقُّل والسَّفر بحثاً عن معلمٍ جديد أو معرفة جديدة بالنسبة له.
وفي الوقت الذي وصل فيه الطوسي إلى درجة عالية من العلم؛ وجدَ رعاية واسعة من قِبَل رأس السلطة للطائفة الإسماعيلية في قلعة ألموت، وما ذُكر في كتب التأريخ أن الطوسي قام تحت رعاية الإسماعيليين بتأليف أعماله الأكثر تميزاً وإبداعاً وذلك تحديداً خلال حكم ناصر الدين المحتشم.
الطوسي الخواجة:-
عاصر الطوسي خلال حياته مجموعة من أكبر العلماء العرب، المسلمين، والأجانب مثل روجر بيكون، العلامة ابن عربي، توماس الإكويني، موسى بن ميمون، الفقيه ابن تيمية والعديد غيرهم.
والفريد أنه وفي عصر اكتظَّ فيه العلماء والفقهاء ؛ فقد تم تسمية الطوسي بالخواجة وهي تسمية توحي بأنه احتلَّ خلال حياته مكانةً كبيرة كباحث ومتعلِّم.
ولم يقتصر ذكر الخواجة “الطوسي” على مآثره وأعماله خلال حياته فحسب، بل بقي اسمه يذكر ويتردد لسنوات وسنوات بعد وفاته، خاصة في علوم الفلسفة وأُسُس الاخلاقيات البشرية، في الرياضيات والحساب مع أطروحاته الباحثة في المنطق الرياضي، وبالطبع في أبحاثه التي خاضها في علم الفلك.
يُكر لهُ أن الطوسي قد سُمي بمُعلِّم البشرية، حتى أن بعض المستشرقين سموه بالمعلم الثالث – أي أنه يأتي بعد كل من الفيلسوفين العظيمين أرسطو والفارابي.
مكانة الطوسي العلمية أثارت عليه حقد المنافسين:-
بدأ حياته العملية كفلكي للوالي نصير الدين عبد الرحمن بن أبي منصور في سرتخت، وبلغ الطوسي مكانة كبيرة في عصره، فقد كرَّمه الخلفاء وجالس الأمراء والوزراء، وهو ما أثار عليه حسد الحاسدين، فوشوا به ليُحكَم عليه بالسجن في قلعة “ألموت”، مع السَّماح له بمتابعة أبحاثه، فكتبَ معظم مصنفاته العلمية في هذه القلعة.
بعد الصداقة التي نشأت بين الطوسي والحاكم الإسماعيلي ناصر الدين المحتشم؛ كرَّس الطوسي جُل وقته للعمل في الكتابة وخاصة إعادة كتابة الأعمال اليونانية والإسلامية المبكرة؛ وبقليل من البحث؛ نجد أن العديد من الكتب التي تم نسخها في العصور الوسطى – وتُسمى اليوم بالكتب الوسطى – قام هو بنقلها وكتابتها، كما أن كتابه الشهير المُسمى بـ “المجسطي والعناصر” تم تأليفه خلال هذه الفترة.
ولكن لم يستمر الحكم الإسماعيلي لألموت لوقت طويل، ففي سنة 1256 م؛ انهار نظام قلعة ألموت لتسقط بيد المغول، ولكن الطوسي تمكَّن من اعتلاء مكانة هامة لدى هذه القوَّة الصاعدة، فأصبح مستشاراً للحاكم المغولي وتطور الأمر ليترقى إلى منصب وزير الأوقاف الدينية.
نصير الدين الطوسي يطلب من هولاكو بناء مرصد:-
ولما استولى هولاكو على بغداد سنة 656 هـ؛ أراد أن يستفيد من علماء أعدائه العباسيين، فأطلق سراح الطوسي وقرَّبه إليه وأسند إليه نظارة الوقف، ثم عيَّنه على رأس مرصد مدينة مَرَاغَة الذي تم إنشاؤه بطلب من الطوسي، وفي هذا المرصد كان الطوسي يشرف على أعمال عدد كبير من الفلكيين الذين استدعاهم هولاكو من مختلف أنحاء العالم؛ ومنهم المؤيد العُرْضِي من دمشق، والفخر الـمَرَاغي من الموصل، ونجم الدين القزويني، ومحيى الدين المغربي.
