تمثال الرجل الملتحي.. في الثلاثينيات من القرن الماضي، وخلال تنقيباته في قصر يوناني قديم بشرق ليبيا، عثر عالم آثار على كنز مخبأ منذ آلاف السنين، تمثال ضخم لرجل ملتحٍ منحوت من البازلت الأسود، يعود تاريخه إلى 2200 عام…
فما قصة اختفاء هذا التمثال؟! كان هذا الاكتشاف بمثابة جوهرة نادرة، إذ يعتبر التمثال، الذي يعود إلى عهد الأسرة البطلمية في مصر القديمة، واحدًا من 33 تمثالًا مشابهًا معروفًا بوجوده.لكن بعد فترة وجيزة، اختفى التمثال الملتحي في رحلة غامضة، لينتهي به المطاف في عام 1991 في متحف كليفلاند للفنون.مع مرور العقود، تمكن أمناء المتحف من جمع أدلة دامغة تثبت نهب التمثال من ليبيا. وشملت هذه الأدلة صورًا قديمة تُظهره معروضًا في متحف صغير بالقرب من موقع اكتشافه في الأربعينيات.وبناءً على هذه الأدلة، اتخذ متحف كليفلاند قرارًا تاريخيًا بإعادة ملكية التمثال إلى المسؤولين الليبيين.يُعدّ قرار متحف كليفلاند نموذجًا يُحتذى به لمؤسسات ثقافية أخرى تواجه قضايا مماثلة. ففي الآونة الأخيرة، أعاد متحف متروبوليتان للفنون منحوتتين رئيسيتين إلى تايلاند، بينما أعلن عن “التزام مشترك بالتعاون في تبادل الفنون والخبرات وعرض ودراسة الفن التايلاندي”. رحلة عبر الزمن والصراعاتيُعتقد أن رحلة التمثال بدأت بين عامي 200 و100 قبل الميلاد، عندما تم نحته كأيقونة خلال حقبة طويلة من الحكم اليوناني الروماني على مصر.ظلّ التمثال في مكانه لقرون حتى عشية الحرب العالمية الثانية، عندما تم العثور عليه مخبأً في جرة تخزين.بعد ذلك، واجه التمثال مصيرًا غامضًا، حيث تمّ سرقته خلال الحرب ونقله إلى سويسرا. ظهر التمثال مرة أخرى في الستينيات، ليُباع في النهاية لتاجر أعمال فنية أمريكي.في عام 1991، تبرع التاجر بالتمثال لمتحف كليفلاند، ليُعرض كهدية للذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس المتحف.مع عودة التمثال إلى ليبيا، تُطوى صفحة من تاريخه المضطرب، وتُفتح صفحة جديدة تتميز بالعدالة الثقافية والتعاون الدولي.إنّ عودة هذا الأثر النفيس إلى وطنه الأم تُمثل انتصارًا للذاكرة التاريخية والحفاظ على التراث الثقافي، وتُرسل رسالة قوية مفادها أنّ نهب الآثار ممارسة غير مقبولة، وأنّ التعاون ضروري لاستعادة هذه الكنوز إلى أصحابها الشرعيين.