تقع مدينة قورينا في الجزء الشمالي الشرقي من ليبيا، ضمن منطقة الجبل الأخضر الخصبة، وهي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن مدينة البيضاء، تأسست هذه المدينة التاريخية على يد الإغريق في نهاية القرن السابع قبل الميلاد، وكانت تُعرف بأنها المدينة القائدة لمدن “بينتابوليس” الليبية أو “إقليم المدن الخمس”.
يعود اسم “قورينا” إلى أسطورة إغريقية تروي قصة حورية تُدعى “سيرين”، التي تمكنت من قتل أسد بيديها، ومع مرور الزمن، تغير اسم المدينة إلى “شحات”، ويرجح أن السبب في ذلك هو شح المياه الذي أصاب المنطقة بعد نضوب ينابيعها. شهدت قورينا أوج ازدهارها في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث كانت مركزًا للنشاط الزراعي والتجاري، خاصةً بفضل تصدير القمح والبقول والفواكه ومنتجات الخراف والماعز، بالإضافة إلى نبات “سيلفيوم” الذي كان يُعتبر ثروة نادرة ومطلوبة بشدة. تُعتبر قورينا اليوم واحدة من أهم المواقع الأثرية في ليبيا، وقد تم تصنيفها كموقع تراث عالمي، حيث أدرجتها منظمة اليونسكو على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في يوليو ٢٠١٦، بسبب الأضرار التي لحقت بها. تتميز قورينا بآثارها الغنية التي تشمل الحمامات اليونانية والرومانية، معابد مثل معبد زيوس وأبولو، والأغورا ومجلس الشورى، بالإضافة إلى الكنائس التي تعود للعهد البيزنطي، ولا تزال جدران المعالم الأثرية التاريخية وأعمدتها المشيدة من الصخور الضخمة باللونين الأبيض والأصفر قائمة في تشكيل هندسي بديع. تُظهر قورينا اليوم جمال الحضارة الإغريقية وتأثيرها العميق في شمال أفريقيا، وتُعد شاهدًا على التاريخ الغني للمنطقة وتفاعل الثقافات المختلفة عبر العصور. وتستمر في جذب الزوار والباحثين لاستكشاف أسرارها وروائعها الأثرية.