لا بد من أن تكون سمعت يوماً ما باسم ابن خلدون ، ولا بد من سماعك بمقدمته وكتبه الأخرى المعروفة، نعم فابن خلدون لم يكن عالماً عادياً أبداً، بل كان رائد علم الاجتماع وفلسفة التاريخ، قضى عمره بمراحل مختلفة وواجه المصاعب حتى بلغ مرامه وحقق طموحه، فكيف كانت حياة ابن خلدون وما هي أهم إنجازاته؟ سنتعرف على ذلك معاً فتابعوا…
من هو ابن خلدون؟
ابن خلدون هو عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين بن خلدون، وُلد عام 732هـ في شهر رمضان، 27 أيار/ 1332م، وقد نشأ في تونس منذ ولادته وتلقى أفضل العلم من أشهر العلماء متتلمذاً على يد والده، فكان يطلب العلم مع حفظه للقرآن الكريم وتعلم تجويده، فأخذ من أنواع العلوم ما أخذ، فكان له نصيبٌ كبير من العلوم العربية والشرعية والرياضيات والطبيعة وكذلك الفلسفة والمنطق، ولكنه واجه الصعوبات منذ أن كان في الثامنة عشر من عمره فتتالت عليه المصائب أولها وفاة والده ومن ثم أساتذته الذين أصابهم الطاعون الذي كان قد انتشر في العالم في منتصف القرن الثامن الهجري، وإن نجا منهم أحد فكان قد هاجر إلى البلاد الأخرى هرباً من هذا المرض القاتل.
كيف استطاع تحقيق مراده؟
لم يكن
من السهل أبداً تحقيق طموحات ابن خلدون وهو في هذا الوضع الصعب، فلم يكن بيده سوى
الخوض في الغمار السياسي وتولي بعض الوظائف العامة، وقد بقي على هذا الحال 25
عاماً! وبالرغم من اضطراره لتغيير مسار حياته نحو هذا الاتجاه مكرهاً، إلا أنه لم
يترك الفرص تضيع منه، فلم يأخذ أي منصبٍ عادي! بل استغل كل ثغرة!
فكان أول منصبٍ استلمه هو (كتابة العلامة) عند الوزير محمد بن تافراكين، وبعد أربع سنوات هاجر إلى فاس وتولى وظيفة الكتابة والتوقيع لدى السلطان أبي عنان الذي كان سلطان المغرب الأقصى في ذلك الوقت، ولم يكن هذا المنصب سهلاً! بل كان ابن خلدون يستحقه عن جدارة، وقد تولاه في سنٍ صغير عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، وذلك يدل على مدى الثروة العلمية التي يمتلكها وخبرته في الكتابة والأدب، استمر بالعمل في هذه الوظيفة لمدة سنتين ولكنه سُجن بعد اشتراكه بمؤامرةٍ ضد السلطان فبقي في السجن لسنتين أيضاً، وبعد خروجه عاد لوظيفته.
وكان
يذهب إلى أغنى المكتبات الإسلامية في فاس فيتحصل العلم منها ويزيد من معرفته ويوسع
من اطلاعه، وبذلك استطاع أن يصل إلى ما يرغب إليه وما يتمناه، وهكذا كان يرتقي في
العلم مع ارتقائه في المناصب السياسية.
التفرغ للكتابة والتأليف وبالتالي ولادة المقدمة الشهيرة:-
وفي سنة 776هـ؛ غادر تلمسان متجهاً نحو قلعة ابن سلامة بصحبة عائلته، وكان مكاناً منعزلاً قصد منه التفرغ لمشروعه باحثاً عن الهدوء والاستقرار، وبالفعل أنجز في تلك الفترة أفضل الإنجاز ولكن تنقيحه لكتبه أجبره على العودة إلى تونس ليحصل على المصادر المطلوبة وبقي بها يبحث ويتعلم حتى غادرها متجهاً إلى مصر بعد أن طلب منه سلطان تونس الاستعانة به في شؤونٍ سياسية، وفي مصر حقق مراده فأخذ أفضل المناصب وكان يعطي دروسه ومحاضراته في جامع الأزهر كما أنه تولى منصباً عالياً لتدريس الفقه المالكي بمدرسة (القمحية) التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي، وبقي في مصر حتى وفاته.
ويقول المفكر وعالم الاجتماع علي الوردي في هذا الصَّدَد: “يُخيَّل لي أن ابن خلدون كان ناوياً في البداية أن يجعل المقدمة بضع صفحات ثم يأخذ بعدها بكتابة تاريخه، ولكنَّه لم يَكَد ينتهي من تلك الصَّفحات حتى انفَجَرَت قريحته وانصبَّت عليه الخواطِر تتوالى خاطِراً بعد خاطِر، وعِندَ ذلك وجَدَ نفسه أنَّه لا ينتهي من فصلٍ حتى يتفتَّح له موضوعٌ لفصلٍ جديد، وكلَّما ظنَّ أنَّه أكمَلَ البحثَ؛ شَعَرَ أن هُنَاكَ نقصاً فيه، ولا بُدَّ لهُ من البحثِ فيهِ من زاوية أُخرى”.
إنَّ السَّنوات التي قضاها ابن خلدون في الاعتزال والتأمُّل والكِتابة، جعلته عارفاً قدرَ نفسهِ ومدى كفايتها، فهو لم يعُد ذلك السِّياسي الطموح اللَّاعِب على الحِبال، بل أصبَحَ ميَّالاً إلى الوقوف على التَّلْ يتفرَّج منه على مسرحيَّة الحَيَاة دونَ أن ينغِمِسَ فيها انغماساً كبيراً.
— علي الوردي.
أهم مؤلفاته :-
- كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: وفي هذا الكتاب نجد مقدمة ابن خلدون.
- مقدمة ابن خلدون: وهو بحث عام في شؤون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد أنهى هذه المقدمة خلال خمسة أشهرٍ فقط عندما كان في الخامسة والأربعين من عمره، ويعتبر إنجازاً رائعاً حيث بأن أبحاثه العميقة في هذه المقدمة تحتاج سنيناً وليس أشهراً قليلة!، وقد لاحَظَ الأستاذ بوتول أن حياة ابن خلدون أصبحت بعد كتابة المقدمة أكثر هدوءاً وأشدَّ انهماكاً في العلم وبُعداً عن السياسة، مما كانت عليه قبل كتابتها.
- كتاب رحلة ابن خلدون.
وفاة ابن خلدون :-
كانت وفاة عبد الرحمن بن خلدون فجائية في عام 808 هجري في شهر رمضان أيضاً، 16/آذار مارس/1406م، عن عمرٍ يناهز السادسة والسبعين عاماً، وكانت آخر وظيفةٍ يتولاها قاضي قضاة المالكية في مصر، ونرى كم خاض من التجارب في حياته من السياسة والشؤون الاجتماعية الإنسانية ودخوله إلى القصور والدول المختلفة، مع تعرفه على القبائل وعاداتهم وطباعهم، وبعد كل هذا التقلب استطاع أن يحقق نصره في البحوث الاجتماعية مع تفكيره الخصب وذكائه الخارق وملاحظاته الشديدة وبذله كل جهده لتحصيل العلم ونشره، فكان نعم العالم والباحث الاجتماعي.
تعرف أكثر على ابن خلدون …أسطورة علم الاجتماع
المصادر:-
- موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام.
- منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته، علي الوردي.