تشهد الدولة الأفريقية في الفترة الأخيرة تخبطات وأزمات سياسية متلاحقة، حيث عاشت خلال الأشهر الفائتة انقلابان أطاحت فيهما الأحداث بالرئيس المؤقت ورئيس الوزراء اللذين أصبحا تحت الإقامة الجبرية وتم تسلم السلطة أسيمي غويتا الرأس المدبر لعملية الانقلاب الأخيرة.
لكن ذلك لم يهدئ الشارع في مالي الذي استمر بأزمته السياسية التي انعكست على الوضع الأمني، الذي تخلله صدامات وصلت إلى تدخل الجيش الفرنسي في بعض المعارك ما أثار سخطا كبيرا لدى الكثير من السكان والمواطنين.
هذا الأمر استدعى تدخلا مباشرا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي هدد بسحب قوات بلاده من مالي في حال سار هذا البلد باتجاه الراديكالية، وذلك في خضم انقلاب ثان في ظرف تسعة أشهر فقط.
©
Sputnik . Andrey Chapliginخبراء روس يدربون عناصر الجيش والشرطة في جمهورية أفريقيا الوسطىكما وجه ماكرون رسالة إلى قادة دول المجاورة في غرب أفريقيا أنه “لن يبقى إلى جانب بلد لم تعد فيه شرعية ديمقراطية ولا عملية انتقال” سياسي.
ساهمت تصريحات ماكرون الأخيرة بإغضاب الشارع في مالي، وانعكس هذا الغضب سلبا على باريس نفسها، حيث ذكرت مصادر مسؤولة أن الدولة الأفريقية وشعبها يتطلعون إلى النموذج الناجح في دولة أفريقيا الوسطى بمساعدة ومبادرة موسكو.
كما كشفت وسائل إعلام عن تغييرات كبيرة في المزاج الشعبي في مالي خصوصا بشأن التواجد العسكري لفرنسا وكيفية إدارتها للأزمة، وباتت بالتالي تفكر جديا بمطالبة روسيا بمساعدة دولتهم وأن تحل مكان باريس. وظهر ذلك جليا من خلال المظاهرات الشعبية التي طالبت بوقف العملية العسكرية الفرنسية “برخان” ضد الإرهاب ودعت روسيا إلى التدخل لمحاولة حل الأزمة.
©
AP Photoالماليون المؤيدون للإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا يجتمعون للاحتفال في باماكو، مالي، 21 أغسطس 2020
واعتبرت وسائل إعلام في مالي أن تصريحات وتهديدات ماكرون الأخيرة ورسائله إلى زعماء الدول الأفريقية جاءت كرد على محاولات هذه الدول على ايجاد شركاء وبديل لفرنسا لها. كما تحاول باريس بكل قواها عرقلة إبرام اتفاق مع روسيا لتوريد أسلحة، الذي بدوره قد يؤدي إلى تعزيز العلاقات و الدور الروسي في أفريقيا وفي المقابل سيحرم الفرنسيين من نفوذها التاريخية في هذه القارة.
وفي السياق نفسه، تدرك الحكومات والدول الأفريقية أن الشراكة والعلاقات مع روسيا قد تجلب العديد من الايجابيات والمزايا، ومن بينها استعادة السلام والاستقرار على غرار النموذج الناجح في أفريقيا الوسطى.
©
AP Photoالماليون في باماكو
أما فرنسا الباحثة تاريخيا عن مصالحها الخاصة في الدول الأفريقية فهي تنازع على ما تبقى لها من نفوذ في القارة السوداء ومثال دولة مالي أكبر هو الأبرز اليوم، باريس ترسل قواتها العسكرية ليس لخفض التوتر وإنهاء الصراع الدائر، بل لكسب مصالحها وأبرزها الحفاظ على ما تبقى من وجودها في هذه الدولة.
ولم تكن كلمات الخبير الروسي المحرر مؤخرا من السجون الليبية مكسيم شوغالي من العدم، حيث قال أن “الجهود الروسية في إرساء السلام الذي طال انتظاره في جمهورية أفريقيا الوسطى لن يمر دون أن يلاحظه أحد، تفهم الشعوب والدول الأفريقية الدور البارز الذي لعبته موسكو هناك وبالتالي فإنها تتوق لنفس التجربة”.