للمحب إن صدق على الطريق علامات، وفي رحلة الحب إلى حميثرة يقطع الألاف من محبي ومريدي القطب الصوفي أبوالحسن الشاذلي مئات الكيلومترات، لزيارة مسجده وضريحه.
في عمق الصحراء الشرقية المصرية، وبين ثنايا جبال وادي حميثرة الشاهقة، يتراءى للزائر مشهد بديع، يجمع بين عظمة الطبيعة وعبق التاريخ الروحي، حيث يقف مسجد أبو الحسن الشاذلي شامخًا، يروي قصة التصوف والإيمان في قلب الصحراء، على بُعد نحو 150 كيلومترًا من مدينة مرسى علم. يقف مسجد أبو الحسن الشاذلي شامخا للناظرين باعتباره واحدا من أشهر المزارات الدينية والسياحية الذي يجذب آلاف الزوار كل عام، حيث يقصد المكان مريدون من جميع أنحاء مصر لإحياء ذكرى الإمام الصوفي الشهير، مؤسس الطريقة الشاذلية. يتميز الموقع بجمال طبيعي آسر، إذ يتربع المسجد وسط وادي حميثرة الذي يُعد واحدًا من أجمل أودية الصحراء الشرقية، تحيطه جبال ذات ألوان متباينة، تضفي على المشهد طابعًا روحانيًا يعجز اللسان عن وصفه. من هو الإمام أبوالحسن الشاذليتقي الدين أبوالحسن على ابن عبدالله، حفيد الحسن ابن علي ابن أبي طالب سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي وُلِد عام 571 هجرية / 1196 ميلادية، في المملكة المغربية وقضى فيها سنوات الأولى. تتلمذ الشاذلي على يد كبار فقهاء الصوفيه وكانت له محطات عديدة حيث ارتحل إلى تونس ودرس علوم الشريعة وانتهج التصوف، ثم جاء إلى مصر في عهد الدولة الأيوبية، وعاش في الإسكندرية وتزوج وأنجب، وكثر تلاميذه ومريديه. في حميثرة سوف ترى وللإمام الشاذلي قول شهير ارتبط بوفاته وبناء مسجده،حيث توفي الشاذلي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب أثناء توجهه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج في شهر ذي القعدة عام 656 هجريا، وكأن الإمام قد تهيء للقاء ربه، فوضع كفنه بين أغراضه وعندما سأله أصحابه عن السبب كان رده عليهم “في حميثرة سوف ترى” فاشتهر هذا القول عنه، تبيانا لبصيرته النافذه وكراماته، وقد حدث بالفعل أن وافته المنية في الوادي عن عمر يناهز الـ63 عاما، وقد شيع عنه أنه دعا ربه أن تقبض روحه ويدفن بمكان لم تدنسه معصية قط، فتم تشييد مسجد الشاذلي في الموقع الذي مات فيه في القرن الثالث عشر، ليصبح قبله لمريديه ومحبيه لإحياء ذكراه. مسجد الإمام الشاذلي يتكون المسجد من مبنى مثمن الشكل، لكل ضلع من أضلاعه السبعة نافذة مستطيلة وأخرى بشكل قماري، بينما يتوسط الضلع الثامن مدخل الضريح الذي يتميز بوجود ثمانية أعمدة ويتوسطه سقف مسطح يزينه زخارف على الجدران. وخلال السنوات السابقة، قامت وزارة الأوقاف والطريقة الحامدية الشاذلية بإعادة بناء مسجد أبو الحسن الشاذلي على مساحة تبلغ 7 آلاف متر مربع بتكلفة بلغت 15 مليون جنيه، و مليون جنيه مقدمه من قبل وزارة الأوقاف. تاريخ المسجد حافل بالأحداث والذكريات، إذ شهد الموقع عبر السنين العديد من التوسعات والترميمات، إلا أنه حافظ على بساطته وروحانيته التي تلامس القلوب. وتتجلى هذه الروحانية في بساطة البناء وجمال الموقع، حيث يُحيط بالمسجد ساحات واسعة تكتظ بالمصلين والمريدين خلال الاحتفالات، في مشهد يمزج بين العبادة والاستمتاع بجمال الطبيعة. هذا المزيج الفريد من الطبيعة والتاريخ والدين يجعل من مسجد أبو الحسن الشاذلي في وادي حميثرة أحد أهم المواقع التي تستحق الزيارة في مصر، فليس هناك ما هو أروع من تجربة روحية في قلب الصحراء، حيث يتناغم صوت الأذان مع صمت الجبال، لتتجدد الروح وترتقي بالنفس بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. جدير بالذكر أن الزوار والمريدين اعتادوا على مدار سبعة قرون من الزمن الاحتفال بذكرى ولادة القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي في صحراء حميثرة، في الفترة الممتدة من اليوم الأول إلى العاشر من شهر ذي الحجة كل عام، إلا أن قرر مسؤولو الطرق الصوفية تعديل موعد الاحتفال بهذه المناسبة، وإقامته في الجمعة الأخيرة من شهر شوال سنويًا.