في مطلع القرن العشرين، وفي قلب الصعيد المصري بتقاليده الصارمة، ولدت عباسية أحمد فرغلي في مدينة أبو تيج بمحافظة أسيوط. كانت عائلتها من العائلات البارزة، حيث كان والدها من كبار التجار، وشقيقها محمد فرغلي باشا، مالك شركة فرغلي الشهيرة وكان لقبه”ملك القطن”.
من وسط هذه البيئة الاجتماعية المحافظة، نشأت عباسية فرغلي لتصبح رمزًا للمرأة القوية وتتخطى الحواجز المجتمعية لتحقق إنجازًا فريدًا من نوعه.. تعليم ووعي مبكررغم القيود الاجتماعية في صعيد مصر على المرأة في ذلك الوقت، تمتعت عباسية بامتيازات قلما كانت متاحة للفتيات. كانت عائلتها ميسورة الحال ومنفتحة على التعليم الحديث، وهو ما ساعد عباسية على الانتقال إلى محافظة الإسكندرية لاستكمال تعليمها بالمدارس الأجنبية الكبرى، وبعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية ، التحقت بمدرسة “فيكتوريا كوليدج” الشهيرة، ما فتح أمامها آفاقًا جديدة. لم تقتصر رحلتها التعليمية على مصر فحسب، بل امتدت إلى خارج البلاد، حيث سافرت إلى إنجلترا وفرنسا لاستكمال تعليمها. الحلم الذي تحول إلى حقيقةكانت عباسية منذ طفولتها مفتونة بالسيارات، تلك الآلات الجديدة التي كانت تجوب الحقول وتنقل والدها في رحلاته.كانت ترافقه في تلك الرحلات، وهي تحلم بأن تقود إحدى تلك السيارات يومًا ما. وقد تحقق حلمها بفضل دعم شقيقها محمد فرغلي الذي علمها فنون القيادة.لكن الطموح لم يتوقف عند القيادة فقط؛ فقد قررت عباسية أن تخوض تجربة جديدة بأن تحصل على رخصة قيادة، ليس فقط في مصر، بل في فرنسا أيضًا. في 24 يوليو عام 1920، حققت عباسية إنجازًا فريدًا بحصولها على رخصة القيادة في فرنسا، لتصبح أول امرأة عربية وربما في العالم النامي تنال هذا الامتياز. وبعد عودتها إلى مصر، استمرت في ممارسة القيادة، وفي عام 1928 حصلت على رخصة القيادة المصرية، لتصبح أول امرأة مصرية تحقق هذا الإنجاز.كانت هذه الخطوة علامة فارقة في تاريخ المرأة المصرية، حيث فتحت الباب أمام الكثيرا من النساء لكسر القيود المجتمعية والدخول إلى مجالات كانت محظورة عليهن. الأسرة والبيئة الداعمةلعبت عائلة عباسية دورًا كبيرًا في تشكيل شخصيتها. فوالدها، الذي كان من كبار التجار في جنوب مصر، وشقيقها محمد فرغلي باشا، الذي كان يُعد من أهم رجال الأعمال في مصر بفضل نجاحه في تجارة القطن، دعماها في كل خطواتها. إرث مستمربعد مرور مايقارب مائة عام على حصول عباسية أحمد فرغلي على رخصة القيادة، لا تزال قصتها تلهم النساء في مصر والعالم العربي. لقد كانت رائدة في مجالها، وساهمت في تمهيد الطريق لجيل من النساء ليحققن أحلامهن. تظل عباسية فرغلي رمزًا للمرأة المصرية التي لم تستسلم للقيود المجتمعية وسعت بكل قوة إلى تحقيق أهدافها، لتترك بصمة خالدة في تاريخ مصر الحديث.