10:23 ص – الخميس 7 نوفمبر 2024
لاتزال رمال مصر تبهرنا بخباياها من كنوز وأسرار تفتح لنا نافذة على التاريخ السحيق باكتشافات أثرية فريدة تعيد تشكيل رؤيتنا حول حياة المصري القديم وفنونه وعلومه وحضارة امتدت جذورها عبر الزمن ، ولعل من أهم وأبرز تلك الاكتشافات الأثرية الحديثة هذا السجل النادر الذي أطلق عليه بردية أحمس والذي عكف على دراسته وترجمته عالم مصري هو الدكتور خالد حسن عبد العزيز الأستاذ المساعد بكلية الآثار جامعة القاهرة وجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، المتخصص في اللغة المصرية القديمة وبخاصة الخط الهيراطيقي وله العديد من الإسهامات العلمية المنشورة في مجلات علمية عالمية. وشارك في الكثير من المشاريع الدولية مع باحثين أجانب لدراسة مجموعة من النصوص والوثائق المكتوبة بالخط الهيراطيقي.
فكان لبوابة روزاليوسف هذا الحوار الثري معه لاكتشاف مدى أهمية البردية التاريخية وإلقاء الضوء على ما اشتملت عليه… في البداية حدثني عن كيفية اكتشاف البردية وأهميتها التاريخية؟ عثرت بعثة الآثار المصرية التابعة لوزارة السياحة والآثار عام ٢٠٢١ بقياة الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار على هذه البردية فى منطقة سقارة وهى بردية تحوي عددا من نصوص وتعاويذ دينية تندرج تحت ما يعرف باسم “كتاب الموتى” وهي لشخص يدعى أحمس. تكمن أهمية هذه البردية بوصفها واحدة من أطول وأكمل النسخ التي عثر عليها في منطقة سقارة وتؤرخ لبداية العصر البطلمي ، كما أنها تعد النموذج الوحيد الذي له سياق أثرى معروف حيث إنها خرجت من تابوت شخص يحمل نفس الاسم الذي ظهر على البردية. وبالتالي فإن هذه البردية تعطينا صورة أعم وأشمل عن كتاب الموتى في العصر البطلمي وترتيب التعاويذ وكذلك عددها وكيفية اختيار المصري القديم للتعاويذ التي يفضل كتابتها في برديته لتدفن معه بعد وفاته .. ماهي الحالة التي وجدت عليها البردية وهل صاحب اكتشافها عثر على قطع أثرية أخرى ؟ عثرت البعثة المصرية على بئر الدفن رقم ٩٥ بعمق ١٢ مترًا وأسفل هذا البئر تم العثور على حجرة دفن بأبعاد 3.5× 2.5 متر وتضم مجموعة من التوابيت الحجرية بالاضافة إلى تابوتين من الخشب. واحد من هذه التوابيت الخشبية ينسب إلى شخص يدعى أحمس أبعاده ١٨٥ ×٣٥ ×٣٥ سم ، عثر بداخله على مومياء وبجوار قدم المومياء عثر على لفافة بردي في حالة تحجر كامل والتي استدعت نقلها في الحال لمعمل الترميم بالمتحف المصري بالتحرير لاتخاذ كافة الإجراءات العلمية لفتح هذه البردية وهو الأمر الذي استغرق عدة أسابيع من العمل الشاق من مرممي المتحف حتى يتم الفتح دون فقد أو تلف أي جزء وبالفعل تكللت الجهود بالنجاح. ما مواصفات بردية أحمس الشكلية وأهم ما اشتملت عليه ؟البردية هي نسخة من كتاب الموتى الذي كان يوضع مع المتوفى في التوابيت لضمان عملية انتقال آمن وسليم إلى العالم الأخر ، مكتوب بالكامل الخط الهيراطيقي باللونين الأسود والأحمر.. يبلغ طول البردية حوالى ١٥,٨٠سم ، وتضم ١١٧ تعويذة موزعة على ١٥٠ عمودا كتابيا ، والمحتوى عبارة عن نصوص دينية مصحوبة بمناظر دينية متنوعةتخدم المعنى وتوضحه وتبرزه . تبدأ البردية بمساحه فارغة حوالى 40 سم ثم بعد ذلك يوجد منظر كبير يوضح صاحب البردية و هو يتعبد للمعبود أوزير جالساً داخل المقصورة. الخط الهيراطيقى المكتوب به البردية خط واضح و جميل مكتوب بشكل منظم يعكس احترافيه الكاتب الذي قام بتنفيذ هذا العمل. لذلك تعد البردية إضافة ممتازة لنصوص كتاب الموتى التي تعود للعصر البطلمى من سقارة. هل اشتملت البردية على أية معلومات تتعلق بصاحبها أو ألقابه؟ صاحب البردية يدعى أحمس” بن نبت تخ ” ولم يذكر له أية ألقاب على البردية على الرغم من أن اسمه قد ورد ما يقرب من ٢٥٧ مرة ، ولكن من خلال دراستي للخط الذي كتبت به البردية دراسة وافية استطعت التعرف على بردية أخرى في المتحف المصري ، تشير إلى أن كاتبها هو نفس الكاتب الذي كتب بردية أحمس. البردية الموجوة بالمتحف المصري لرجل يدعى ” جسر” ، ومن بين ماعثر عليه من ألقاب وأسماء لهذا الرجل اتضح أن اسم والده قد ذكر على بردية ويدعى أحمس، وبالتالي من خلال الخط والاسم علينا أن نستنتج أن أحمس صاحب البردية التي عثرت عليها البعثة المصرية عام ٢٠٢١ هو والد “جسر” صاحب البردية المحفوظة حاليا في المتحف المصري. كم استغرق عملك من الوقت لدراسة البردية وترجمتها ؟ منذ اليوم الأول بعد فتح البردية تم التوجه إلى المتحف المصري لتفقد البردية وفحصها على الطبيعة ورفع مقاساتها وتسجيل كل الملاحظات بدقة ، ثم تصوير البردية والحصول على صور عالية الجودة ، ثم عكفت على دراستها لمدة عام كامل حتى قمت بترجمتها كاملة ونشرها في كتاب باللغة الانجليزية طبع في بداية عام ٢٠٢٤، تحت عنوان The Complete Book of the Dead Papyrus of Ahmose from Saqqara، حيث يقدم الكتاب كل التفاصيل المميزه لهذه البردية مع ترجمة للنصوص الهيراطيقية و تحويلها الى الهيروغليفية مع التعليق على الخط. و تقديم السمات الفنية لخط الكاتب الذي قام بكتابة نصوص البردية مع محاوله تأريخ النص من خلال السمات الخطيه أيضاً. هل تمت الاستعانة بمتخصصين من الخارج للمساعدة في ترميم البردية ؟ العثور على البردية كان نتاج حفائر مصرية خالصة، وكذلك تم ترميمها بأياد مصرية خالصة ثم تم نشر البردية أيضا على يد علماء مصريين متخصصين ، والبردية فى حالة ممتازة من الحفظ .