ربما يهزم النسيان عقل صاحبه فتخونه ذاكرته التي يتكئ عليها فتهوي به إلى شتات الطريق، لكنه محال أن يهزم ما جال بالصدر وخفق له القلب، فذاكرة الأفئدة والأوطان أبدا لا تخون.
«قف شامخا» قصيدة شعرية حماسية، عادت للظهور والانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، ولهذه الأبيات الشعرية قصة عجيبة هي الشاهد على أن حب الأوطان باق لا يفنى وإن فني الجسد. تعود قصيدة “قف شامخا” للشاعر غازي الجمل وهو شاعر أردني- فلسطيني، ولد في غزة عام 1950 بعد هجرة أهله إليها من قرية جمزو في قضاء اللد بعد النكبة، وكان غازي قد ولد لأب شاعر وأديب وخطيب فشرب على يد والده حب الشعر وفنون الأدب. هاجرت عائلة الشاعر غازي الجمل إلى الأردن عام 1954، وتلقى تعليمه في مدينة الزرقاء، ولقب غازي بـ”الشاعر” منذ طفولته حيث كان ينظم الشعر ويلقيه على أصدقائه في المدرسة الإعدادية وبعدما أنهى دراسته الثانوية، درس الهندسة الميكانيكية في يوغوسلافيا، وحصل على شهادة الماجستير في الهندسة من جامعة اليرموك عام 1986. عمل غازي الجمل مهندسا، ثم سافر إلى نيويورك للعمل في التجارة ثم عاد إلى الأردن، وظل ينظم الشعر، ولعله رغم الشتات في البلاد وجد فيه ملاذه الآمن وبوصلته، وصوته الذي لا ينضب وهو يتغنى بمحبوبته فلسطين ويدافع عن قضية وطنه العادلة. وفي العشرين من شهر نوفمبر عام ٢٠٠٤ نظم الشاعر غازي الجمل قصيدته الشهيرة «قف شامخا» مهديا إياها إلى أبطال العراق والأشاوس عامة وإلى أبطال الفالوجة خاصة إبان الاعتداء الأمريكي على مدينة الفالوجة الباسلة، ومن أشهر أبيات القصيدة: ما فت في عضد الفلوجة كيدهم وارتد جيش الأصغرين ذليلافالله أقوى من هدير سلاحهم أنعم برب العالمين وكيلاوسيعلم الباغي مغبة مكره ولسوف يعلم من أضل سبيلاومن أشهر أبياتها أيضافليحرقوا كل النخيل بساحنا … سنطل من فوق النخيل نخيلافليهدموا كل المآذن فوقنا… نحن المآذن فاسمع التهليلانحن الذين اذا ولدنا بكرة… كنا على ظهر الخيول اصيلا بعد سنوات من كتابة هذه القصيدة الشعرية، تعرض الشاعر غازي الجمل لحادث أصيب على إثره بفقدان الذاكرة، فقام أصدقاؤه بزيارته في المستشفى وهو على سرير المرض، وأخذوا يذكرونه ببعض أبيات قصيدته الشهيرة التي ما لبث أن تذكرها، وإذا بها عصية على النسيان، ليرددها بلسان مثقل وعقل شارد وقلب يخفق حبا وعين أبت ألا ترسل الدمع فبكى.شاهد الفيديو ومع بدء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، عادت أبيات القصيدة للظهور مرة أخرى لتشهد انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وتحصد آلاف المشاركات والإعجابات تحية لصمود المقاومة الفلسطينية.يذكر أن الشاعر غازي الجمل قد رحل عن عالمنا في عام ٢٠١٠ عن عمر ناهز الـ٦٠ إثر أزمة قلبية، تاركا ميراثا من دواوينه الشعرية لتظل خالدة إلى الأبد منها: دمع اليراع، نفح الطيب، قناديل العرش.