06:00 م – السبت 15 مارس 2025
جامع السلطان حسن
تفتخر مصر الإسلامية بمسجد ومدرسة السلطان حسن، الذي يُعد جوهرة العمارة المملوكية وأحد أكثر معالم القاهرة الإسلامية تناسقًا وإبداعًا. يتميز المسجد بضخامته ودقة تفاصيله، حيث تتجلى براعة الحفر في الزخارف الحجرية والمدخل المزخرف بالمقرنصات الفريدة، إلى جانب روعة صناعة الرخام في المحاريب والمنابر والكسوات الداخلية، فضلاً عن دقة النجارة العربية التي تظهر بوضوح في كرسي السورة بالقبة.
رمز معمارى على العملة المصرية: يُجسد وجود مسجد السلطان حسن على فئة الـ 100 جنيه المصرية مدى أهميته الفنية والتاريخية، حيث وصفه المؤرخ المقريزي بأنه أعظم من إيوان كسرى، بينما أشار المستشرق لوبون إلى أنه يفوق حجم كنيسة نوتردام في باريس، واعتبره جومار، في كتاب “وصف مصر”، من أروع مباني القاهرة الإسلامية، مؤكدًا أنه يستحق الصدارة بين الأعمال المعمارية الإسلامية. السلطان حسن: القائد الغامض السلطان حسن بن محمد الناصر بن قلاوون، وُلد عام 735هـ (1334م) باسم “قماري”، وتولى الحكم للمرة الأولى عام 748هـ (1347م) وهو في الثالثة عشرة من عمره، لكن الأمراء تآمروا عليه وعزلوه عام 1351م. عاد إلى الحكم عام 1354م، حيث بسط نفوذه بقوة، لكنه لقي نهاية غامضة، إذ لم يُعثر على جثمانه، ولم يُدفن في الضريح الذي أُعد له داخل المسجد.موقع استراتيجي وتخطيط فريد:يقع المسجد في ميدان القلعة بحي الخليفة، مقابل “باب العزب”، وقد شُيد ليجمع بين دور المسجد والمدرسة التي تُدرس فيها المذاهب الفقهية الأربعة. بدأ البناء عام 757هـ (1356م) واستغرق سبع سنوات، لكنه اكتمل بعد مقتل السلطان حسن عام 1363م. يتبع المسجد تخطيط المدارس ذات الشكل المتعامد، حيث يضم صحنًا مكشوفًا تتوسطه فوارة وضوء تعلوها قبة خشبية محمولة على ثمانية أعمدة رخامية. تحيط بالصحن أربعة إيوانات ضخمة، أكبرها إيوان القبلة، ويحيط بها مدارس لتدريس الفقه المالكي، الحنفي، الشافعي، والحنبلي، بالإضافة إلى مساكن للطلاب تمتد لعدة طوابق بارتفاع المسجد. واجهات شاهقة وزخارف دقيقة: يتميز المسجد بواجهاته الضخمة المصنوعة من الحجارة، والمزينة بتجاويف رأسية تضم نوافذ سفلية من البرونز، بينما تعلوها قندليات جصية بزجاج ملون. الواجهة الشمالية الشرقية، المطلة على شارع محمد علي، هي الأبرز، حيث يصل ارتفاعها إلى 37.7 مترًا وتضم المدخل الرئيسي الذي يُعد من أعظم مداخل العمارة الإسلامية. أما الواجهة الجنوبية الشرقية فتضم مئذنتين، الأولى بُنيت في عهد السلطان حسن بارتفاع 81.6 متر، بينما تم تجديد الثانية بعد سقوط الأصلية عام 1695م. وتطل الواجهة الجنوبية الغربية على شارع المظفر، حيث نوافذ مدرستي الحنفية والحنابلة، بينما تحوي الواجهة الشمالية الغربية ملحقات المدرسة ودورات المياه والساقية. تحفة معمارية عبر العصور: لم يكن مسجد ومدرسة السلطان حسن مجرد صرح ديني وتعليمي، بل هو نموذج يعكس أوج ازدهار العمارة المملوكية. وعلى الرغم من مرور قرون، لا يزال هذا المعلم شامخًا، يروي قصة سلطان لم يُعثر على جثمانه، لكن اسمه ظل خالدًا عبر الزمن بفضل هذا البناء العظيم.