وقد اشتهر هذا المرصد بآلاته وبمقدرته في الرصد، وبنى بالمرصد مكتبة عظيمة ملأها من الكتب التي نُهِبَت من بغداد والشام والجزيرة، وقُدِّر عدد الكتب بها بنحو أربعمائة ألف مجلد.
ولكن في سنة 1274 م؛ قام الطوسي بترك المغول ومدينتهم مع مجموعة من طلابه متوجهين إلى مدينة بغداد، والتي سكن فيها لقليل من الوقت حيث وافته المنية خلال نفس العام.
إسهامات نصير الدين الطوسي في مجالات الرياضيات والفلك والهندسة:-
- كان الطوسي أول من جعل علم المثلثات مستقلاً عن الفلك.
- ابتكر براهين جديدة لمسائل فلكية متنوعة.
- أول من استعمل الحالات الست للمثلث الكروي القائم
الزاوية، ويقول كارادي فو: “إن الطوسي قد بسَّط في كتابه «الشكل الرباعي» علم
المثلثات بأوضح أسلوب وأسهله، أولاً على طريقة مانالاوس وبطليموس، ثم على طرق
استنبطها هو مشيراً إلى نتائجها، وقاعدته التي سماها “قاعدة الأشكال
المتتامة”، تخالف استعمال نظرية بطليموس في الأشكال الرباعية”. - برع الطوسي في معالجة المتوازيات الهندسية، وجرب أن
يبرهنها، وبنى برهانه على فروض، وقد ذكر سارطون أن الطوسي برهن في كتاب «التذكرة»
على عدد من المسائل الهندسية. - يمتاز الطوسي في بحوثه الهندسية بإحاطته الكلية بالمبادئ
والقضايا الأساس التي تقوم عليها الهندسة، ولا سيما ما يتعلق بالمتوازيات.
انتقاد الطوسي كتاب «المجسطي»:-
- للطوسي في الفلك إسهامات وإضافات مهمة، فقد أوضح كثيراً
من النظريات الفلكية، وانتقد كتاب «المجسطي»، واقترح نظاماً فلكياً أبسط من النظام
الذي وضعه بطليموس، فمهَّد بذلك الطريق أمام الإصلاحات التي جاء بها كوبرنيك فيما
بعد. - للطوسي أيضاً بحوث في الكرة السماوية ونظام الكواكب.
أهم نتاج الطوسي الفكري:-
من أهم الكتب والمخطوطات التي كتبها الطوسي؛ كان كتاب أخلاقيات المهنة – الأخلاقيات الفلسفية أو قد يُعرف باسم أخلاقيات المهاتشمي – وكتاب الرسالة المعينية التي يتم فيها توضيح نماذج ناصر الدين الطوسي الفلكية المحددة للقمر والكواكب، بالإضافة على كتاب العمل المنطقي القام على القصاص.
وبالإضافة إلى ذلك، عمل الطوسي على كتاب يتعلق بالتعليق على عمل لابن سينا يُسمى بالإشارات والتنبؤات وذلك أيضاً خلال فترة رعاية الحكم الإسماعيلي له.
كُتُب نصير الدين الطوسي عديدة في علوم كثيرة:-
كتب الطوسي في المثلثات، والفلك، والجبر، والهندسة، والحساب، والتقاويم، والطب، والجغرافيا، والمنطق، والأخلاق، والموسيقى، وغيرها من المواضيع، كما ترجم بعض كتب اليونان وعلَّق على مواضيعها شارحاً ومنتقداً.
من أبرز الأعمال التي تُذكر له هو كتاب “تذكرة في علم الحياة” حيث يقوم الطوسي من خلاله بطرح وصف متناسق ومتماسك يستعرض علم الفلك، وهو كتاب أو بالأصح هو أطروحة ملائمة للطلاب الراغبين في البحث في الفلك وتعلمه. وقد تمت كتابتها بعد فترة من انتهاء الحكم الإسماعيلي وكانت بتنظيم وتصميم التذكرة بشكل يتناسب مع أطروحته المكتوبة باللغة الفارسية المسماة “الرسالة المعينية – وكتبت في منطقة قهستان الإسماعيلية في جبال فارس.
