استحوذت المنصات الرقمية في السنوات الأخيرة على اهتمام ملحوظ حول العالم، فباتت قبلة كثيرين موجّهة إليها دونًا عن وسائل البث التقليدية.
واكتسبت المنصات الرقمية صيتًا واسعًا لما تعرضه لمشتركيها من أعمال ترفيهية وسينمائية ووثائقية ورياضية وغيرها من صنوف الترفيه، إلى أن بات بعضها يحظى بإقبال كبير، وترقب لما تنوه عنه بين حين وآخر.
مما سبق، يبدو أن المنصات الرقمية جنت ثمار جهودها خلال السنوات الماضية بلغة الأرقام، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، اعتلت الصدارة على حساب التلفزيون.
المنصات الرقمية تنتزع الصدارة بلغة الأرقام
نشر الموقع الرسمي لشركة “Nielsen” الأمريكية، الخاصة بقياس السوق وجمع البيانات والمعلومات، إحصائية رصدت المنصات التي يتابع من خلالها جمهور الولايات المتحدة محتوياتهم المفضلة، وهذا في الفترة الزمنية التي تراوحت ما بين يوليو/تموز 2022، حتى يوليو/تموز من العام الجاري.
ووفقًا للإحصائية، تربعت المنصات الرقمية على الصدارة لـ8 أشهر كاملة، خلالها تفوقت على البثين التلفزيوني والفضائي، فيما انتزع البث التلفزيوني الصدارة منها خلال 4 أشهر فقط.
ولم تقلّ نسبة مشاهدة المنصات الرقمية عن 31.3%، وهي النسبة الأدنى التي سجلتها خلال هذه الفترة. بينما حققت 38.7% في يوليو/تموز الماضي، وهي أعلى نسبة سجلتها في هذه السنة.
بالنظر إلى إحصائية الشهر الأخير، احتل البث التلفزيوني المرتبة الثانية بنسبة 29.6%، يليها البث الفضائي بنسبة 20%، و11.6% من نصيب الوسائط الأخرى.
ترتيب المنصات الرقمية
كما تطرقت إحصائية “Nielsen” إلى ترتيب المنصات الرقمية، وفيها حصرت 11 موقعًا وتطبيقًا.
وتربع موقع “YouTube” على صدارة الترتيب بنسبة مشاهدات بلغت 9.2%، تليه منصة “Netflix” بنسبة 8.5%، فيما احتلت “Hulu” المرتبة الثالثة بنسبة 3.6%، و3.4% من نصيب “Prime Video”، تليها “Disney Plus” بنسبة 2%.
أما الترتيب من المركز السادس وحتى الـ11 جاء كما يلي: “max” بنسبة 1.4%، و”tubi” بنسبة 1.4%، و”peacock” بنسبة 1.1%، و”Roku Channel” بنسبة 1.1%، و”Paramount Plus” بنسبة 1%، و”pluto TV” بنسبة 0.9%.
فيما حققت المنصات الأخرى مجتمعة نسبة مشاهدات بلغت 5.1%.
دلالات صدارة المنصات الرقمية
للإحصائيات سالفة الذكر عدد من الدلالات التي ترسم خريطة المشهد الإعلامي مستقبلًا، كما تضع النقاط على الحروف لما ينتظر المشاهد العربي في السنوات المقبلة، وهو ما عمل على إيضاح معالمه الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي المصري، الذي قال “إن أنماط التلقي للمادة الإعلامية على مدى التاريخ مرهونة بالحالة التكنولوجية السائدة، وهي في المجتمع تكون العامل الرئيسي وراء تراتبية أنماط التلقي”.
وأضاف “عبدالعزيز” لـ”العين الإخبارية”، أن العالم منذ بداية عهد الإنترنت تزداد فيه مساحة الإنترنت بمجال الإعلام والاتصال، وبالتالي الأنماط التي تستخدم الإنترنت تقع في المستقبل وتواكب التطورات الاتصالية والتكنولوجية.
يرى الخبير الإعلامي أن من المبكر الحديث عما وصفه بـ”موت التلفزيون”، لكن من الصعب بحسب إشارته القول “إن هذه الوسائط يمكن أن تستمر طويلًا في المستقبل”، مبررًا: “أنماط التلقي وعوائد الإعلانات تعزز الوسائط التي تعمل من خلال الإنترنت”.
سر انجذاب المشاهد للمنصات الرقمية
أرجع “عبدالعزيز” انجذاب المشاهد للمنصات الرقمية إلى 4 عوامل، أولها: “اختيار المادة التي يتعرض لها المشاهد والتحكم فيها”، وثانيها: “اختيار الوقت الذي يتابع فيه المشاهد المحتوى متى أراد”.
أما العامل الثالث بحسب الخبير المصري، تتمثل في “استطاعة المشاهد تفادي الإعلانات المعروضة”، والرابع هو ما تمتلكه هذه المنصات من طرق ترويجية وأساليب إنتاجية أصبحت جزءًا أساسيًا من الصناعة: “أظهرت درجة كبيرة من فهم طبيعة الجمهور المتغير وفهم الأجيال الشابة على وجه التحديد، وبالتالي باتت تحظى بعوامل جذب كبيرة”.
هل يسير المشاهد العربي على نفس المنوال؟
يعتبر “عبدالعزيز” أن المشاهد العربي يسير على نفس النسق، لكن هذا الأمر يصطدم بعائقين اثنين، أولهما: “عدم الاعتياد على فكرة الدفع مقابل المشاهدة لأسباب ثقافية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي هذه الفكرة ما زالت غير متجذرة في المجتمع العربي”.
والعامل الثاني، بحسب الخبير الإعلامي، تتمثل في “عدم وجود درجة مناسبة من احترام الملكية الفكرية، بما يمثل ضغوطًا كبيرة على المنصات المدفوعة، لأن انتهاك حقوق الملكية الفكرية يحرمها من مصادر دخل كبيرة”.
ختم “عبدالعزيز” تصريحه قائلًا: “العاملان السابقان يخصمان من درجة النجاح التي بالإمكان أن تحققها هذه المنصات في الشرق الأوسط، لكن هذا لا يمنع أنها مع الوقت سيقل تأثيرهما”.