بينما يشاهد العالم فيديوهات خروج آلاف المعتقلين من سجن صيدنايا العسكري، لم تكتمل الفرحة عند جميع أهالي الناجين. فقد خرج بعض المعتقلين في حالة نفسية يُرثى لها. فبعضهم فقد الذاكرة نتيجة العنف والتعذيب، وبعضهم فقد قدرته على الاستيعاب، ولم يعد قادراً على التواصل مع الآخرين بشكلٍ سليم.
ومنذ بدء إخراج المعتقلين من سجون النظام السوري عقب هروب بشار الأسد، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تغص بفيديوهات لأشخاص ظهرت عليهم علامات اضطرابات نفسية وعقلية خلّفتها سنوات الاعتقال الطويلة.
من بين الأشخاص الذين تم تحريرهم من هذه السجون، شخص في منتصف العمر تعمَّد الابتعاد عن الأشخاص واختبأ تحت سيارة. يُظهر مقطع فيديو مأخوذ له محاولات مَن حوله لفهم تحركاته وسؤاله عن اسمه ومدينته، إلا أنه اكتفى بالصمت وبإلقاء نظرات ذهول يميناً وشمالاً.
وفي مقطع فيديو لمعتقل من الأردن يدعى أسامة البطاينة، لم يستطع الإجابة عن سؤال الأشخاص عن اسمه بعد خروجه من السجن. واكتفى بتناول بعض رقائق الشيبس المقدمة له.
وكشفت شهادات الناجين أن الاضطرابات النفسية لدى بعض السجناء ترجع إلى طرق التعذيب المروعة المُستخدمة من قبل السجانين، سواء خلال التحقيق مع المعتقل في أول فترات اعتقاله لانتزاع اعترافات منه، أو حتّى بعد نقله إلى السجون السياسية الأكثر دموية.
ووفق شهادات الناجين، فإن أفرع المخابرات السورية تقوم على الترهيب النفسي قبل الجسدي، حيث يتم تعذيب بعض المعتقلين أمام الآخرين. إضافة إلى الحالة المزرية لأشكال الزنازين وضيق مساحتها وحشر أعداد كبيرة من المعتقلين فيها وذلك للتأثير على الحالة النفسية للمعتقلين.
لذلك، يلجأ الناشطون إلى تصوير المعتقلين ذوي الحالات النفسية المتدهورة وفاقدي الذاكرة من أجل نشر فيديوهاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ليتيحوا لأفراد أسرهم التعرف عليهم والوصول إليهم لاحقاً.
ونشر الناشط قتيبة ياسين على صفحته في موقع “اكس” رسالة وصلته من أحد الأشخاص بأنه استطاع من خلال هذه المقاطع التعرف على ابن عمه المعتقل في سجن صيدنايا، مشيراً إلى أن المعتقل كان مربوطاً بحبل من يده ويجره شخص آخر بسبب فقدان الذاكرة.
هذا الرجل هو واحد من 2000 معتقل تم الإفراج عنهم صباح سقوط النظام السوري، وذلك وفقاً لفضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان. ومن المتوقع أن هناك 11 ألفاً من المعتقلين قتلوا في صيدنايا منذ بدء الاحتجاجات حتى الآن.
وفي صباح الإثنين، وصلت سيارة إلى حلب فيها سجين سابق من صيدنايا. ولأنه لم يكن فاقداً للذاكرة، تجمهر حوله أشخاص يحملون صوراً لأقارب لهم فقدوهم في صيدنايا، يعرضونها عليه على أمل أن يكون لديه أخبار عنهم