في شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية، وعلى بعد خطوات من بوابتي النصر والفتوح، يقع رابع أقدم جوامع المحروسة وثاني أكبرها في الاتساع بعد جامع أحمد بن طولون، إنه جامع الحاكم بأمر الله الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع الميلادي.
أنت الآن أمام صرح معماري بديع جمعت فيه فنون الهندسة ونقوش الخط الكوفي، أمر بإنشاء المسجد الخليفة الفاطمي العزيز بالله، ابن المعز لدين الله ٣٨٠هـ/٩٩٠م، لتخفيف الضغط على الجامع الأزهر الشريف، ولكن لم يمهله القدر ووافته المنية قبل إتمام البناء فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله الذي أصدر في عام ١٠١٣م قرارا بتحويله من مسجد إلى جامع لتدريس الفقه. تبلغ مساحة جامع الحاكم بأمر الله حوالي ١٦ ألفا و ٢٠٠ متر مربع، ويصل طوله إلى ١٢٠.٥ متر وعرضه ١١٣ مترا، ويشتمل على صحن مكشوف تبلغ مساحته نحو ٥ آلاف و ٢٣٠ مترا مربعا، وفي منتصفه “فسقية” من الرخام، وفي أحد أركانه الجنوبية حوض للوضوء، وتحيط بالصحن الأواوين. يقع المدخل الرئيسي للجامع بين مئذنتين حجرتين منقوش عليهما زخارف نباتية وهندسية بديعة وتزينهما كتابات بالخط الكوفي، وكذلك تزين حواف الأسقف والنوافذ والمحراب والقبة.
اقتبست فكرة المدخل الرئيسي بالواجهة لجامع الحاكم بأمر الله من مسجد المهدية في تونس، وهو أول مسجد بالقاهرة مدخله بارزا عن واجهته، حيث يغطي المدخل قبو إسطواني عرضه ٣.٤٨ متر وطوله ٥.٥ متر. شهد الجامع خلال تلك القرون كثيرا من الأحداث العظام منها، حيث استخدمته الحملة الفرنسية على مصر كمركز لجنودها وتحويل المئذنتين الشامختين لأبراج مراقبة، وبعد خروجها من مصر استغل المكان من قبل الزجاج ونسج الحرير، ثم في أواخر القرن الثامن عشر تم تحويله لمخزن ومتحف إسلامي ليصبح أول متحف إسلامي عام ١٨٨١ م، وأطلق عليه اسم دار الآثار العربية. كما تعرض مسجد الحاكم بأمر الله لتلفيات شديدة وتهدمت أجزاء منه نتيجة لهزة أرضية قوية ضربت مصر عام ٧٠٢ هـ/١٣٠٣م، فتم إجراء العديد من الإصلاحات وعمليات الترميم والتجديد على مر العصور، وكسوة أرضية المسجد والقبلة بالرخام وإضافة محراب ومنبر، وفي أواخر القرن الماضي وافقت الحكومة المصرية على طلب لطائفة البهرة لتطوير وترميم الجامع.