من هو بختيشوع بن جورجيس؟
هو بختيشوع بن جورجيس بن بختيشوع ويكنى بأبي جبرائيل، طبيب نصراني من جنديسابور (منطقة الأحواز في إيران حاليا)، ينتمي إلى آل بختيشوع الذي عرفوا في العصر العباسي بعلمهم وفقههم في مجال الطب.
كان بختيشوع بن جورجيس جليلا في صناعة الطب موقراً في بغداد لعلمه الكبير وصحبته للخليفة هارون الرشيد، وقد جنى أموالا وأملاكا كثيرة من الخلفاء العباسيين بفضل حصافته وعلمه وكفاءته.
وبختشيوع تعني عبد المسيح، حيث أن معنى البخت في السريانية هو العبد، بحسب ابن أبي أصيبعة.
مدرسة جنديسابور العلمية:-
جنديسابور هي مدينة في خورستان، أسست على يد سابور الأول، فجعلها موطنا لأسری الروم.
كما أسس فيها كسری أنوشروان مدرسة الطب المشهورة، وكانت تُدرّس فيها كافة العلوم اليونانية باللغة الآرامية، كما كانت تُلقّن في مدرسة جنديسابور الثقافة الهندية، بجانب الثقافة اليونانية، وكان يشترك بعض الهنود في التدريس باللغة البهلوية.
علاقة مدرسة جنديسابور بقصور بني العباس:-
بقيت مدرسة جنديسابور الشهيرة تؤدي عملها في تأطير الأطباء وتخريج العلماء بعد الفتح كما كان في عهد الفرس، بل إن اتصال المدرسة بالمسلمين قد زاد بشكل كبير في العهد العباسي. في هذا الوقت بالذات بدأت علاقة آل بختيشوع بالأمراء العباسيين تتطور شيئاً فشيئاً.
وتوثق المصادر بداية هذه العلاقة عند بناء جعفر المنصور عندما مدينة بغداد حيث أصيب بمرض غامض في معدته لم يستطع أطباؤه معالجته، فدلّه البعض على جورجيس بن بختيشوع، رئيس أطباء جنديسابور.
ومنذ ذلك الحين؛ اتصلت قصور الخلفاء بمدرسة جنديسابور وعلمائها من جهة، ثم بأطباء آل بختيشوع، حتى أن الرشيد أمر جبريل بن بختيشوع بأن ينشِئ ببغداد بيمارستانا على نمط بيمارستان جنديسابور، فتقلد بعد ذلك رئاسة الأطباء والتلاميذ هناك.
وعليه يمكن القول بأن جورجيس بن بختيشوع كان أول جوهرة اكتشفها العباسيون في مدرسة جنديسابور، هذه الجوهرة التي قادتهم الى عقد متكامل من العلماء والأطباء الذين خُلّدوا في تاريخ الطب العربي. بداية من جورجيس بن بختيشوع طبيب المنصور، وابنه بختيشوع طبيب الرشيد، وجبريل بن بختيشوع طبيب المأمون، إلخ.
فمِن قُصور العباسيين في بغداد؛ سُيِّرَت الرُّسُلُ إلى مدينة جند يسابور القريبة من الخَليج الفارسي بعد أن قَطَعَت مِئات الأميال، ذهاباً وإيَّاباً، عبرَ الصُّحراء لاستقدام جرجيس بن بختيشوع عميد مدرسة الطِّبِ الشهيرة آنذاك والمعروفة بالمدرسة السَّاسانية، ليحلَّ هوَ ومن بعده ولَد بختشيوع في قُصور الخِلافة في بغداد، ومع آل بختيشوع؛ انتَقَلَ التُّراثُ الإغريقي الذي حُفِظَ في مدينة جند يسابور، كما جاء معهم الطبيب الهِندي مَنْكَه ، ومواطنهُ صالِح بن بهلة الذي أنقذَ عمّ الخليفة هارون الرَّشيد (المنصور) من براثِن الموت، وبواسطتهِ دَخَلَت كُتُب الطِّب الهِندية إلى قُصور الخلفاء.
— زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب.
بداية القصَّة مع جورجيوس:-
تحدَّث ابن العبري في كتابه “مختصر تاريخ الدول” عن بختيشوع بن جيورجيوس، الذي سَبَقَ أن أقَدم والده على خدمة الخليفة المنصور.
