Site icon العربي الموحد الإخبارية

التحكم في دورات النوم بالدماغ.. دور جديد لـ”المنطقة الزرقاء”

نجح باحثون من جامعة لوزان السويسرية في تحديد دور جديد وغير متوقع لـ”المنطقة الزرقاء” locus coeruleus في الدماغ، إذ قالت الدراسة المنشورة في دورية “نيتشر نيوروساسينس” إن تلك المنطقة تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم دورة النوم، وتسهيل الانتقال بين حالتي النوم غير السريع لحركة العين (النوم العميق) ونوم حركة العين السريعة.
كما أظهرت الدراسة أن التوتر يؤثر سلباً على وظائف هذه المنطقة، ويؤدي إلى اضطراب جودة النوم.
والمنطقة الزرقاء في الدماغ هي منطقة صغيرة تقع في جذع الدماغ، وتُعد المركز الرئيسي لإنتاج النورأدرينالين وهو هرمون ونواقل عصبية تلعب دوراً محورياً في عدة وظائف فسيولوجية وسلوكية، وتعتبر جزءا من النظام العصبي المسؤول عن استجابة الجسم للضغط أو التوتر، إذ يفرز النورأدرينالين في الأوقات التي يتعرض فيها الجسم لمواقف مهددة أو محورية، مما يعزز اليقظة والتركيز استعداداً للتفاعل مع المواقف الطارئة.
تنظيم دورات النوم
يتكون النوم لدى الثدييات من دورات متناوبة بين حالتي النوم غير السريع والنوع السريع لحركة العين، إذ يلعب النوم العميق دوراً محورياً في استعادة نشاط الجسم، بينما يرتبط نوم حركة العين السريعة بالأحلام والنشاط الدماغي المكثف، ومع ذلك، ما زالت القواعد التي تنظم هذه الدورات غير واضحة. 
تكشف الدراسة الجديدة عن أن المنطقة الزرقاء في جذع الدماغ تعد مفتاحاً في تنظيم الانتقال بين هذه الحالات.
على الرغم من أن هذه المنطقة معروفة بدورها في استجابة الدماغ للتحديات أثناء اليقظة، إلا أن الدراسة أظهرت أنها تعمل كمنظم “ساعة” يحدد توقيت الانتقال بين مراحل النوم، إذ تؤدي التغيرات في نشاطها إلى تأثيرات مباشرة على تنظيم دورات النوم.

يتميز نشاط تلك المنطقة أثناء النوم بتذبذبات منتظمة تحدث كل حوالي 50 ثانية خلال هذه النوبات من النشاط، يرتفع نشاط المنطقة، مما يؤدي إلى إفراز كميات أكبر من النورأدرينالين في الدماغ. 
هذا الإفراز يحفز بعض أجزاء الدماغ لتصبح شبه يقظة، مما يسمح للجسم بالاستجابة للبيئة الخارجية دون استيقاظ كامل، وعندما ينخفض النشاط، يتمكن الجسم من الانتقال إلى مرحلة نوم حركة العين السريعة، مما يتيح حدوث دورات نوم متوازنة ومريحة.
في مرحلة النوم غير السريع لحركة العين، يحدث التعافي البدني وإعادة توازن وظائف الجسم المختلفة، مما يعزز الراحة العامة للجسم، أما في مرحلة نوم حركة العين السريعة، فيتم تعزيز الذاكرة وتنظيم المشاعر، وهو ما يُعتبر أمراً حيوياً للصحة العقلية والنفسية. 
وتلعب المنطقة الزرقاء دوراً حيوياً في تنظيم هذه العمليات، إذ تعمل كحارس للتحكم في الانتقالات بين هاتين الحالتين من النوم، مما يساهم في ضمان نوم متوازن وصحي.
التوتر يعوق النوم
أظهرت الدراسة أن التعرض للتوتر خلال اليوم يؤدي إلى زيادة نشاط المنطقة الزرقاء أثناء النوم، مما يعوق الانتقال إلى النوم العميق ويجعل نوم حركة العين السريعة أكثر تشتتاً، ويؤدي ذلك إلى عدد كبير من الاستيقاظات الجزئية ويعطل استمرارية النوم، ويظهر هذا التأثير في كل من الأجزاء القشرية وتحت القشرية للدماغ.
تكشف الدراسة أيضاً أن “المنطقة الزرقاء” ربما لعبت دوراً في هيكلة النوم خلال تطور الكائنات الحية. فبينما تُظهر الثدييات حالات نوم واضحة، تمتلك بعض الزواحف أنماطاً مشابهة تتغير خلال فترات زمنية متقاربة، مما يشير إلى وجود جذور تطورية قديمة لهذه الوظيفة.

ويشير الباحثون إلى أنه يمكن استخدام “المنطقة الزرقاء” كمؤشر حيوي يمكن الاعتماد عليه لمراقبة دورات النوم وتشخيص الاضطرابات المرتبطة بها. 
كما يمكن استخدام نتائجها أيضاً في تمهيد الطريق لتطوير تقنيات تساعد على تصحيح هذه الدورات بشكل أكثر دقة وفعالية، مما يساهم في تحقيق توازن صحي بين مراحل النوم المختلفة.
وتعمل فرق البحث حالياً على تطبيق هذه النتائج الواعدة في دراسات بشرية بالتعاون مع مستشفى جامعة لوزان؛ تهدف إلى تحديد مدى ارتباط النشاط العصبي في المنطقة الزرقاء بأنماط النوم لدى الإنسان، ومدى إمكانية الاستفادة من هذه الآليات لتحسين جودة النوم بشكل فعّال، وذلك للأفراد الذين يعانون من مشكلات في النوم.

Exit mobile version