في عالمنا المعاصر، تتزايد وتيرة الصراعات والانفجارات، مخلفةً وراءها دمارًا هائلاً لا يقتصر على الأرواح والبنية التحتية فحسب، بل يتعداه إلى قلب النظم البيئية الهشة.
تتأثر المحيطات والبحار، هذه الرئتان الزرقاوان لكوكبنا، بشكل مباشر وغير مباشر بهذه الأحداث الدامية، ويهدد التلوث الناتج عن التسربات النفطية والانفجارات، فضلاً عن التغيرات المناخية المتسارعة، بتدمير التنوع البيولوجي البحري الثري، مما يهدد سلاسل الغذاء ويزعزع التوازن البيئي الهش. في هذا الإطار كان لـ”بوابة روزاليوسف” هذا الحوار الثمين مع د. محمد إسماعيل، استاذ البيولوجيا البحريه المساعد و رئيس قسم علوم البحار بكلية العلوم جامعة بورسعيد، لنستكشف معًا الآثار المدمرة للصراعات على البيئة البحرية، ولتسليط الضوء على الجهود المبذولة لحماية هذا الكنز الطبيعي الثمين. “تطول تداعيات الحرب مختلف القطاعات في مناطق الصراع، وتشغل آثارها الاقتصادية والسياسية الجميع، وتتصدر أجندات الحكومات المحلية والدولية. لكن لا يزال أثر الحرب على البيئة البحرية وتغير المناخ الأكثر تهميشًا، على الرغم من خطورته وفداحة أضراره. ومما لا شك فيه أنّ تأثير الحرب على البيئة بصفة عامة وعلى البيئة البحرية والمناخ وما يتبعها من تأثيرات كارثية على الطبيعة والإنسان من الأمور الهامة والجديرة بالدراسة والتدقيق”. بدايةً هل يمكن أن توضح لنا العلاقة بين الصراعات والانفجارات والتغيرات المناخية؟تتسبب الحروب والصراعات في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة، المسببة للاحترار العالمي، في الغلاف الجوي. يفيد تقرير صادر عن مرصد الصراع والبيئة البريطاني و7 منظمات دولية أخرى بعنوان “الاعتراف بالانبعاثات العسكرية والمتعلقة بالنزاعات في التقييم العالمي”، أنّ جيوش العالم والحروب والصراعات مسؤولة عن 5.5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة، ويقدر التقرير أنّ الأشهر السبعة الأولى فقط من الحرب الروسية الأوكرانية مسؤولة عن 100 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على الأقل.نتيجة تدمير مخازن الكربون الطبيعية مثل الغابات والأشجار، وتدمير مستودعات الكربون التي يصنعها الإنسان، مثل البنية التحتية للطاقة وآبار النفط وإلحاق الأضرار بأنظمة الطاقة المتجددة في البلاد. حيث تم إيقاف 90% من طاقة الرياح و50% من قدرة الطاقة الشمسية منذ بدء الحرب، وفق تحليل لمؤسسة باور تكنولوجي”. ما تأثير الصراعات والانفجارات المدمرة على البيئة البحرية؟ وما الآليات التي تؤثر بها أحداث الحروب على الحياة البحرية؟تدمر الحرب التنوع البيولوجي وتزيد من التلوث وتساهم بشكل كبير في تدهور البيئة البحرية.فحين تطلق السفن الحربية كميات هائلة من النفايات في المسطحات المائية، يؤدي ذلك إلى تدهور الموائل البحرية والسواحل.من أبرز أشكال التأثير على النظم البيئية البحرية، استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًا وتأثيرها على البيئة البحرية له أضرار عدة؛ فعلى سبيل المثال فإن “الفسفور الأبيض”، المحظور دوليًا، والذي تحمله الرياح ليترسّب في أعماق الأنهار والبحار ويصل فى النهاية إلى الكائنات البحرية مثل الأسماك وغيرها مما يهدّد سلامة البيئة البحرية ويهدد صحة الإنسان الذي يعتمد عليها فى التغذية.من ناحية أخرى فإن استخدام الأسلحة الفتاكة يسمم المياه وآثار التلوث تمتد لعقود طويلة.