لقد كان لمذكرة الطوسي تأثيراً كبيراً على علم الفلك وتطوره الذي حصل بعده، والذي يدلنا عليه العديد من الكتب والمخطوطات التي اعتمدت على التذكرة إما للتعليق عليها أو للاستنارة والبناء عليها؛ في الواقع اليوم لدينا تحديداً أربعة عشرة أطروحة للتعليق عليها أو لدراستها.
وبعض الكتابات والتعليقات على المذكرة تناقش نقاطاً ذكرها الطوسي بإيجاز او لمح إليها، مما يوحي لنا أن هذه الدراسة كانت بالفعل دراسات أصيلة تقدم حلول تفيد في معالجة مواضيع جديدة لم يتطرق لها أحد بمثل هكذا تفصيل للعلاقة بين الملاحظة التي تكتشف والنظرية التي تبنى عليها، بالإضافة إلى ذكر دور علم الفيزياء بالفلك؛ ولعل أبرز هذه التعليقات والكتابات هي أطروحة “تعليق التذكرة ” التي كتبها العالم عبد العلي بن حسين البيرجندي، وهي نسخة كتبت في القرن السادس عشر للميلاد.
من أشهر مؤلفات نصير الدين الطوسي:-
- المتوسطات بين الهندسة والهيئة.
- مقدمة في الهيئة.
- أوصاف الأشراف.
- تجريد العقائد، يعرف بتجريد الكلام.
- التخليص في علم الكلام.
- تلخيص المحصل، مختصر المحصل للـفخر الرازي.
- حل مشكلات الإشارات والتنبيهات لابن سينا.
- شرح قسم الإلهيات من إشارات ابن سينا.
- العروض، بالفارسية.
- شرح الثمرة، لبطليموس.
- تحرير المجسطي، في الهيئة.
- التذكرة النصيرية، وهو كتاب عام لعلم الفلك، أوضح فيه كثيراً من النظريات الفلكية، وفيه انتقد كتاب «المجسطي» لبطليموس، ويعترف سارطون بأن هذا الانتقاد يدل على عبقرية الطوسي وطول باعه في الفلك.
- تحرير ظاهرات الفلك.
- المتوسطات الهندسية.
- جامع الحساب في التخت والتراب.
- الكرة والاسطرلاب.
- الليل والنهار.
- الحرارة والبرودة وتضادّ فعليهما.
- تحرير الكرة المتحركة.
- تحرير الطلوع والغروب.
- تسطيح الكرة.
- تحرير المطالع.
- تربيع الدائرة.
- تحرير أصول أقليدس.
- مئة مسألة وخمس من أصول إقليدس.
- المخروطات.
- شكل القطاع، وهو أول مؤلف فرَّق بين حساب المثلثات وعلم الفلك، يقول عنه كارادي فو: “وهو مؤلف من الصنف الممتاز في علم المثلثات الكروية”. تُرجِمَ إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية، وظل الأوربيون يعتمدون عليه لعدة قرون.
- الأسطوانة.
- إثبات العقل.
- الفرائض على مذهب أهل البيت.
- بقاء النفس بعد بوار البدن.
- الجبر والمقابلة.
- رسالة إلى نجم الدين الكاشي في إثبات واجب الوجود.
- زيج الإيلخاني، يشتمل على حسابات أرصاده التي قام بها خلال اثنتي عشرة سنة.
- أكر مانالاوس.
- تحرير كتاب المناظر.
آفاق التأثير العلمي:-
لا يمكن حصر الفائدة التي قدَّمها الطوسي للبشرية بتلك المرحلة الصغيرة المقدرة بالسنوات التي كان فيها على قيد الحياة؛ بل استمر الأخذ في علومه ونتاجه الفكري حتى العصر الحديث؛ خاصة أن العديد من العلوم والتخصصات الفلكية والفلسفية اليوم تقوم على أطروحاته التي أصبحت تمثل معياراً محدداً للعديد منها.
