09:01 م – الجمعة 29 نوفمبر 2024
كتب
داليا عبد المعز
الدكتورة هناء أبوطالب، لبوابة “روزاليوسف”:
رحيل والدي كان بداية الحلم.. وحولت ألمي لفقدانه إلى أمل لآلاف المرضىرحلة البحث عن علاج والدي ألهمتني لتوفير الأدوية لمن يحتاجونهامبادرة هتلاقي دواك هي رسالة أمـل لمرض السرطانبدأت المبادرة ببوست بسيط على فيسبوك.. واليوم أصبحت أملًا للآلافأومن بأن الألم يمكن أن يكون بداية الطريق لإحداث تغييـر حقيقيفي حجرتها الهادئة، جلست هناء على كرسيها تتأمل صورة والدها الذي غادر الحياة قبل عامين بعد معركة شاقة مع سرطان الكبد، تاركًا خلفه ألمًا لا يُنسى، لكنه أشعل في قلب ابنته أملًا قادها لطريق جديد.تقول هناء، بصوت ملئ بالحنين: “رحيل والدي كان أقسى ما مررت به، لكنه أيضًا دفعني لفعل شىء يخلد ذكراه، ويساعد من يواجهون نفس المعاناة”. فقدان الأب.. وبداية الحلم لم تكن وفاة والدي مجرد ألم عابر؛ بل نقطة تحول غيّرت مسار حياتي بأكملها”. هكذا بدأت هناء أبو طالب، حديثها مع بوابة “روزاليوسف”، متذكرة والدها الذي كان يحلم بأن تكون ابنته طبيبة، لكنها اختارت دراسة الصيدلة، لتثبت أن الإنجازات ليست حكرًا على مهنة بعينها.دكتورة هناء أبوطالبهناء محمد أبوطالب، صيدلانية شابة من محافظة بني سويف، أطلقت مبادرة إنسانية رائدة لدعم مرضى السرطان، حيث نجحت في تقديم الأدوية النادرة والمكلفة مجانًا أو بأسعار مخفضة عبر مبادرتها “هتلاقي دواك”، التي أطلقتها صدقة جارية لروح والدها الراحل.تصفت هناء رحلتها في البحث عن أدوية السرطان لوالدها بـ”الشاقة”، مضيفة: ” كنت أشعر بمرارة العجز أمام ألم والدي، ورغم أنني صيدلانية وأعمل في مجال الأدوية، إلا أنني واجهت صعوبة كبيرة في العثور على العلاج، غير أن تكلفة جلسة الحَقن الكيماوي الواحدة كانت تصل إلى 180 ألف جنيه، فكيف يمكن للفقراء تحمل ذلك؟”.من هنا، شعرت “أبوطالب” بمسؤوليتها تجاه المرضى الذين يواجهون نفس المعاناة. وأمام السؤال الذي ظل يراودها: “كيف يمكنني مساعدة من يمرون بما مررت به مع والدي؟”، قررت تحويل ألم فقد والدها إلى أمل يُنير طريق مرضى السرطان. “هتلاقي دواك”.. ميلاد الأملفي إحدى ليالي يناير الباردة، اجتاح الحنين قلب هناء، وهي تسترجع ذكريات والدها، الرجل الذي كان سندًا لعائلته حتى أرهقه المرض وأطفأ ابتسامته. تقول هناء: “والدي كان كل شيء لي، وبعد رحيله شعرت وكأن العالم توقف”.وبين دموع الفقد وذكريات الحنين، خطرت لها فكرة تحويل الألم إلى رسالة أمل. من خلال مبادرة “هتلاقي دواك”، التي تسعى لتوفير الأدوية اللازمة لمرضى السرطان وتخفيف معاناتهم.وبشكل عفوي، كتبت هناء منشورها الأول على مواقع التواصل الاجتماعي، تُعلن فيه عن فكرتها وأهداف المبادرة. تقول: “كتبت البوست ونمت. لم أكن أتوقع أن أستيقظ على هذا الكم الهائل من التفاعل، مئات التعليقات والمشاركات ورسائل طلب المساعدة وحتى عروض التبرع بالأدوية. كانت فرحتي لا توصف”.وسرعان ما وضعت هناء ثلاثة أهداف رئيسية للمبادرة تشمل: مساعدة المرضى في العثور على الدواء، وتوفيره مجانًا أو بأقل تكلفة ممكنة، وتوصيله للمحتاجين أينما كانوا.تقول هناء بفخر: “كنت أعتقد أن المبادرة ستستمر شهرًا أو شهرين فقط، لكن اليوم، ونحن في عامها الثاني، أصبحت مصدر أمل لآلاف المرضى”. وبفضل شبكة العلاقات التي كونتها هناء مع الصيادلة وشركات الأدوية، باتت قادرة على توفير الأدوية بشكل سريع وفعال. كما نجحت في إيصال الأدوية اللازمة للمستفيدين في جميع أنحاء مصر بسهولة ويسر، سواء عن طريق شركات الشحن، أو باستخدام سيارات الميكروباص التي تقدم خدماتها بثقة، وتقبل أجرًا مخفضًا دعمًا للمبادرة.بوست الإعلان عن المبادرةالدعم المجتمعي.. مفتاح تجاوز التحدياتفي بداية مبادرتها، واجهت هناء تحديًا كبيرًا وهو: كيف تبني الثقة بينها وبين الناس؟ ولكن الدعم المجتمعي كان أكبر عون لها.