11:58 م – الأربعاء 15 يناير 2025
إنسان دينيسوفان
كتب
شيماء حلمي
تمكن العلماء من إعادة بناء وجه أحد أسلاف البشر المفقودين منذ زمن طويل والذي ربما لعب دورًا حاسمًا في تطورنا.
وقالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية إن العلماء استخدموا جمجمة هاربين، المعروفة أيضًا باسم “رجل التنين”، وهي جمجمة بشرية كاملة تقريبًا عمرها 150 ألف عام تم اكتشافها في الصين عام 1933. استخدم الفنان جون جورش الحفريات والبيانات الوراثية من الأنواع المنقرضة لإعادة إنشاء نسخ بلاستيكية من البقايا. وقام بتقدير السمات الوجهية للإنسان القديم باستخدام نسبة حجم العين إلى المقبس المشتركة بين القِرَدة الأفريقية والإنسان الحديث، وبقياس جوانب بنية عظام الجمجمة لتحديد شكل وحجم الأنف. وبعد ذلك، قام جورش بوضع طبقة من العضلات على الوجه من خلال تتبع العلامات الموجودة على الجمجمة والتي خلفتها عملية المضغ، ليكشف بذلك عن أول نظرة حقيقية على “إنسان غير معروف”. عاش هذا النوع، الذي أطلق عليه اسم “دينيسوفا” نسبة إلى الكهف الذي عُثر فيه على بعض بقاياه، منذ ما بين 200 ألف و25 ألف عام. توبيان نسخة من إنسان دينيسوفان وتُظهر سجلاتهم الأحفورية والحمض النووي أنهم عاشوا على هضبة التبت، لكنهم سافروا على نطاق واسع، حيث تم العثور على آثار لوجودهم في جنوب شرق آسيا وسيبيريا وأوقيانوسيا. قام العلماء لأول مرة بتسلسل شفرتهم الجينية في عام 2010 باستخدام عظم إصبع عمره 60 ألف عام تم العثور عليه في كهف دينيسوفا في سيبيريا، ووجدوا الحمض النووي لدينيسوفا في البشر المعاصرين في جميع أنحاء العالم وخاصة في سكان بابوا غينيا الجديدة. وبحسب صحيفة “ديلي ميل”، يعد هذا دليل قوي يشير إلى أن إنسان دينيسوفا تزاوج مع الإنسان العاقل قبل أن ينقرض ، وإلى جانب إنسان نياندرتال، فإن هؤلاء البشر القدامى هم أقرب أقاربنا المنقرضين. يعتقد الباحثون أن هذا التهجين ساعد الإنسان العاقل على التكيف مع البيئات الجديدة أثناء توسيع نطاقه عبر العالم، وبالتالي لعب دورًا مهمًا في تاريخنا التطوري. وعلى الرغم من موجة الأبحاث التي جرت على مدى العقدين الماضيين، لا يزال الكثير غير معروف عن هؤلاء البشر الأوائل، حيث أن سجلهم الأحفوري ضئيل بشكل لا يصدق مقارنة بسجل إنسان ‘نياندرتال”. ولكن بفضل الجمجمة التي ظلت مخفية في شمال شرق الصين لأكثر من 80 عاما، يمكننا الآن أن نرى كيف كان يبدو أسلافنا من إنسان “دينيسوفان” في الواقع. وتم العثور على الجمجمة من قبل عامل في هاربين بالصين عام 1933. وعلى الرغم من أنها تشبه في حجمها جمجمة الإنسان الحديث، إلا أنها تتمتع بفم أوسع وحاجب أكثر بروزًا. وبعد اكتشافه لهذه الحفرية الكاملة التي يعود تاريخها إلى 150 ألف عام، قام بإخفائها داخل بئر حيث بقيت هناك طوال بقية القرن العشرين. وفي عام 2018، ظهرت الجمجمة مرة أخرى عندما أخبر العامل الصيني حفيده عنها قبل وقت قصير من وفاته. تُعرف هذه الأحفورة اليوم باسم جمجمة “هاربين”.