في زقاق بدرالدين العيني، حيث عبق التاريخ يعبق في كل زاوية، وحكايات الزمن تتناثر على جدران البيوت العتيقة، يتربع “بيت الهراوي” أو “بيت العود”، تحفة معمارية تتحدى الزمن، حاملة في طياتها قصصًا من العصور الماضية.
بُني هذا البيت عام 1731 ميلاديا، على يد الحاج أحمد الصيرفي، ليكون شاهداً على إبداع العمارة المصرية في تلك الحقبة، ورمزاً لثراء الفنون الإسلامية. لا يقتصر جمال بيت الهراوي على شكله الخارجي فحسب، بل يتجلى روعته في تفاصيله الداخلية، حيث يضم فناءً مكشوفاً يحييك بنسيم التاريخ، ويقودك إلى طابقين ساحرين. في الطابق الأول، تُطل نوافذ المقعد الصيفي على عالم من الحضارة، بينما يُتيح لك السلاملك استقبال ضيوفك في أجواء من الفخامة والأناقة. يُؤدي باب إلى الطاحونة والإسطبل، شاهدان على حياة المصريين القدامى، بينما يُصعدك سُلم عتيق إلى حجرات المبيت المخصصة للنساء، حيث تُخيّل لك أصوات نساء العائلة يروين الحكايات ويُنسجن الأحلام. يُعد بيت الهراوي تحفة فنية حقيقية، حيث يضم قاعة فسيحة لاستقبال الزوار من الرجال، تُزيّنها فسقية ثمانية الأضلاع مُزخرفة بقطع من الفسيفساء، تُضفي على المكان سحرًا خاصًا. يحيط بالقاعة إيوانان بهما فسحتان مرتفعتان عن الأرض، تتيح لصاحب البيت الوقوف بين ضيوفه، مُتوجهاً إليهم بكلمات الترحيب. في الجزء الجنوبي من فناء المنزل، تقع صالة أخرى أقل اتساعًا، تُضفي على المكان لمسة من الهدوء والراحة. عام 1986، بدأت رحلة جديدة لبيت الهراوي، حيث تولى المجلس الأعلى للآثار المصرية، بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية والمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، مهمة ترميم هذا البيت العريق. بعد سبع سنوات من العمل الدؤوب، اكتملت عملية الترميم عام 1993، ليعود بيت الهراوي إلى الحياة من جديد، حاملًا رسالة ثقافية وفنية للعالم. فُتح البيت أبوابه ليكون مركزًا إبداعياً للمبادرات الفنية والثقافية، حيث تُقام فيه المعارض الفنية والعروض المسرحية والحفلات الموسيقية، مُجسّدًا روح الإبداع والابتكار. أصبح بيت الهراوي واحة ثقافية وفنية، يلتقي فيها محبو الفنون من مختلف أنحاء العالم، ليتشاركوا شغفهم ويُثروا ثقافتهم. لا يقتصر جمال بيت الهراوي على جماله المعماري فحسب، بل يتجلى في حكاياته التي تُروى على جدرانه، وفي روحه الإبداعية التي تُلهم الأجيال. إن بيت الهراوي هو رمز للثقافة المصرية الأصيلة، ونموذج فريد للعمارة الإسلامية، وصرح ثقافي يُساهم في إثراء الحياة الفنية في القاهرة. فمن يزور بيت الهراوي، يزور رحلة عبر الزمن، ويُشارك في حكاية إبداع لا مثيل لها.