تقول هناء: “الدعم الكبير من الأهل والأصدقاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي ساعدني على تجاوز الكثير من العقبات”.ومع الوقت، نجحت هناء في بناء جسور متينة من الثقة بينها وبين الناس. تضيف بفخر: “اليوم، تصل قيمة التبرعات المقدمة للمبادرة في بعض الأحيان إلى نصف مليون جنيه، وهو ما لم أكن أتخيله يومًا. لكنها ثمرة ثقة الناس وإيمانهم بفكرة المبادرة”.مبادرة بلا تبرعات ماليةتشدد هناء على أنها لا تقبل التبرعات المالية، كونها ليست جهة مَعنية بجمع التبرعات. وتوضح أن المبادرة تعتمد على تبرعات شركات الأدوية والصيادلة، التي تقدم لها الدواء اللازم إما بالمجان أو بأسعار مخفضة. كما تشيرهناء إلى التعاون المثمر مع العديد من الجمعيات الخيرية، التي ساهمت بشكل كبير في توفير الأدوية للمستفيدين. وتؤكد ترحيبها بأي فرصة للتعاون مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تشاركها أهداف المبادرة .قصص تحمل حيـاةبين مئات القصص التي مرت على الدكتورة هناء خلال مسيرتها، تبرز قصة أب قرر تحويل ألم الفقد إلى أمل للآخرين. حيث كان يعاني ابنه من مرض نادر في الدم، وكانت تكاليف العلاج باهظة، ما دفعه للسفر للخارج لإحضار الدواء. لكن إرادة الله شاءت أن يرحل الطفل قبل إكمال رحلة علاجه. وبرغم ألم الفقد، قرر الأب التبرع بالحقن المتبقية للمبادرة، والتي بلغت قيمتها نصف مليون جنيه، لتصبح سببًا في إنقاذ حياة أطفال آخرين.ومن بين القصص الملهمة أيضًا، حكاية أب آخر خاض رحلة شاقة للعثور على علاج لابنه. وعندما وجده أخيرًا، اشترى كمية كبيرة من العلاج، لكنه لم يحتفظ بها كلها، بل خصص جزءًا منها للمبادرة، إيمانًا منه بأهمية دعم الآخرين.تصف الدكتورة هناء هذه المواقف بأنها أكثر من مجرد لفتات إنسانية، بل هي شهادة على تحول المبادرة إلى رسالة حياة حقيقة. ورغم التحديات، تُلهمها هذه القصص للمضي قدمًا بثبات وإصرار.كما أنها أصبحت تتلقى يوميًا رسائل من المرضى وأسرهم يشكرونها على مبادرتها، التي أصبحت بارقة أمل للكثيرين ممن أعياهم البحث عن الدواء. المبادرة تعبر الحدودمع كل تطور جديد تشهده المبادرة، تؤمن هناء أن الأمر تجاوز مجهودها الشخصي ليصبح فضلًا خالصًا من الله. تقول: “أحيانًا تحدث أشياء لم أكن أتوقعها أبدًا. اليوم، أشعر أن المبادرة تقف على أعتاب التحول إلى مشروع قومي يخدم مرضى السرطان في كل مكان.”تكشف هناء، إن المبادرة لم تعد مقتصرة على حدود مصر، بل وصلت إلى دول عربية عديدة، حيث تواصلت مع المبادرة حالات من خارج مصر ترغب في الحصول على الأدوية بأسعار مخفضة. تضيف هناء: “هذا التوسع يعزز فكرة السياحة العلاجية في مصر. فالمرضى الذين يأتون من الخارج للحصول على الأدوية يقضون بضعة أيام للتنزه وزيارة الأماكن السياحية، مما يُسهم في تنشيط السياحة بشكل كبير”.رسالة حب ووفـاءوفي ختام حديثها، وجهت هناء رسالة مؤثرة إلى والدها الراحل قائلة: “شكرًا لأنك كنت الدافع وراء كل ما حققته. ومساعدتي للمرضى، هي رسالة حب ووفاء لذكراك.” وأضافت: “فقدان والدي كان البداية، واليوم أعيش لأجل كل مريض يحتاجني. إنها رسالتي التي لن أتوقف عن تأديتها.”منصة أمل لملايين المرضيتستقبل هناء طلبات المرضى عبر صفحتها على فيسبوك، حيث يتم التواصل مباشرة مع الحالات التي تحتاج إلى الأدوية، لتكون تلك الصفحة حلقة وصل بينها والمرضى الذين يواجهون تحديات علاج السرطان.وفي النهاية، تظل مبادرة “هتلاقي دواك” مثالًا حيًا على كيفية تحويل الألم إلى أمل، وكيف يمكن للفرد أن يترك أثرًا عميقًا في حياة الآخرين، حتى بعد فقدان أغلى ما يملك. هناء أبو طالب، التي حولت حزنها إلى رسالة إنسانية نبيلة، تسعى بكل جهدها إلى توسيع نطاق مبادرتها، وزيادة عدد المستفيدين منها. فهل ستحقق حلمها في تخفيف معاناة مرضى السرطان؟ وهل ستتحول مبادرتها إلى مشروع قومي كما تطمح؟ المستقبل يحمل لنا الكثير من الأجوبة، لكن المؤكد أن قصة هناء ستبقى مصدر إلهام لكل من يؤمن بأن الإرادة يمكن أن تصنع المعجزات.