قبل الخُيوط الأولى ليوم جديد، تمضي نسوة بسلالهن القصبية، يُسابقن الشمس في طلوعها، يخترقن الحُقول التي اكتست حلة بنفسجية بحذر شديد، وتمددن أياديهن بحذر أشد، نحو أزهار لم تتفتح بعد، لتقطفنها وتعدن من حيث أتين.
وفي مهمة دقيقة، تمضي نسوة منطقة “تاليوين” جنوب الممكلة المغربية، بخطوات ثابتة لجمع أزهار الزعفران، في عملية لا يجب أن تتجاوز الساعات الثلاث، كما يُمنع أن تستمر إلى ما بعد طلوع الشمس.العناية الكبيرة التي تواكب عملية جني الزعفران، تعكس قيمته الكبيرة، سواء على المستوى الصحي والغذائي، أو حتى على مستوى قيمته المالية، ما يجعله بحق “الذهب الأحمر ذو المنافع السحرية”.مهمة دقيقةجني الزعفران وتحضيره، ليس بالمهمة الهينة، فقطف تلك الأزهار الصغيرة يتطلب عناية ومهنية كبيرة، وشروطاً أكثر دقة.لا يُجنى الزعفران إلا قبل طلوع الشمس، إذ إن سطوع الشمس وتفتح أزهاره، يجعلاه شاحباً أقل جودة، بالمقارنة مع نظيره الذي جُني قبل تفتح الأزهار.لكن قبل قطف هذه الأزهار في نوفمبر/تشرين الثاني من كُل سنة، تسبقه عملية أخرى تبدأ مع يوليو/تموز وتستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول، وفيها يتم زرع بصيلات الزعفران وسقيها بشكل سطحي ثم مباشر.
هذه العملية، تعقبها مواكبة وعناية كبيرة لنمو هذه الزهرة، إلى أن تُزهر وتظهر خُيوطها آجورية اللون، لتنتهي معها مُهمة الرجال، مُعلنة بداية المرحلة الثانية التي لا تُتقنها سوى نسوة المنطقة.ما بين أواخر أكتوبر /تشرين الأول، وحتى نوفمر/تشرين الثاني، تبدأ عملية قطف الزعفران، بحسب درجة نُضجه، إذ يُجمع ويوضع في سلال قصبية، لتبدأ النسوة عملية فرز خصلات الزعفران الرقيقة عن الزهرة البنفسجية.وتؤخذ الزهرة من الأساس ما بين إبهام وسبابة اليد وتقطع بواسطة الأظافر، لتنقل إلى منزل خاص، وهناك، وبعد فصل النساء يدوياً لشعيرات الزعفران عن الزهرة، يتم تجفيفها في درجة حرارة مرتفعة أو في الظل، وتغليفها لتصبح جاهزة لسلك طريقها نحو الأسواق المحلية والعالمية.
ثمن باهظفي قنينات زُجاجية صغيرة، تتراص شُعيرات الزعفران الذهبية، لا تتجاوز كتلها الجرامات الثلاث في أحسن الحالات، لكن ثمنها قد يتراوح ما بين 3 ر5 دولارات للجرام الواحد، فيما يبدأ ثمن الكيلوجرام من ثلاثة آلاف دولار، وقد يصل إلى أضعاف ذلك إذا تم تصديره.ارتفاع ثمن الزعفران الحر أو “الذهب الأحمر”، كما يحلو للمولعين به تسميته، لا يرجع إلى فوائده السحرية فقط، بل يعود أساساً إلى تعقيد عملية جنيه وإعداده، ناهيك عن المهارة العالية التي تتطلبها تلك العملية.ففي أعقاب عملية القطف، يتم فرز الخصلات يدوياً بالكامل، ليتم تجفيفه فيما بعد، وهُنا يفقد حوالي 80% من وزنه.عملية التجفيف وما يواكبها من فُقدان للوزن، تجعل إنتاج جرام واحد من الزعفران الصالح للاستهلاك، يُكلف حوالي 150 زهرة.
فيما تتطلب عملية إنتاج نصف كيلوجرام من الزعفران الحر، زراعة ما لا يقل عن 70 ألف زهرة.وبالتالي فإن الحصول على جرام واحد من الزعفران الحُر قد يكلف أكثر من 5 جرامات من خصلات الزعفران، وأضعاف مضاعفة من الأزهار.فوائدوإلى جانب لمسته السحرية في الأطباق المغربية، والتي جعلت منه “ملك التوابل”، يبقى للزعفران فوائد صحية جمّة، تجعل من وجوده أمراً لا غنى عنه في المنازل المغربية.ولاحتوائه على العديد من مضادات الأكسدة، يبقى الزعفران من أهم المواد المضادة للسرطان، والمستخدمة في الوقاية منه.وكذلك مذاقه الذي يُساعد على الإحساس بالشبع، يجعل من الزعفران صديقاً حميماً لعشاق الحميات الغذائية، خاصة أولئك الذين يخافون على أوزانهم من الارتفاع.ولا تنحصر فوائد الزعفران هنا، بل يُستعمل كمهدئ سواء لآلام الدورة الشهرية، أو توترات الحياة اليومية.