في مدينة الأقصر الخالدة، حيث تتعانق أرض طيبة مع نهر النيل العظيم، يقف معبد “هابو” كأحد أبرز الشواهد على عظمة الحضارة المصرية القديمة.
يعد هذا الصرح المهيب، الذي يزدان بجدرانه المنحوتة ونقوشه البارزة، من أعظم معابد الأسرة العشرين، شيده الملك رمسيس الثالث من الحجر الرملي في القرن الثاني عشر قبل الميلاد خلال عصر الدولة الحديثة كمعبد جنائزي ليخلد ذكراه للأبد، ولعبادة الإله آمون. روعة الأسطورة المعمارية المصرية يقع معبد هابو في البر الغربي بالأقصر، ويعرف في اللغة المصرية القديمة بمعبد “المتحد مع الأبدية” أو “معبد ملايين السنين لرمسيس الثالث”، ويعد من أكبر المعابد الجنائزية في مصر القديمة، ويتميز بتصميم معماري فريد يمزج بين القوة والجمال؛ من خلال جدرانه الضخمة المزينة بالنقوش الهيروغليفية التي تروي قصص الانتصارات والمعارك العسكرية. تمتد مساحة المعبد على ٣٢٠ مترا في الطول من الشرق إلى الغرب و٢٢٠ مترا في العرض من الشمال إلى الجنوب، ويتميز بارتفاع سوره الخارجي الطوب اللبن ويبلغ ١٨ مترًا تقريبا، ويسبقه سور آخر يتكون من حائط جيري به شرفات يبلغ ارتفاعه ما يقارب ٤ أمتار، لذلك فإن هابو المعبد الوحيد المحصن بأسوار وبوابات. يبدأ المعبد ببوابة عظيمة تُعرف باسم “البوابة الأولى”، تتزين بتماثيل ضخمة تمثل الملك رمسيس الثالث في وضع الوقوف مرتديًا التاج المزدوج الذي يرمز لوحدة مصر العليا والسفلي، يليها الفناء الأول، حيث يمكنك رؤية النقوش التي تُظهر مشاهد الصيد والاحتفالات التي قام بها الملك. يمر الزائر عبر صف من الأعمدة الرشيقة، لينتقل إلى الفناء الثاني، الذي يحتوي على مناظر دينية مقدسة تصور الملك وهو يقدم القرابين إلى الآلهة. مقاصير الذهب يضم المعبد ما يعرف بمقاصير الذهب وهي عبارة عن قاعة طويلة على جانبيها أربع حجرات، اثنتان على كل جانب، وتتميز بجمالها الساحر وألوانها الزاهية، تحتوي على مشاهد تقديم الملك رمسيس الثالث الذهب لإلهه “آمون رع”، وقد استُخدمت تلك المقاصير في الطقوس والشعائر الدينية. صالة الأساطين بمعبد هابو تتميز بوجود ثلاثة مداخل رئيسية، حيث يقودك المدخل الأول إلى مقصورة القداس الأعظم لعبادة الإله آمون، بينما يُفتح المدخل الثاني الطريق إلى مقصورة عبادة الإله خنسو، ويوجه المدخل الثالث خطاك نحو مقصورة الإله موت. ثالوث طيبة المقدسة يضم معبد هابو منطقة مقدسة تُسمى قدس الأقداس، تحيط بها مجموعة من الغرف الخاصة المخصصة لعبادة الآلهة المصرية وحجرات لحفظ أدوات الطقوس الدينية. النقوش: توثيق لعصر القوة والازدهار أحد أهم ميزات معبد هابو هو النقوش البارزة التي تزين جدرانه. هذه النقوش لا تعد مجرد زخارف جمالية، بل هي وثائق تاريخية تسجل أحداثًا عظيمة في عصر رمسيس الثالث. من أشهر تلك النقوش مشاهد تصور المعارك الكبرى التي خاضها الملك، وعلى رأسها معركته الشهيرة ضد شعوب البحر، الذين حاولوا غزو مصر، حيث تُظهر الملك وهو يقود جيوشه بحنكة ودهاء. بجانب هذه المشاهد، نجد رسومات للملك في لحظات من التقرب للآلهة، مقدّمًا القرابين طالبًا البركات والحماية. رغم مرور آلاف السنين على تشييده، لا يزال معبد هابو يلفت أنظار الباحثين والسياح من كل أنحاء العالم. كرمز للبراعة الهندسية والفنية التي تميز بها المصريون القدماء.