اسمه ونشأته:-
زكريا بن محمد بن محمود، عماد الدين أبو يحيى الأنصاري القزويني ، من سلالة أنس بن مالك الأنصاري النجاري: مؤرخ، جغرافي، من القضاة، وترجع جذوره إلى أسرة عربية استقرت بقزوين بفارس، وُلِدَ بقزوين سنة 605هـ.
مكانته العلمية:-
جغرافي عربي شهير، وعالم
بحث في أصل الكون ونشأته، تلقى تعليمه الفقهي بقزوين.
ترك القزويني مسقط رأسه وذهب إلى بغداد، كما استقر بعض الوقت في دمشق، حيث قابل الفيلسوف والصوفي الشهير ابن العربي سنة 630هـ، ويبدو أنه زار الموصل خلال هذه الفترة نفسها، حيث قابل ضياء الدين ابن الأثير، وربما يكون قد زار مدينة سنجار أيضاً.
وسافر القزويني أيضاً إلى
بلاد فارس، وأقام مدة طويلة في واسط والحلَّة، حيث تولى القضاء في عهد الخليفة
المستعصم آخر الخلفاء العباسيين، وتقابل بفقيه اللغة ابن سعيد الغرناطي الذي زار
المشرق الإسلامي سنة 648هـ.
سقوط بغداد والعلامة الفارقة:-
وبعد سقوط بغداد في أيدي المغول سنة 656هـ ؛ اعتزل القزويني الحياة العامة وتفرغ للأنشطة العلمية، وكان الجُوَيني -المؤرخ الفارسي- حاكماً لبغداد بالنيابة عن هولاكو، ويعتقد أن القزويني وجد في الجُوَيْني الراعي لأعماله العلمية، وربما بسبب هذه الحماية المفترضة أهدى له كتابه عن أصل الكون وتكوينه.
كان القزويني بالإضافة
لذلك عالمَ فلك، وجغرافياً، وجيولوجياً، وعالم نبات، وحيوان، ومتخصصاً في علم
المعادن، وعالم انثروبولوجيا وصفية.
ونظراً لعلمه الغزير وثقافته الواسعة نجح في توليف كل الحقائق المعروفة في عصره عن العلوم سالفة الذكر، وإن كان لم يأت بنظرية جديدة أو يرسي حقيقة جديدة.
ما يميز القزويني عن غيره:-
إن أكثر ما يميز القزويني هو قدرته على رفع الكوزموغرافيا إلى نوع أدبي رفيع المستوى، وكذلك موهبته في مجال التبسيط، وجعل الشيء في متناول مدارك الجمهور العريض، فضلاً عن إدراكه أن المعرفة الواسعة يجب ألا تتعدى حدوداً معينة؛ حتى لا تثبط هذا الجمهور.
أثره على العلماء:-
يحظى القزويني بتقدير عال
من جانب بعض المستعربين المحدثين، الذين يقارنونه في بعض الأحيان بهيرودوت وبليني،
وإن كان البعض الآخر من العلماء يحكمون عليه بقسوة شديدة.
لقد مارس القزوينى تأثيرا كبيراً على الجغرافيين وعلماء الكوزموغرافيا في الفترات اللاحقة له، وأصبح كتابه من بين أهم مصادر مؤلفين أتوا بعده؛ مثل شمس الدين الدمشقي، وأحمد بن حمدان الحراز، وحمد اللَّه قزويني، والدَّمِيْرِيِّ، وابن الوردي، وآخرين حتى محمود بن سعيد السفاقوزي.
كتب القزويني:-
- آثار البلاد وأخبار العباد: قسم القزويني الأرض في هذا
الكتاب إلى سبعة أقاليم مناخية، واتبع في ذلك التقسيم البطلميوسي، ووصف المدن
والبلدان والجبال والأنهار التي تقع في كل من هذه الأقاليم طبقاً لترتيب هجائي،
ويتضمن وصف كل مدينة أو بلد وقائع وحقائق جغرافية وتاريخية، ونبذات عن أشهر
الشخصيات التي يرجع أصلها إلى هذه المدن أو البلدان. ومن ثم يوجد تشابه بين كتابه
هذا و«معجم البلدان» لياقوت من حيث ترتيب المادة، باستثناء أن القزويني وزع مادته
على سبعة معاجم مختلفة؛ تبعاً لتقسيم الأقاليم المناخية. وبعض الموضوعات التي
تضمنها والخاصة مثلاً بمختلف الجبال والأنهار، وغيرها، جاءت كما في كتاب «عجائب
المخلوقات»، وغالباً بذات المضمون تماماً. - خطط مصر.
- عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: ترجم إلى الفارسية
والألمانية والتركية، وينقسم هذا الكتاب إلى جزأين: الجزء الأول يعالج الأشياء السماوية
في حين يعالج الجزء الثاني الأشياء الأرضية، فيصف القزويني في الجزء الأول الظواهر
السماوية؛ أي القمر والشمس والنجوم، ويتكلم عن سكان السماء، والملائكة، وفى نهاية
هذا الجزء يشرح مشاكل التاريخ للكون ومعرفة تكوينه والتقويم العربي والسرياني.
ويستهل الجزء الثاني ببحث عن العناصر الأربعة، والظواهر الجوية والرياح، ثم
يصف تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم مناخية، ويعطى وصفاً لكل البحار والأنهار
المعروفة، وبعد أن شرح أسباب الزلازل وتكوين الجبال والآبار استعرض ممالك الطبيعة
الثلاث: المعدن والنبات والحيوان. ويسبق وصف المملكة الحيوانية وصف مملكة الإنسان،
وصفاته وتشريحه، وكذلك وصف الصفات المميزة للقبائل الإنسانية.
وقبل مناقشة الكائنات الحية الأخرى؛ تناول الجن والغيلان. وقد حظي هذا الكتاب بشعبية كبيرة في كل العالم الإسلامي، وهو يعتبر أول عرض منهجي للكوزموغرافيا في الأدب الإسلامي. وزينت مخطوطات الكوزموغرافيا، سواء العربية أو الفارسية أو التركية، بجداول هندسية وصور مصغرة تمثل نباتات وحيوانات وأنواع المسوخ المختلفة، وبعض هذه الرسومات لها قيمة فنية عالية.
الغريب في عجائب المخلوقات:-
في سياق حديثه عن الدوافع التي جعلته يقدم على تأليف كتابه الغريب “عجائب المخلوقات”؛ يقول أبو عبد الله القزويني: “لقد حصل لي بطريق السمع والبصر والفكر والنظر؛ حِكم عجيبة، وخواص غريبة، فأحببت أن أقيدها لتثبت، وكرهتُ الذهول عنها مخافة أن تفلت”.
ويقول محقق كتابه، وهو د. عبد الحليم منتصر: إن القزويني يوصي القارئ هنا بأنه إذا ما أراد يكون على ثقة في كتابه، “فليشمِّر للتجربة، وإياك أن تفتر أو تمِلّ إذا لم تُصِب في مرة أو مرتين”، وإن لم تنجح التجربة؛ فقد يكون ذلك لفقد شرط أوحدوث مانع.
ويضيف المحقق في قراءته لمغزى الكتاب وفلسفة صاحبه بالقول: ” فإذا رأيتَ مغناطيساً لا يجذب الحديد، فلا تنكر خاصيته، واصرف عنايتك إلى البحث عن أحواله، حتى يتضح لك أمره”.
وفسَّر القزويني ما يقصده بالغريب، والذي ورد بكثرة في كتابه، قائلاً: هو كل أمر عجيب، قليل الوقوع، مخالف لمألوف العادات، ومعهود المشاهدات كمعجزات الأنبياء، كانشقاق القمر، وانفلاق البحر، وانقلاب العصا ثعباناً، وكون النار برداً وسلاماً، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى.