كما لم يقتصر تأثير كتب الطوسي في العالم الإسلامي والعربي حينها؛ بل امتد وتوسع مع ترجمة أعماله وخروجها إلى العالم الغربي وخاصة كتاباته التي تطرق فيها إلى إقليدية بطليموس وغيرها حيث ترجمت إلى السنسكريتية في بداية القرن الثامن عشر. وأهم ما ترجم هو تعليق البرجندي على تذكرة الطوسي، حيث ترجم إلى السنسكريتية فقط الجزء الثاني الذي تم فيه مناقشة تذكرة الطوسي تحت عنوان ” ثنائية الطوسي وتطبيقاته”.
وسيكون من السهل أن تجد العديد من الأبحاث الحديثة التي تربط بين الثورة العلمية الفلكية في عصر النهضة وبين نتاج الفلك الإسلامي في أواخر العصور الوسطى.
ولنأخذ على سبيل المثال ما قدم لنا الفلكي الشهير كوربرنيكوس في أواخر القرن الخامس عشر عندما تحدث عن زوجا الطوسي في مخطوطاته الفلكية العديدة ومنها “De revolutionibus”، وبإلقاء نظرة على إيطاليا في تلك الفترة ستجد تذكرة الطوسي في كل مكتبة علمية تقريباً بالإضافة إلى نموذجه القمري.
ولم يقتصر الأمر على عصر النهضة، فإلى اليوم ما يزال هناك العديد من العلماء الذين يشيدون بأعمال الطوسي، بدوره وتأثيره الواضح في تاريخ الفلك.
المصادر:
- الأعلام (7/30).
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 34).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (7/591).
- العبر في خبر من غبر (3/326).
- فوات الوفيات (3/246/رقم 414).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (22/6979).
اسمه:-
أبو جعفر محمد بن محمد بن حسن، المعروف بالشيخ نصير الدين الطوسي، الفيلسوف، صاحب علم الرياضيات، وُلِدَ بطُوْس سنة 597هـ، وكان حَسَن الصورة سمحاً، كريماً، جواداً، حليماً، حسن العشرة، غزير الفضل.
كان ومازال الطوسي شخصية فريدة، فهذا الرجل -الذي عاش قرابة 73 عام-؛ امتلك حياة غنية بالأعمال والإنجازات التي ملأت حياته حتى وافته المنية في بغداد يوم 18 ذو الحجة، سنة 672هـ (1274 م).
نشأة الطوسي وتَعلمهُ:–
ترعرع الطوسي في كنف والدٍ يقدِّر قيمة العِلم والمعرفة، حيث قام بتشجيعه على التعلُم وخوض غمار شتى فروع العلم، فسهَّل عليه طريق الوصول إلى العلماء المنتمين إلى سائر الفنون، وهكذا كان نصير الدين يكبر ويعتاد على التنقُّل والسَّفر بحثاً عن معلمٍ جديد أو معرفة جديدة بالنسبة له.
وفي الوقت الذي وصل فيه الطوسي إلى درجة عالية من العلم؛ وجدَ رعاية واسعة من قِبَل رأس السلطة للطائفة الإسماعيلية في قلعة ألموت، وما ذُكر في كتب التأريخ أن الطوسي قام تحت رعاية الإسماعيليين بتأليف أعماله الأكثر تميزاً وإبداعاً وذلك تحديداً خلال حكم ناصر الدين المحتشم.
الطوسي الخواجة:-
عاصر الطوسي خلال حياته مجموعة من أكبر العلماء العرب، المسلمين، والأجانب مثل روجر بيكون، العلامة ابن عربي، توماس الإكويني، موسى بن ميمون، الفقيه ابن تيمية والعديد غيرهم.
والفريد أنه وفي عصر اكتظَّ فيه العلماء والفقهاء ؛ فقد تم تسمية الطوسي بالخواجة وهي تسمية توحي بأنه احتلَّ خلال حياته مكانةً كبيرة كباحث ومتعلِّم.
ولم يقتصر ذكر الخواجة “الطوسي” على مآثره وأعماله خلال حياته فحسب، بل بقي اسمه يذكر ويتردد لسنوات وسنوات بعد وفاته، خاصة في علوم الفلسفة وأُسُس الاخلاقيات البشرية، في الرياضيات والحساب مع أطروحاته الباحثة في المنطق الرياضي، وبالطبع في أبحاثه التي خاضها في علم الفلك.