وفي إيجاز قصير، فإن تلك المخاطر تؤدى الى خلل في النظام البيئي والتنوع الحيوى والإتزان الطبيعى للبيئة البحرية وتؤثر سلبا على الحياة البحرية.آثار تلوث مياه البحار بسبب السفن الحربية كيف تؤدي الانفجارات والعمليات العسكرية إلى تلوث المياه بالمواد النفطية والمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الأخرى؟ وما أخطر هذه المواد على الكائنات البحرية؟ يعد تلوث البحار بالمواد النفطية الناجمة من تدمير ناقلات النفط أو منصات الحفر، وآبار النفط فى المياه الضحلة والعميقة، والمنشأت البحرية لتخزين النفط، يعد من أخطر الأشياء التي قد تنجم عن ضرب تلك الأماكن والتي تؤدى إلى تسريبها الى مياه البحار أو اشتعالها. كما تتضمن المخاطر البيئية الناتجة عن تدمير وغرق السفن ما يلي:1- تسريب النفط من السفينة سيسبب تشكيل طبقة عازلة على سطح البحر تؤثر سلبا في الاحياء البحرية لتقتل بقع الزيت الأسماك والشعب المرجانية.2- ذوبان الأسمدة النيتروجينية في الماء سيؤدى إلى امتداد التلوث إلى نطاقات واسعة.3- تتسبب الحمولة الغارقة في انخفاض نسبة الأكسجين في المناطق المتضررة الأمر الذي سيؤدى إلى نفوق أنواع من الكائنات البحرية مثل الأسماك والرخويات.4ـ انتقال السموم للأسماك والرخويات ومنها للبشر عن طريق الصيد، خاصة في المناطق القريبة، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالأمراض السرطانية نتيجة تناول الأسماك الملوثة.5ـ تدمير النظم البيئية مثل الشعاب المرجانية، وأشجار المانجروف الساحلية، والحياة البحرية الغنية والمتنوعة.6- كمية الوقود التي تتسرب إلى المياه ستؤدى لتلوث المياه وتعرض الكائنات للموت.7- التأثير في التنوع البيولوجي على الطيور البحرية خلال فترة هجرتها الموسمية .8- ستفد البيئة البحرية في المنطقة الغارقة بها السفن إلى فقدان الكثير من الأنواع البحرية، ما يؤدي إلى اختلال السلسلة الغذائية لكثير من الكائنات. 9- يؤدي إلى تكاثر الطحالب الضخمة، الأمر الذي قد يخلق مناطق مميتة للحياة البحرية وحرمان الشعاب المرجانية من الضوء. فبالإضافة إلى بقعة الوقود المتسرب، يمكن لأسمدة كبريتات فوسفات الأمونيوم أن توفر كمية كبيرة من العناصر الغذائية في المياه التي تؤوي الشعاب المرجانية النادرة والثدييات البحرية والأسماك المرجانية.تؤدى الأسمدة إلي تحفيز النمو المفرط للطحالب، ما يؤدي إلي استهلاك الكثير من الأكسجين بحيث لا تستطيع الحياة البحرية العادية البقاء، وهذا يخلق مناطق ميتة، حيث لا شيء يعيش، وغالبًا ما تحتوي الأسمدة أيضًا على بقايا من مواد كيميائية ضارة بالحياة البحرية.10ـ موت الشعاب المرجانية” بسبب ستتكاثر الطحالب بشكل كبير جدا، وستحدث غطاء فوق سطح الماء وفوق الشعاب المرجانية “تحت الماء”، وتحجب الضوء عنها، وبالتالي ستموت الشعاب المرجانية”.ويعد تسرب المواد المشعى إلى مياه البحار والمحيطات “الثلوث الإشعاعى” هو أخطر أنواع الملوثات على صحة الكائنات البحرية وعلى البشر.صورة بالذكاء الاصطناعي توضح تأثير المواد الكيمياية الضارة على الأسماك كيف تؤثر الانفجارات على الشعاب المرجانية والمناطق الرطبة وغيرها من الموائل البحرية المهمة؟ وما الأنواع البحرية الأكثر تأثرًا بهذا التدمير؟يعد النظام البيئي لـ “الشعاب المرجانية” من الأنظمة البيئية البحرية الهامة، بما يحويه من أشكال متنوعة من الكائنات البحرية، من الأسماك والرخويات والجلدشوكيات والعوالق والهائمات والقشريات..