يشهد العالم استقطابات سياسية واضطرابات واختلالات عامة على مستويات عالية. وتظهر وسط هذه الدوامة آراء قلقة على الديمقراطية، وترفض التقليل من قيمة التصويت الشعبي في الانتخابات. يناقش هذا الكتاب أن التصويت هو سعي جماعي مشترك يحمي المجتمع الحر ويساعده على تحقيق الحكم الرشيد.
تقول الكاتبة جوليا ماسكيفكر في مقدمة كتابها: «لا يجب أن نصوت فقط إذا استطعنا – يجب أن نصوت. حتى عندما نواجه اثنين من المرشحين غير الجذابين، أو بمقترحات الاقتراع التي بالكاد نشعر بآثارها، أو مع حقيقة أن صوتنا الفردي قد لا يؤدي أبداً إلى ترجيح كفة الانتخابات، يجب علينا التصويت. علينا واجب أخلاقي للتصويت بعناية عندما يأتي ذلك بتكلفة بسيطة للغاية».
تجادل المنظرة والفيلسوفة السياسية ماسكيفكر، بأن أولئك الذين يحالفهم الحظ في العيش في مجتمعات ديمقراطية مع قادة منتخبين بحرية، يشتركون جميعاً، ببساطة، في التزام أخلاقي بالتصويت. يضيف هذا الكتاب منظوراً جديداً إلى أدب أخلاقيات التصويت، الذي تهيمن عليه الآراء التي ترفض أخلاقيات وعقلانية التصويت. يؤكد منطق ماسكيفكر أن واجب التصويت هو «واجب السعي المشترك»، الذي يساعد المجتمع على تحقيق الحكم الرشيد. وهي تقارن التصويت بالعدالة السامرية (نسبة إلى الطائفة السامرية)، لتظهر أن نفس واجب المساعدة الذي من شأنه أن يجبرنا على مساعدة شخص غريب محتاج، يلزمنا أيضاً بالتصويت لإنقاذ أنفسنا من الظلم على أيدي القادة السيئين أو حتى الأشرار.
يستكشف الكتاب كذلك قضايا عدم كفاءة الناخبين، وكيف يمكن التغلب جزئياً على جهل الرأي العام من خلال الإصلاح السياسي. وترى الكاتبة أنه على الرغم من أن التصويت غير المستنير قد يؤدي إلى سوء الإدارة، فإن التصويت بحكمة يمكن أن يكون تحقيق طريق فعال لتحقيق العدالة.
التصويت بين الواجب واللامبالاة
تذكر الكاتبة في بداية هذا العمل أن الأوساط الشعبية تقول إن التصويت حرية يحق للمواطنين في العالم ممارستها أو عدم ممارستها. وتضيف: «من الشائع أن تصادف الاعتقاد بأن الديمقراطية تمنحنا الحرية في «إسماع صوتنا»، ولكن إذا كانت الديمقراطية توفر لنا هذه الحرية – كما يقول المنطق – فإنها تقدم لنا أيضاً الحرية في عدم الاهتمام بأن نُسمع. بعبارة أخرى، الجانب الآخر من حق التصويت هو الحق في عدم التصويت، وذلك في حالة إذا كان المرء لا يرغب في المشاركة في السياسة. يشبه هذا الأمر الأساس المنطقي الكامن وراء حقوق حرية التعبير. يتمتع المرء بحرية التعبير عن آرائه دون خوف من العقاب، لكن حرية التعبير عن أذهاننا بالتأكيد لا تعني أنه يجب علينا القيام بذلك. قد نفضل فقط التزام الصمت. من وجهة النظر هذه للحقوق، لا يمكن لحرية فعل شيء ما، تحت وطأة عدم الاتساق، أن تعني واجباً لفعل الشيء نفسه، ومع ذلك، من الممكن أن تستتبع الحرية واجباً دون المخاطرة بالتناقض. على سبيل المثال، إذا كان التعبير عن آرائك لن يؤذيك أو يؤذي أحبائك، ألا يجب عليك التحدث ضد الظلم المتفشي عندما ترى أنه يؤثر في من حولك؟ لا ينبغي لأحد أن يعاقبك على عدم التحدث ناهيك عن الحكومة – ولكن أليس لديك واجب + الضمير لاستخدام حقك لغرض أخلاقي مهم عندما لا يكلفك ذلك كثيراً؟ هذه هي الفكرة التي يدافع عنها هذا الكتاب».