يُكر لهُ أن الطوسي قد سُمي بمُعلِّم البشرية، حتى أن بعض المستشرقين سموه بالمعلم الثالث – أي أنه يأتي بعد كل من الفيلسوفين العظيمين أرسطو والفارابي.
مكانة الطوسي العلمية أثارت عليه حقد المنافسين:-
بدأ حياته العملية كفلكي للوالي نصير الدين عبد الرحمن بن أبي منصور في سرتخت، وبلغ الطوسي مكانة كبيرة في عصره، فقد كرَّمه الخلفاء وجالس الأمراء والوزراء، وهو ما أثار عليه حسد الحاسدين، فوشوا به ليُحكَم عليه بالسجن في قلعة “ألموت”، مع السَّماح له بمتابعة أبحاثه، فكتبَ معظم مصنفاته العلمية في هذه القلعة.
بعد الصداقة التي نشأت بين الطوسي والحاكم الإسماعيلي ناصر الدين المحتشم؛ كرَّس الطوسي جُل وقته للعمل في الكتابة وخاصة إعادة كتابة الأعمال اليونانية والإسلامية المبكرة؛ وبقليل من البحث؛ نجد أن العديد من الكتب التي تم نسخها في العصور الوسطى – وتُسمى اليوم بالكتب الوسطى – قام هو بنقلها وكتابتها، كما أن كتابه الشهير المُسمى بـ “المجسطي والعناصر” تم تأليفه خلال هذه الفترة.
ولكن لم يستمر الحكم الإسماعيلي لألموت لوقت طويل، ففي سنة 1256 م؛ انهار نظام قلعة ألموت لتسقط بيد المغول، ولكن الطوسي تمكَّن من اعتلاء مكانة هامة لدى هذه القوَّة الصاعدة، فأصبح مستشاراً للحاكم المغولي وتطور الأمر ليترقى إلى منصب وزير الأوقاف الدينية.
نصير الدين الطوسي يطلب من هولاكو بناء مرصد:-
ولما استولى هولاكو على بغداد سنة 656 هـ؛ أراد أن يستفيد من علماء أعدائه العباسيين، فأطلق سراح الطوسي وقرَّبه إليه وأسند إليه نظارة الوقف، ثم عيَّنه على رأس مرصد مدينة مَرَاغَة الذي تم إنشاؤه بطلب من الطوسي، وفي هذا المرصد كان الطوسي يشرف على أعمال عدد كبير من الفلكيين الذين استدعاهم هولاكو من مختلف أنحاء العالم؛ ومنهم المؤيد العُرْضِي من دمشق، والفخر الـمَرَاغي من الموصل، ونجم الدين القزويني، ومحيى الدين المغربي.
وقد اشتهر هذا المرصد بآلاته وبمقدرته في الرصد، وبنى بالمرصد مكتبة عظيمة ملأها من الكتب التي نُهِبَت من بغداد والشام والجزيرة، وقُدِّر عدد الكتب بها بنحو أربعمائة ألف مجلد.
ولكن في سنة 1274 م؛ قام الطوسي بترك المغول ومدينتهم مع مجموعة من طلابه متوجهين إلى مدينة بغداد، والتي سكن فيها لقليل من الوقت حيث وافته المنية خلال نفس العام.
إسهامات نصير الدين الطوسي في مجالات الرياضيات والفلك والهندسة:-
- كان الطوسي أول من جعل علم المثلثات مستقلاً عن الفلك.
- ابتكر براهين جديدة لمسائل فلكية متنوعة.
- أول من استعمل الحالات الست للمثلث الكروي القائم
الزاوية، ويقول كارادي فو: “إن الطوسي قد بسَّط في كتابه «الشكل الرباعي» علم
المثلثات بأوضح أسلوب وأسهله، أولاً على طريقة مانالاوس وبطليموس، ثم على طرق
استنبطها هو مشيراً إلى نتائجها، وقاعدته التي سماها “قاعدة الأشكال
المتتامة”، تخالف استعمال نظرية بطليموس في الأشكال الرباعية”. - برع الطوسي في معالجة المتوازيات الهندسية، وجرب أن
يبرهنها، وبنى برهانه على فروض، وقد ذكر سارطون أن الطوسي برهن في كتاب «التذكرة»
على عدد من المسائل الهندسية. - يمتاز الطوسي في بحوثه الهندسية بإحاطته الكلية بالمبادئ
والقضايا الأساس التي تقوم عليها الهندسة، ولا سيما ما يتعلق بالمتوازيات.
