11:15 م – السبت 15 مارس 2025
كتب
شيماء حلمي
كشفت دراسة جديدة عن أن الحياة على الأرض ربما بدأت بفضل “البرق الصغير” الناتج عن سقوط الشلالات وأمواج المحيط.
تتولد شرارات صغيرة جدًا عندما تصطدم قطرات الماء الناتجة عن الأمواج المتلاطمة وتتكسر. وقام علماء من جامعة ستانفورد بإنشاء شحنات كهربائية مجهرية في أحد المختبرات وخلطوها مع الغازات الموجودة في الغلاف الجوي المبكر. وشكلت هذه التركيبة سلاسل من الذرات العضوية “الجزيئات”، بما في ذلك اللبنات الأساسية للحمض النووي. حتى الآن، كان العلماء يعتقدون أن عددًا لا يحصى من ضربات البرق من أقدم السحب فوق سطح الأرض أنتجت الكهرباء اللازمة لحدث خلق الحياة منذ حوالي 3.5 مليار سنة. كانت فرضية ميلر-يوري التي طرحت منذ عقد من الزمان تعاني من الكثير من العيوب، بما في ذلك حقيقة أن البرق يحدث بشكل نادر للغاية، مما يجعل من الصعب على العلماء تصديق أن هناك ما يكفي من الضربات لتوفير الطاقة التي تمنح الحياة للمحيط بأكمله. لكن نظرية “الضوء الصغير” الجديدة تفتح الباب أمام حدوث هذه التفاعلات الكيميائية طوال الوقت وفي كل مكان كان فيه الماء على الأرض ما قبل التاريخ. وقال البروفيسور ريتشارد زاري، من كلية العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد: “على الأرض المبكرة، كانت هناك رذاذ الماء في كل مكان – في الشقوق أو ضد الصخور، ويمكن أن تتراكم وتحدث هذا التفاعل الكيميائي”. وخلصت دراسات سابقة إلى أن الغلاف الجوي المبكر للأرض ربما احتوى على مجموعة من المواد الكيميائية المختلفة، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون “CO₂”، والنيتروجين “N₂”، والميثان، والأمونيا، والهيدروجين. وأشارت بعض هذه الأبحاث إلى أن الغلاف الجوي كان عبارة عن خليط من ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين في معظمه مع كمية أقل من الميثان والأمونيا. ويتضمن ذلك فرضية ميلر-يوري التي وضعها الكيميائيان الأمريكيان ستانلي ميلر وهارولد يوري عام 1952. وبعد مرور أكثر من 70 عامًا، اكتشف فريق زاري أن إحدى المواد العضوية المتكونة بواسطة البرق الصغير كانت اليوراسيل – وهو جزيء عضوي يحتوي على روابط كربون-نيتروجين.وأشار زاري إلى أن الروابط بين الكربون والنيتروجين تشكل عنصرًا أساسيًا في المركبات التي تشكل الكائنات الحية اليوم، بما في ذلك البروتينات والإنزيمات والكلوروفيل. يعتبر اليوراسيل أحد المكونات الرئيسية لكل من الحمض النووي DNA والحمض النووي الريبوزي RNA، وهما المخططان اللذان يحملان جميع معلوماتك الجينية. على وجه التحديد، يعتبر اليوراسيل أحد القواعد النوكليوتيدية الأربعة الموجودة في الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين “RNA”، وهي المادة الوراثية أحادية السلسلة والتي تعمل كمساعدين جزيئيين للحمض النووي DNA. وفي الوقت نفسه، فإن الحمض النووي هو عبارة عن دوامة مزدوجة السلسلة من المادة الوراثية التي تحمل التعليمات لجميع خلايا الجسم للعمل. ويبدو أن العثور على اللبنات الأساسية للحياة بعد هذه العملية غير العادية يثبت أن الأمر لم يكن على الأرجح صاعقة أو نيزكًا أدى إلى ترسب المواد العضوية على الأرض منذ أكثر من ثلاثة مليارات عام – بل كان ذلك في الماء طوال الوقت. إذن، من أين جاءت الكهرباء في مياه ما قبل التاريخ؟ اكتشف زاري وفريقه أنواعًا مختلفة من الشحنات التي تكوّنت عند تفتيت الماء بواسطة رذاذ أو رشّة. على وجه التحديد، غالبًا ما تحمل القطرات الأكبر شحنة موجبة، في حين تحمل القطرات الصغيرة جدًا شحنة سالبة. عادةً، تحتوي جميع ذرات الماء على نفس عدد البروتونات والإلكترونات. إلا أن اختلاف الشحنات ناتج عن فقدان أو اكتساب الماء المتناثر لأعداد متفاوتة من الإلكترونات أثناء تحوله إلى قطرات صغيرة. ببساطة، عندما تصطدم موجة بالشاطئ أو تتساقط قطرات الماء من شلال، تفقد جزيئات الماء الإلكترونات “تصبح مشحونة إيجابيا” أو تكتسب الإلكترونات “تصبح مشحونة سلبيًا حيث تنقسم إلى قطرات أصغر. واستخدمت الدراسة الجديدة، التي نشرت في مجلة “Science Advances”، كاميرات عالية السرعة للكشف عن شرارات كهربائية عندما اقتربت قطرتان مشحونتان بشكل متعاكس من بعضهما البعض – مما أدى إلى ظهور البرق الصغير. وأضاف زاري أنه على الرغم من أن الشرر لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، إلا أنه يحمل الكثير من الطاقة. وفي إحدى التجارب، أدى إرسال رذاذ من الماء إلى خليط من غازات النيتروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون والأمونيا إلى إنتاج ثلاثة مركبات عضوية. وتشمل هذه المواد سيانيد الهيدروجين، وحمض أميني يسمى الجلايسين، واليوراسيل. وقال زاري “نحن عادة نفكر في الماء على أنه شيء حميد، ولكن عندما ينقسم في شكل قطرات صغيرة، يصبح الماء شديد التفاعل”، مضيفا أن الأمواج المتلاطمة أو الشلالات تبدو وكأنها الأصول الحقيقية للحياة.