أغضبت جزيرة كابري أماكن العطلات الإيطالية الأخرى وهي تستعد لاستقبال صفوة المجتمع والنجوم العالميين خلال هذا الصيف.. ما السبب؟
تستقبل جزيرة كابري الإيطالية السياح حاليا بمناظرها الطبيعة الرائعة التي تضم منحدرات وجدرانا صخرية وتلالا خضراء ومنازل مطلية بألوان الباستيل ولافتة كبيرة مدون عليها “كابري خالية من كوفيد19″، وحتى تتمكن السلطات المحلية من طباعة هذه اللافتة الإعلانية المثيرة توجب عليها تطعيم جميع سكان الجزيرة البالغ عددهم 14 ألف نسمة مع بداية الموسم الصيفي، وهو ما أدى إلى إغضاب أماكن العطلات الأخرى مثل ساحل أمالفي؛ بسبب الامتيازات السخية التي حصلت عليها جزيرة كابري الأكثر ثراءً والأكثر جذبا للسياح الموسرين.مقصد سياحي عالمي
ولقد ظلت جزيرة كابري منذ أكثر من 100 عام المقصد السياحي الشهير، الذي يجذب إليه الكتاب والممثلين ورجال الأعمال وكبار رجال الصناعة والملوك الرؤساء، وسوف يستعيد صفوة المجتمع والنجوم العالميين رحلاتهم السياحية إلى جزيرة كابري خلال هذا الصيف.ومن المتوقع أن تسود الجزيرة أجواء هادئة مقارنة بمواسم الصيف، التي سبقت جائحة كورونا، وبالكاد لا يرغب أحد حاليا في العودة إلى المواسم السياحية الصاخبة، نظرا لأن أغلبية السياح كانوا يقومون بجولات نهارية للتعرف على أهم معالم الجزيرة في ساعات معدودة.
ولا يتمكن السياح من التعرف على روعة كابري وسحرها إلا من خلال الإقامة بها لعدة أيام والتجول عبر مساراتها الرائعة، فسرعان ما تختفي الأجواء الصاخبة وينعم السياح بأجواء الهدوء والسكون، وهو ما يفسر سبب عدم مغادرة الكثيرين للجزيرة. وأوضحت سيسيليا والش، التي تصطحب السياح في جولات سياحية في جميع أرجاء الجزيرة، قائلة: “يسود الصمت والهدوء هنا في المساء”، وتنحدر المرشدة السياحية من منطقة تيرول وتعمل في هذه المهنة مثل أكثر من 25 عاما، وعندما كان عمرها 12 عاما سافرت بمفردها إلى مدينة بومبي السياحية، ثم استقرت في جزيرة كابري عندما بلغت 23 عاما.
مسار التجول
وأضافت سيسيليا والش قائلة: “لست نادمة على هذه اللحظة”، وتصطحب المرشدة السياحية مرافقيها في جولة بالحافلة تنطلق من الجنوب الغربي للجزيرة، ويبدأ مسار التجول من منطقة الرأس “بونتا كارينا”، ولا يوجد عليه أية علامات إرشادية، ويتعرج مسار التجول “سينتيرو داي فورتيني” بدءا من المنارة الحمراء ويسير بمحاذاة الساحل الغربي بأكمله حتى يصل بالسياح إلى منطقة “بونتا ديل آرتشيرا”.
وتعشق سيسيليا والش هذه المنطقة، حيث عادة ما تأتي برفقة زوجها والكلب إلى هنا، وخاصة عندما يكون الجو عاصفا، وخلال فصل الربيع يزهر كل شيء باللون البرتقالي والأصفر، وخلال رحلة التجول تظهر بعض السلالم شديدة الانحدار التي تؤدي إلى خلجان ضيقة للغاية، حيث يفضل السكان المحليون الاستحمام في هذه الشواطئ، نظرا لأنها تكون ظليلة حتى في فصل الصيف وتهب عليها بعض النسمات الباردة، وهنا يتمكن السياح من التوقف عدة مرات للاستحمام والاسترخاء خلال رحلة التجول عبر “مسار القلعة”، وهو ما يجعل جولات التجول هنا أكثر استرخاءً.