انتقاد الطوسي كتاب «المجسطي»:-
- للطوسي في الفلك إسهامات وإضافات مهمة، فقد أوضح كثيراً
من النظريات الفلكية، وانتقد كتاب «المجسطي»، واقترح نظاماً فلكياً أبسط من النظام
الذي وضعه بطليموس، فمهَّد بذلك الطريق أمام الإصلاحات التي جاء بها كوبرنيك فيما
بعد. - للطوسي أيضاً بحوث في الكرة السماوية ونظام الكواكب.
أهم نتاج الطوسي الفكري:-
من أهم الكتب والمخطوطات التي كتبها الطوسي؛ كان كتاب أخلاقيات المهنة – الأخلاقيات الفلسفية أو قد يُعرف باسم أخلاقيات المهاتشمي – وكتاب الرسالة المعينية التي يتم فيها توضيح نماذج ناصر الدين الطوسي الفلكية المحددة للقمر والكواكب، بالإضافة على كتاب العمل المنطقي القام على القصاص.
وبالإضافة إلى ذلك، عمل الطوسي على كتاب يتعلق بالتعليق على عمل لابن سينا يُسمى بالإشارات والتنبؤات وذلك أيضاً خلال فترة رعاية الحكم الإسماعيلي له.
كُتُب نصير الدين الطوسي عديدة في علوم كثيرة:-
كتب الطوسي في المثلثات، والفلك، والجبر، والهندسة، والحساب، والتقاويم، والطب، والجغرافيا، والمنطق، والأخلاق، والموسيقى، وغيرها من المواضيع، كما ترجم بعض كتب اليونان وعلَّق على مواضيعها شارحاً ومنتقداً.
من أبرز الأعمال التي تُذكر له هو كتاب “تذكرة في علم الحياة” حيث يقوم الطوسي من خلاله بطرح وصف متناسق ومتماسك يستعرض علم الفلك، وهو كتاب أو بالأصح هو أطروحة ملائمة للطلاب الراغبين في البحث في الفلك وتعلمه. وقد تمت كتابتها بعد فترة من انتهاء الحكم الإسماعيلي وكانت بتنظيم وتصميم التذكرة بشكل يتناسب مع أطروحته المكتوبة باللغة الفارسية المسماة “الرسالة المعينية – وكتبت في منطقة قهستان الإسماعيلية في جبال فارس.
لقد كان لمذكرة الطوسي تأثيراً كبيراً على علم الفلك وتطوره الذي حصل بعده، والذي يدلنا عليه العديد من الكتب والمخطوطات التي اعتمدت على التذكرة إما للتعليق عليها أو للاستنارة والبناء عليها؛ في الواقع اليوم لدينا تحديداً أربعة عشرة أطروحة للتعليق عليها أو لدراستها.
وبعض الكتابات والتعليقات على المذكرة تناقش نقاطاً ذكرها الطوسي بإيجاز او لمح إليها، مما يوحي لنا أن هذه الدراسة كانت بالفعل دراسات أصيلة تقدم حلول تفيد في معالجة مواضيع جديدة لم يتطرق لها أحد بمثل هكذا تفصيل للعلاقة بين الملاحظة التي تكتشف والنظرية التي تبنى عليها، بالإضافة إلى ذكر دور علم الفيزياء بالفلك؛ ولعل أبرز هذه التعليقات والكتابات هي أطروحة “تعليق التذكرة ” التي كتبها العالم عبد العلي بن حسين البيرجندي، وهي نسخة كتبت في القرن السادس عشر للميلاد.
من أشهر مؤلفات نصير الدين الطوسي:-
- المتوسطات بين الهندسة والهيئة.
- مقدمة في الهيئة.
- أوصاف الأشراف.
- تجريد العقائد، يعرف بتجريد الكلام.
- التخليص في علم الكلام.