وذكر ابن العبري أن هارون الرشيد في بدء خلافته سنة إحدى وسبعين ومائة؛ مرِض من صُداع لحِقه، فقال ليحيى بن خالد بن برمك: هؤلاء الأطباء لا يفهمون شيئاً، وينبغي أن تطلب ليَ طبيباً ماهراً.
فقال له عن بختيشوع بن جيورجيس، فأرسل البريد في طلبه إلى جنديسابور، ولمَّا كان بعد أيَّامٍ وَرَدَ ودخَلَ إلى الرَّشيد، فأكرمه وخلع عليه خلعة سنية ووهب له مالاً وافراً وجعله رئيس الأطباء.
ولمَّا كان في سنة خمس وسبعين ومائة هجرية؛ مرِضَ جعفر بن يحيى بن خالد ابن برمك، فتقدَّم الرشيد إلى بختيشوع أن يخدمه، ولمَّا أفاق جعفر من مرضه قال لبختيشوع: أريدُ أن تختارَ لي طبيباً ماهراً أكرمهُ وأُحسِن إليه، قال له بختيشوع: لستُ أعرفُ في هؤلاء الأطباء أحذق من ابني جبريل، فقال له جعفر: أحضرنيه، وهو ما كان.
فلمَّا أحضرهُ؛ شكا إليه مرضاً كان يُخفيه، فدبَّرهُ في مدة ثلاثة أيام وبرئَ، فأحبه جعفر مثل نفسه، بحسب ابن العبري.
مرتبة بختيشوع بن جورجيس العلمية:-
يذكر محمد بن إسحاق النديم أن بختيشوع بن جورجيس كان مشهوراً مقدماً عند الملوك، إذ خدم عدداً كبيرا من الخلفاء وكسب بالطب ما لم يكسبه أحد.
لقد كان بختيشوع بن جورجيس رئيساً للمدرسة الطبية في جنديسابور، وكان على دراية وعلم باللغتين اليونانية والسريانية، كما خلف رسائل ومؤلفات مهمة في العلوم الطبية.
مؤلفاته:-
أما عن كتبه، فنذكر منها ما يلي:
- كتاب “الكُنَّاش”، وقد نقل من السريانية الى العربية على يد حنين بن إسحاق. وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة لما تناوله من معلومات مهمة، كالتطرق الى أمراض المعدة، وقروح الأمعاء، وغيرها.
- كتاب “الأخلاط”، وقد بقي هذا الكتاب من المراجع الطبية الأساسية لطلاب العلوم الطبية لفترة مهمة من الزمن.
أقوال العلماء في بختيشوع بن جورجيس:-
فثيون الترجمان: “لما مرض الرشيد أحضر بختيشوع من” جندي سابور” وأحضر الأطباء لمناظرته، فقال أبو قريش -وكان رأس الأطباء ببغداد-: يا أمير المؤمنين، ليس في الجماعة من يقدر على الكلام مع هذا، لأنه هو وأبوه وأهل جنسه فلاسفة”.
شهاب الدين بن فضل العمري: “كان لا يكفّف له ألمعية، ولا تلوذ بعيّ له لوذعية، ولا تزال إلى نهاره مبصرة، وسحائب مدده معصره، ودنا من الخلفاء بحيث لا ترفع الستور، ولا ترتع اللحظات في غابة الليث الهصور، ورأس على أقرانه، وانبجس نهرا لا يضرب الليل دونه بجرانه. وناظر الكبراء، ونافر حتى الأمراء، وسار إماما في الأطباء، ولولاه لما ركبوا وراء”.
تعرف على يوحنا بن ماسويه .. الطبيب النسطوري الأمين للخلفاء العباسيين
وفاة بختيشوع بن جورجيس:-
توفي بختيشوع سنة 801م، بعد عمر من العطاء في مهنة الطب، بين العمل والتأليف والتدريس.
المصادر:-
- ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الاطباء.
- ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.
- أحمد امين: ضحى الإسلام.
- ابن القفطي: تاريخ الحكماء.
- ابن العبري: تاريخ مختصر الدول.
- http://arabicradio.net/news/454