وترجع أصل تسمية هذا الطريق باسم “مسار القلعة” إلى القلاع والحصون التي قام البريطانيون بتشييدها مع بداية القرن التاسع عشر، ولا تزال أطلال هذه القلاع باقية على قمم الصخور، وعادة ما يتنزه سكان جزيرة كابري خلال فصلي الخريف والربيع على جسر “فيوردو دي أرينتو”، وعندما قام العمال بوضع صخور الحجر الجيري على طول مسار التجول، قام السكان المحليون بطلاء منازلهم بالحجر الجيري وإعداد الملاط منه أيضا، بالإضافة إلى استخدام الرخام والأعمدة والتماثيل المستمدة من قصر الإمبراطور تيبيريوس.
فيلا سان ميشيل
وقد قام الإمبراطور ببناء 12 فيلا في جزيرة كابري، كما قام طبيب الأعصاب والكاتب السويدي أكسل مونته بتشييد منزل أحلامه مكان إحدى هذه الفيلات في نهاية القرن التاسع عشر، واشتهر الكاتب السويدي بإعجابه الشديد بالإمبراطور تيبيريوس لدرجة أن فيلا “سان ميشيل” كان زاخرة بمختلف التحف والحقيقية والنسخ المقلدة. وقبل جائحة كورونا كانت الأفواج السياحية تنتشر ما بين التماثيل والتماثيل النصفية وتنعم بإطلالة رائعة من الشرفة، ولكن الآن يقف السائح في صمت بجوار تمثال أبو الهول ويلقي بناظريه على الميناء والبحر بمياهه الفيروزية.
وفي صباح اليوم التالي تبدأ الجولة الثانية في جزيرة كابري في أجواء يسودها المتعة والاسترخاء، وتبدأ الجولة من ساحة أومبيرتو الأول وتسير الرحلة عبر طريق “فيا فيتوريو إيمانويل”، ويتجول وسط الأزقة الضيقة ويشاهدون المتاجر الفاخرة مثل البازارات، ويظهر عدد قليل من الأشخاص يتجولون في طريق “فيا تراجارا” تحت ظلال أشجار الصنوبر والنخيل، ويمرون على الفيلات، التي تختبئ خلف الجدران الحجرية العالية والقضبان الحديدية.
الشرفة البانورامية
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه أخذ استراحة أثناء التجول، إلا أنه يمكن للسياح الاستمتاع بالشرفة البانورامية في “بونتا تراجارا”، حيث يجمع المشهد الطبيعي البديع الساحل شديد الانحدار مع صخور فراجليوني، والتي تعد من المعالم السياحية الرئيسية في جزيرة كابري، وقد أقام أيزنهاور وتشرشل في الفندق المجاور، والذي يحمل نفس الاسم، وهنا يبدأ أجمل طريق تجول على الجزيرة وهو طريق “فيا بيزولونجو”، حيث ينعم السياح هنا بإطلالة رائعة على غابات الصنوبر والبلوط مع منظر المنحدرات.
وتمر رحلة التجول عبر كهوف “ماتريمونيو” مع أطلال الجدران وتصعد إلى القوس الصخري الذي يحيط بالبحر المتلألئ، ولا يسمع السياح هنا سوى صوت تكسر الأمواج، كما تفوح في الأجواء رائحة أشجار الصنوبر، وقد استقر في جزيرة كابري الكثير من البريطانيين والألمان والروس والأمريكيين منذ القرن التاسع عشر، كما بنى الكثير من الأثرياء خلال حقبة الستينات من القرن المنصرم فيلاتهم في جزيرة كابري بدون ترخيص في أغلب الأحيان.
ويعتبر الإمبراطور تيبيريوس هو القدوة لهؤلاء الأثرياء، ويمر الشارع الذي يحمل اسمه بين البساتين الغناء ويصعد بالسياح إلى أكبر وأروع قصوره في جزيرة كابري، حيث تقع فيلا جوفيس، على قمة صخرية يزيد ارتفاعها على 300 متر، وقد حكم الإمبراطور تيبريوس الإمبراطورية الرومانية من هنا لمدة 11 عاما، وكانت هناك منارة ضخمة يتم استعمالها لإرسال الرسائل إلى بونتا كامبانيلا على البر الرئيسي. وعلى الرغم من نهب سكان كابري للقصر الإمبراطوري بالكامل واستخدمه كمحجر، إلا أن هناك بعض النقوش والأطلال المثيرة للإعجاب، وتعطي أقواس الأبواب المكسورة لمحة عن ارتفاع القاعات، بالإضافة إلى الإطلالة الرائعة للإمبراطور حتى “مونته سولارو”.