وزاد ” ومنها الإصابة بالعين، فإن العائن إذا تعجَّب من شيء كان تعجبه مهلكاً للمتعجب منه بخاصية لنفسه لا يوقف عليها، ومنها اختصاص بعض النفوس من الفطرة بأمر غريب، لا يوجد مثله لغيرها، كما ذكر أن في الهند قوماً إذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس، صورفوا همتهم إلى ذلك الشيء، فيقع وفق اهتمامهم”. وأضاف في سياق حديثه عن الغريب ومظاهره ” ومنها أمور سماوية كانقضاض شهب يستضيء الجو منها، وسقوط جسم ثقيل من الجو أو سقوط ثلج أو برد في غير أوانه، .. ومنها تولُّد حيوان غريب الشكل لم يُرَّ مثله”.
القزويني الناظر في آيات الله:-
كان القزويني مستغرقاً بالنظر في آيات الله البينات في مصنوعاته، وغرائب ابداعه في مبتدعاته، مسترشداً بقول العزيز الحكيم:” أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج”.
ويقول هنا: “ليس المراد من النظر؛ تقليب الحدقة نحوها، فإن البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم يرَّ من السماء إلا رزقها، ومن الأرض إلا غبرتها، فهو مشارك للبهائم في ذلك وأدنى حالاً منها، وأشد غفلة، كما قال الله تعالى في محكم تنزيله : “لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين..”، وصولاً إلى قول العزيز: ” أولئك كالأنعام بل هم أضل”.
ويقول القزويني أيضاً: المراد من النظر، هو التفكُّر في المعقولات والنظر في المحسوسات، والبحث في حكمتها وتصاريفها، لتظهر له حقائقها، فإنها سبب اللذات الدنيوية، والسعادات الأخروية.
ويزيد” وكلما أمعن النظر فيها؛ ازداد من الله تعالى هداية ويقينا، ونوراً وتحقيقاً”. ويرى أن الفكر في المعقولات لا يتأتى إلا لمن له خبرة بالعلوم والرياضيات، وذلك بعد تهذيب الأخلاق والنفس، فحينذاك؛ تتفتح للمرء عين البصيرة، ويرى في كل شيء من العجب ما يعجز عن إدراك بعضها.
ذكر المدن التي زارها القزويني:-
تعرَّض القزويني لذكر عدد من المدن التي زارها خلال طوافه؛ نشير إلى بعضها وهي تقع في إقليم بلاد الشام، حيث جاء وصفه لها في فترة تعرضها للاحتلال الصليبي.
- حلب: والتي تعرَّض إلى ذكر أسواقها المشهورة، قائلاً: إنها اُشتهرت بصناعات تفوق نظيراتها القريبة، منها سوق الزجاج الذي أعُجِب فيه، ورأى أن المرء لا يريد مغادرة المدينة لكثرة ما يشاهدها فيها من مصنوعات متقنة يتم تصديرها إلى مختلف البلدان، هذا إلى جانب سوق المزوِّقين والتي وصفها بأن فيها “الآت عجيبة ومزوَّقة”.
- عكَّا: يقرر القزويني بأنَّها مدينة مهمة اقتصادياً، فيقول : إنها تقع على ساحل الشام وقد كانت في أيامه أحسن بلاد السَّاحل وأعمرها، مشيراً إلى تفوقها من حيث العمران على المدن المحيطة بها.
- دمشق: منحها أوصافاً عظيمة وأضاف عليها بأن أهلها يجعلون من كل يوم سبت لأغراض اللهو واللَّعِب، يستوي في ذلك الرجال، والنِّساء والأطفال، حيث يلتقون بأصحابهم، ويخرجون للبساتين، ويتجه القوم إلى الميدان الأخضر؛ الذي تحيطه مظاهر الخُضرة، فضلاً عن المياه الجارية.
- صُور: الواقعة على بحر الشام والتي وصفها بالمدينة الذائعة الصيت، وذكر أمر استدارة حائطها على مينائها “استدارة عجيبة”.
وفاة القزويني:-
توفي زكريا الأنصاري القزويني في 7 محرم، سنة 682هـ.
المصادر:–
- عجائب المخلوقات للقزويني، د. عبد الحليم منتصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الجغرافيون والرحالة المسلمون فى بلاد الشام زمن الحروب الصليبية، محمد مؤنس عوض.
- الأعلام (3/46).
- معجم المؤلفين (4/183).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (27/8309).
- الميتروبوليتان.