استخدم الفنان جورش هذه الجمجمة لإنشاء نموذج واقعي لوجه دينيسوفان. يستخدم الفنانون القدماء الحفريات والبيانات الوراثية لتحديد شكل الأنواع القديمة عندما كانت على قيد الحياة، ثم يقومون بإنشاء نماذج أو رسوم توضيحية لمظهرها. اشتهر جورش بمنحوتاته شديدة الواقعية وهدفه دائمًا هو الاقتراب قدر الإمكان “النظر في عيون هذه الأنواع المنقرضة”، كما قال لمجلة ناشيونال جيوجرافيك. واستخدم نسخة بلاستيكية من جمجمة هاربين، بناءً على طلب ناشيونال جيوجرافيك، لبدء صنع نموذج دينيسوفان الخاص به. وبعد ذلك، قام جورش بتقدير حجم عيون إنسان دينيسوفان باستخدام التشريح المقارن، وهي عملية مقارنة وتباين تشريح الأنواع المختلفة. كان يعلم أن القِرَدة الأفريقية والبشر يشتركون في نسبة مماثلة من قطر كرة العين إلى حجم مقبس العين، لذلك استخدم هذه النسبة لنحت العيون. أما بالنسبة للأنف، فقد درس جورش بعناية بنية عظام جمجمة هاربين وقام بقياسها بعناية لاستنتاج مدى اتساع غضروف الأنف، ومدى بروز الأنف عن الوجه. تحمل جميع الجماجم البشرية علامات تشير إلى موضع عضلات المضغ على جانبي الرأس، لذلك استخدمها بالإضافة إلى قياسات أخرى تشير إلى سمكها من أجل بناء شكل وجه دينيسوفان. النتيجة النهائية هي تقديم واقعي مدعوم علميًا لمظهر هذا الإنسان القديم، مما يوفر النظرة الأكثر واقعية لأسلاف إنسان دينيسوفان حتى الآن.لا يزال نسب جمجمة هاربين اليوم موضع جدل، إذ لا يوجد دليل وراثي قاطع يؤكد النوع الذي تنتمي إليه. لكن الخبراء يعتقدون أن هناك احتمالا قويًا أن الجمجمة تعود إلى إنسان دينيسوفان. الدليل الأساسي الذي يدعم هذا الرأي هو التشابه الشكلي بين جمجمة هاربين وعظم الفك الذي عثر عليه في كهف شياخه على هضبة التبت في عام 1980. على الرغم من أن الفك الذي يعود تاريخه إلى 160 ألف عام والذي تم العثور عليه قبل 45 عامًا لم يحتوي على أي آثار قابلة للحياة من المواد الوراثية، فقد تمكن العلماء من تحديد نسبه في عام 2016 باستخدام تقنية جديدة تحلل الحمض النووي للحفرية بشكل غير مباشر من خلال بروتيناتها الأطول عمرًا. وكشف هذا التحليل أن عظم الفك يعود إلى إنسان دينيسوفان، وأن تشابهه مع جمجمة هاربين يشير إلى أن الأحفورة على الأرجح تعود إلى إنسان دينيسوفان أيضًا. علاوة على ذلك، تم العثور على الجمجمة ضمن النطاق الجغرافي المعروف لإنسان دينيسوفا، ويرجع تاريخها إلى عمر مماثل. وبناءً على هذه الأدلة، يعتقد بعض الخبراء أن جمجمة “هاربين” هي أحفورة دينيسوفان الأكثر اكتمالاً على الإطلاق. ورغم أن هذه النظرة الجديدة على وجه إنسان دينيسوفان تمثل قفزة كبيرة إلى الأمام في فهم العلماء لهذا النوع البشري المنقرض، فإن الكشف عن كيفية تمكنهم من السفر آلاف الأميال عبر العالم، ولماذا اختفوا، سيتطلب المزيد من الحفريات.