إلخ. هذا النظام البيئي عالي الحساسية لأية تغيرات طبيعية أو بشرية كآثار أو نواتج الحروب والصراعات من تدفق الملوثات إليه أو تعرضها لأي آثار تدميرية أخرى، فأي تغير في حرارة الماء او العكارة أو إضافة أي مواد كيميائية أو حتى تغير طفيف فى الصفات الفيزيائة أو الكيميائية للمياه حول الشعاب المرجانية، يؤدي إلى موت أو إتلاف تلك الشعاب، بما يسمى بظاهرة “ابيضاض الشعاب المرجانية”، وبالتالي تفقد حياتها، وبالتبعية تفقد ما تحويه من الكائنات البحرية الحماية فتتعرض لخطر الإفتراس أو النفوق وقد تنجح القلة القليلة منها فى الهجرة إلى أماكن أخرى.موت الشعاب المرجانية غير قابل للإرتداد وقد يحدث استعادة لها بعد اى إتلاف جزئى بعد عقود أو قرون طويلة. المناطق الرطبة:أما المناطق الرطبة، فحين تتعرض للملوثات الناتجة عن الصراعات والحروب من ملوثات مثل المواد الكيميائية السامة، والتي تتخلل التربة والمياه الضحلة بها فتقضى على ماتحويه من كائنات حية نباتية أو حيوانية أو كائنات دقيقة تعتمد عليها الأسماك والكائنات الأخرى في التغذية نتيجة لذلك يحدث خلل فى السلسلة الغذائية على نطاق واسع، علاوة على ذلك فإن تغللها إلى المياه الجوفية يؤدي إلى تلويثها أيضًا.تأثير الانفجارات على الشعاب المرجانية كيف تؤثر الضوضاء الناتجة عن الانفجارات على سلوك الكائنات البحرية، مثل الحيتان والدلافين؟ وما الآثار المحتملة على عمليات الاتصال والتكاثر والتغذية؟ قد تتسبب الضوضاء الصاخبة في إلحاق بعض الأضرار بالثدييات البحرية، فإذا فقدت هذه المخلوقات قدرتها على التقاط وتتبع ضجيج السفن.وتؤثر الضوضاء البحرية أيضًا على الحيوانات البحرية التي تعتمد على الصوت للتواصل والتنقل والاستشعار مثل الحيتان والدلافين والأسماك السمكة الحجرية والرنجة وغيرها.الأخطر من ذلك هو أن أزيز المقذوفات الحربية يؤدى إلى فقد الأنسجة في الخلايا السمعية، ومعنى ذلك أن الحيوان يفقد القدرة على تحليل أي ذبذبات صوتية تخص تلك الخلايا. وتؤدي في الحالات الشديدة إلى فقدان السمع.ويمكن أن تؤدي هذه الضوضاء إلى تغييرات في السلوك الغذائي والتشكيلي والتكاثري للحيوانات البحرية، وتؤثر على قدرتها على العثور على الغذاء وتجنب الأعداء وتكوين الأسراب والتكاثر. وأخيرًا قد ينتهى بها الأمر إلى النفوق.إجمالًا فإن هذا الأمر قد يكون كفيلًا بالقضاء على نظام الحياة للأنواع البحرية، التي يعتمد أغلبها على السمع من أجل التواصل والعيش في أعماق البحار والمحيطات المظلمة.ما الآثار المتوقعة على التنوع البيولوجي البحري؟ وكيف يمكن أن تتفاعل هذه العوامل لتفاقم الأضرار التي تلحق بالبيئة البحرية؟مم سبق يتضح لنا أن الصراعات وآثار الحروب تؤثر سلبًا على التنوع الحيوى والبيولوجى للكائنات البحرية مم يكون له اسوء الآثار فى فقد الثروات البحرية الحية.ويتضح أيضًا تفاقم تلك الآثار عند تجمع أكثر من عامل من عوامل التلوث “نفطى، كيميائي..إلخ” على الحياة البحرية وبيئاتها.آثار تلوث مياه البحار بسبب المواد النفطية ما الجهود التي تساهم في إعادة تأهيل البيئات البحرية المتضررة بعد تدميرها؟ يعد ذلك من أصعب المهام التي يكلف بها العلماء في وضع خطط واستراتيجيات إعادة تأهيل المناطق والنظم البحرية التي تتعرض للضرر الناجم من أثر التلوث أو التدمير نتيجة الحروب والصراعات. ويتطلب ذلك كلفة مادية عالية وتكاتف الحكومات والمنظمات الدولية لحماية البيئة البحرية وإجراء العديد من الأنشطة البحثية البيئية.