لا تخلو موائد الخليجيين من الأرز، فهو طبقهم الرئيسي، ولم يستغرق الأمر سوى 50 سنة لينال هذه المكانة، فكيف وصل الأرز إلى العرب والخليج؟
وقبل هيمنة الأرز على المزاج الخليجي، كانت هناك حبوب الحنطة والبر والشعير والتمر، وكانت تشكّل أطباقهم الرئيسية لعقود، إذ كانت العادة أن تأكل الشعوب من منتجاتها الزراعية.
ولم تعرف شعوب دول الخليج العربي زراعة الأرز، وأسهمت حركة التجارة في استيراده من شرق آسيا، وعرف في العامية بـ”الرُّز”، فيما أطلق عليه العراقيون “التِّمَّن”، وفقًا لـ”لسان العرب”.
الأرز عند العرب
تعتبر منطقة شرق آسيا الموطن الأصلي لزراعة الأرز، وتشير الروايات التاريخية إلى دخوله مصر في زمن الخلفاء الراشدين، وكانت لزراعته أياد بيضاء على مصر، وفقًا لكتاب “الزراعة في عهد محمد علي”.
ويقول المؤرخ المصري أحمد أحمد الحتة في كتابه: “الأرز كان صنفًا مهمًا في الزراعة المصرية، وكانت زراعته شائعة في الدلتا والصعيد، وكان أول محصول زراعي يحتكره الوالي محمد على باشا عام 1812”.
ويضيف “الحتة” أن محمد علي أولى زراعة الأرز اهتمامًا خاصًا، فأدخل نظام الري الدائم في الوجه البحري لزراعته، وأعفى بعض مزارعي الدلتا من الخدمة العسكرية مقابل قيامهم بزراعة محصول الأرز.
متى وصل السعودية؟
حتى ثلاثينيات القرن العشرين، لم يعرف الأرز في شبه الجزيرة العربية، باستثاء الأثرياء الذين جلبوه من العراق والهند، ويقول المؤرخ العراقي جواد علي إن “الرز لم يكن معروفًا بين أهل الحجاز وجزيرة العرب”.
يضيف في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”: “تعوَّد الناس استعمال حبوب أخرى بدلا منه مثل الحنطة والشعير والذرة”، وتشير روايات أخرى إلى انتشار الأرز في دول الخليج بعد منتصف القرن الماضي.
ويقول الشيخ حمد الجاسر في كتابه “سوانح الذكريات”: “الرز لم ينتشر استعماله عند فلاحي نجد، مع أنه كان يزرع بالأحساء، وأول ما عرف منه نوع كان يأتي من العراق يسمى الهبيش، قشرته خشنة ويدعى التمن”.
وذكر عبداللطيف الوهيبي، مؤرخ العقيلات، 3 من رجال العقيلات (تجار تاريخيين من منطقة نجد والقصيم)، كانوا من أوائل من أدخل الأرز إلى نجد، ومنهم عبدالرحمن البسام، ومحمد بن حمد البسام ومحمد العسافي.
وفي الحجاز، عٌرف الأرز من حجاج آسيا الوسطى والهند، ونقل هؤلاء الحجيج الأرز إلى الحجاز في رحلات الحج، وعلى مدار الـ50 عامًا الماضية بات الأرز الطبق الرئيسيّ للمائدة الخليجية والسعودية بالتحديد.
أزمة الأرز
شهدت المملكة العربية السعودية نقصًا في إمدادات الأزر عام 2007، واستفحل الأمر إلى أزمة سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام، وأسهم وزير التجارة والصناعة السعودي آنذاك في غضب السعوديين.
وسُئل الوزير عبدالله يماني عن الأزمة، فإذا به يطالب المواطنين بتغيير أنماطهم الاستهلاكية وعاداتهم الغذائية، وتغيير نوع الأرز الذي يتناولونه وتبديله بنوع آخر أقل في السعر، بداعي أن القيمة الغذائية لا تتغير.
وحاول الوزير إقناع المواطنين بأن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأرز آنذاك تعود إلى دوافع عالمية من بينها تأثر التجارة البينية بين السعودية وأوروبا بتغير سعر اليورو، لكن حديثه أثار غضب السعوديين.
ويقول السفير السعودي لدى الإمارات، تركي الدخيل، في مقاله المنشور بصحيفة “الشرق الأوسط”، إنه كان يظن الكبسةَ “سعودية صرفة”، قبل أن يعرف مصدر الأرز الكابلي (كابل) والأرز البخاري من (أوزبكستان).
وأضاف “الدخيل” أن مطاعمُ الرز البخاري انتشرت في السعودية مع توافد العمالة للبناء في الستينيات والسبعينيات، ويقول: “كنت أظن تسمية المطعم عائدة إلى الإمام البخاري، صاحب (صحيح البخاري)”.
وتابع “الدخيل”: “كنت أتساءل بتعجب: لماذا لا توجد مطاعمُ تحمل اسم المحدث الإمام مسلم، صاحب (صحيح مسلم)”، مختتمًا: “علمت بعدها بسنوات، أني كنت أرتع في جهلي، والحمد لله على كل حال”.
أرقام
الأرز مصدر غني بالكربوهيدرات كما أنه مصدر جيد للعديد من العناصر الغذائية، مثل الألياف والمنغنيز والمغنيسيوم وفيتامين ب والسيلينيوم وحمض الفوليك.
وهو الغذاء الأساسي لأكثر من نصف سكان العالم، ويعتبر جزءا حيويا من التغذية في معظم أنحاء آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ويوفر أكثر من خمس السعرات الحرارية للبشر حول العالم.
وهناك 10 دول فقط مسؤولة عن 85% من إنتاج الأرز في العالم، إحدها خارج آسيا وهي البرازيل، بينما تنتج الصين والهند معا أكثر من نصف الإنتاج العالمي، وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي “Weforum”.
ويوجد أكثر من 40 ألف نوع من الأرز، وفقا لموقع “Theforkedspoon”، لكن أكثر الأنواع شيوعا هو الأرز الآسيوي، ويضم نوعين فرعيين هما “إنديكا” و”جابونيكا”، ويختلفان في الطول والالتصاق.
وفي العام 2020/2021، استوردت السعودية 1.5 مليون طن من الأرز مقابل 1.6 مليون طن في 2019/2020، ويصل متوسط استهلاك الفرد السعودي إلى نحو 43 كيلوغراما من الأرز سنويًا.
وتعد المملكة من أكبر الدول المستهلكة للأرز خارج دول شرق آسيا، وفقًا لتقارير البنك الدولي، ومن أهم الدول المصدرة للأرز إلى السعودية: الهند، أمريكا، باكستان، أستراليا وتايلاند.
ويستحوذ الأرز البسمتي الهندي على 60% من السوق المحلية، يليه الأمريكي بـ15%، والباكستاني 12%، ثم الأسترالي 5%، والتايلاندي 3%.