- تلخيص المحصل، مختصر المحصل للـفخر الرازي.
- حل مشكلات الإشارات والتنبيهات لابن سينا.
- شرح قسم الإلهيات من إشارات ابن سينا.
- العروض، بالفارسية.
- شرح الثمرة، لبطليموس.
- تحرير المجسطي، في الهيئة.
- التذكرة النصيرية، وهو كتاب عام لعلم الفلك، أوضح فيه كثيراً من النظريات الفلكية، وفيه انتقد كتاب «المجسطي» لبطليموس، ويعترف سارطون بأن هذا الانتقاد يدل على عبقرية الطوسي وطول باعه في الفلك.
- تحرير ظاهرات الفلك.
- المتوسطات الهندسية.
- جامع الحساب في التخت والتراب.
- الكرة والاسطرلاب.
- الليل والنهار.
- الحرارة والبرودة وتضادّ فعليهما.
- تحرير الكرة المتحركة.
- تحرير الطلوع والغروب.
- تسطيح الكرة.
- تحرير المطالع.
- تربيع الدائرة.
- تحرير أصول أقليدس.
- مئة مسألة وخمس من أصول إقليدس.
- المخروطات.
- شكل القطاع، وهو أول مؤلف فرَّق بين حساب المثلثات وعلم الفلك، يقول عنه كارادي فو: “وهو مؤلف من الصنف الممتاز في علم المثلثات الكروية”. تُرجِمَ إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية، وظل الأوربيون يعتمدون عليه لعدة قرون.
- الأسطوانة.
- إثبات العقل.
- الفرائض على مذهب أهل البيت.
- بقاء النفس بعد بوار البدن.
- الجبر والمقابلة.
- رسالة إلى نجم الدين الكاشي في إثبات واجب الوجود.
- زيج الإيلخاني، يشتمل على حسابات أرصاده التي قام بها خلال اثنتي عشرة سنة.
- أكر مانالاوس.
- تحرير كتاب المناظر.
آفاق التأثير العلمي:-
لا يمكن حصر الفائدة التي قدَّمها الطوسي للبشرية بتلك المرحلة الصغيرة المقدرة بالسنوات التي كان فيها على قيد الحياة؛ بل استمر الأخذ في علومه ونتاجه الفكري حتى العصر الحديث؛ خاصة أن العديد من العلوم والتخصصات الفلكية والفلسفية اليوم تقوم على أطروحاته التي أصبحت تمثل معياراً محدداً للعديد منها.
كما لم يقتصر تأثير كتب الطوسي في العالم الإسلامي والعربي حينها؛ بل امتد وتوسع مع ترجمة أعماله وخروجها إلى العالم الغربي وخاصة كتاباته التي تطرق فيها إلى إقليدية بطليموس وغيرها حيث ترجمت إلى السنسكريتية في بداية القرن الثامن عشر. وأهم ما ترجم هو تعليق البرجندي على تذكرة الطوسي، حيث ترجم إلى السنسكريتية فقط الجزء الثاني الذي تم فيه مناقشة تذكرة الطوسي تحت عنوان ” ثنائية الطوسي وتطبيقاته”.
وسيكون من السهل أن تجد العديد من الأبحاث الحديثة التي تربط بين الثورة العلمية الفلكية في عصر النهضة وبين نتاج الفلك الإسلامي في أواخر العصور الوسطى.
ولنأخذ على سبيل المثال ما قدم لنا الفلكي الشهير كوربرنيكوس في أواخر القرن الخامس عشر عندما تحدث عن زوجا الطوسي في مخطوطاته الفلكية العديدة ومنها “De revolutionibus”، وبإلقاء نظرة على إيطاليا في تلك الفترة ستجد تذكرة الطوسي في كل مكتبة علمية تقريباً بالإضافة إلى نموذجه القمري.
ولم يقتصر الأمر على عصر النهضة، فإلى اليوم ما يزال هناك العديد من العلماء الذين يشيدون بأعمال الطوسي، بدوره وتأثيره الواضح في تاريخ الفلك.
المصادر:
- الأعلام (7/30).
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 34).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (7/591).
- العبر في خبر من غبر (3/326).
- فوات الوفيات (3/246/رقم 414).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (22/6979).