وكأن عقارب الساعة توقفت لوهلة أمام هذا المشهد الذي سيخلده التاريخ بالأبيض والأسود، ليكون شاهدًا على واحدة من أهم تقنيات التصوير الفوتوغرافي.
نصحبك عزيزي القارئ في رحلة عبر الزمن إلى شارع Boulevard du Temple بالعاصمة الفرنسية باريس، وبالتحديد عام ١٨٣٨، في اللحظة التي يعتقد أنه تم فيها التقاط أقدم صورة فوتوغرافية للبشر. الصورة تم التقاطها بواسطة الفنان والكيميائي الفرنسي الشهير لويس داجير مخترع أول آلة للتصوير الفوتوغرافي، وبالتدقيق في الزاوية اليسرى بالصورة من الأسفل ستجد على الرصيف رجلين أحدهما يلمِّع حذاء الآخر، ووفقا للخبراء فإن الكاميرا احتاجت عدة دقائق لتجميع الضوء والمشهد، وبرغم أن الشارع يبدو خاليا تماما من المارة إلا أنه كان مليئا بالناس والعربات التي تجرها الخيول، ولكنهم كانوا يتحركون أثناء التصوير بسرعة كبيرة، لذلك لم يظهروا في الصورة ماعدا الشخص الذي توقف دقائق لتلميع حذائه فخلده التاريخ هو وملمع الأحذية. استخدم داجير تقنية جديدة أطلق عليها “الداجيرية”، نسبة له لالتقاط هذه الصورة، وكانت هذه التقنية تحتاج إلى عدة دقائق لالتقاط الصور، لذلك أثبتت نجاحها في التقاط الصور الثابتة فقط وتعتمد على تثبيت الصور على ورقة من النحاس المطلي بالفضة وصقلها وطلاها باليود لإنشاء سطح حساس للضوء. ثم وضع اللوح في الكاميرا وتعريضه لبضع دقائق. بعد رسم الصورة باستخدام الضوء، تم استخدام محلول كلوريد الفضة لمعالجة اللوح وخلق صورة دائمة غير قابلة للتغير عند التعرض للضوء. أصبحت عملية التصوير الداجيرية شعبية في أوروبا والولايات المتحدة حتى عام 1850. جدير بالذكر، أن المصور والمخترع الفرنسي جوزيف نيسفور نيبس أحد شركاء المصور الفرنسي داجير كان قد استخدم كاميرا بدائية لالتقاط صورة من نافذة مزرعته الفرنسية في عام ١٨٢٦ ،أطلق عليها صورة “المنظر من النافذة في لوي سور ثير”، وهي الصورة الأولى والأقدم في تاريخ التصوير الفوتوغرافي ويظهر فيها إسطبل وعش حمام في منطقة سان لوب دو فارنيس في منطقة بورجوني في فرنسا. التقطت الصورة باستخدام الكاميرا الخشبية التي اخترعها نيبس، والتي كانت تسمى الكاميرا المظلمة، واستغرقت عملية التقاط الصورة 8 ساعات، لأن الكاميرا كانت بطيئة جدًا، والصورة بالأبيض والأسود، وهي غير واضحة.