ترى المؤلفة أنه «علينا واجب أخلاقي في التصويت بعناية من أجل مساعدة المجتمع عندما لا يكلفنا ذلك كثيراً» وتقول: «ما يشغلني ليس تبرير واجب قانوني للتصويت، كما هو الحال في أنظمة التصويت الإجباري. ومع ذلك، فإن هدفي هو القول بأننا ملزمون بواجب أخلاقي للتصويت من أجل مساعدة المجتمع على منع الظلم وضمان الحكم الرشيد بشكل لائق. يمكن تحقيق هذا الأخير، جزئياً، إذا نجح الناخبون في انتخاب حكومات عادلة وصوتت ضد الحكومات الفاسدة أو غير الكفؤة. إن تصويت لانتخاب الحكومات ليس كل ما في العدالة، وهذا الكتاب لا يدعي إظهار حكمة أخرى. ومع ذلك، علينا أن نبدأ من مكان ما. يبدو أن التصويت هو عمل ديمقراطي أساسي لأن الانتخابات تثبت الحكومات التي تفهم الشعب على أنها مجموعة من الممثلين الذين سيشغلون مناصب السلطة السياسية في المجتمع خلال فترة زمنية معينة. وتقوم الحكومات بدورها بسن سياسات يمكن أن يكون لها تأثير هائل على وصول الناس إلى الأمور الأساسية مثل الأمن والاستقرار الاقتصادي والتعليم والسلام والرعاية الصحية وغيرها». باختصار «يمكن للحكومات أن تعزز العدالة أو تعرقلها من خلال أفعالها وكذلك من خلال فشلها في التصرف».
وتضيف: «على الرغم من الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن الانتخابات وضعت الحكومات في مكانها الصحيح، إلا أن التصويت اكتسب هالة من الشك العميق مؤخراً. من الشائع سماع شكاوى حول ضعف قدرة المواطنين على اتخاذ قرارات جيدة في صناديق الاقتراع، ويبدو أن العالم يشهد موجة مثيرة للقلق من خيبة الأمل من الديمقراطية. قد يستجيب هذا الشعور إلى حقيقة أن الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، في السنوات الأخيرة، شهدت صعود حركات شعبوية قوية مناهضة للديمقراطية، ويبدو أن العديد منها يقود مجتمعاتها إلى مآزق ضارة. في مواجهة هذا الاتجاه، قد يعتقد البعض أنه من المناسب التشكيك في قوة الانتخابات لحماية القيم الليبرالية والديمقراطية العزيزة. بعد كل شيء، ألا يمنح الناخبون هذه الحركات المناهضة للديمقراطية فرصة للفوز والارتقاء إلى مقر السلطة؟».
التصويت كوسيلة لتحقيق العدالة
ترى المؤلفة في الفصلين الأوليين أنه «من الشائع بين بعض علماء السياسة والفلاسفة الصاخبين اليوم سماع مخاوف بشأن عدم كفاءة الناخبين، وهو ما يُزعم أنه يفسر لماذا تقف الديمقراطية على أرضية متزعزعة في العديد من الأماكن. على سبيل المثال، يجادل كتاب جايسون برينان بعنوان «ضد الديمقراطية» الصادر في عام 2017 بأن الانتخابات تمنح صوتاً للجهل والمتحيزين، ما يقوض القيم التي تسعى الديمقراطية إلى دعمها، مثل العدالة والحرية. ويقترح كتاب «الديمقراطية والجهل السياسي» الصادر عن إيليا سومان الصادر في عام 2013 أن يتم استبدال التصويت في صناديق الاقتراع بحكم الواقع ب «التصويت بالقدم» – أي قدرة المواطنين على اختيار الولاية القضائية التي يعيشون فيها للتأثير على الحكومة بشكل مباشر ومواجهة سلطة الأغلبية غير المطلعة. تتشابه معالجات التشاؤم الأخرى للحكم الديمقراطي في استنتاجاتهم حول مستقبل الديمقراطية على أساس القدرات المدنية المنخفضة للناخب العادي.
يقدم الكتاب حجة للتفكير في التصويت كوسيلة لتحقيق العدالة، وليس تهديداً متناقضاً له، وفيه، وتستكشف المؤلفة سؤالين: هل من واجب الناس التصويت، وإذا كان الأمر كذلك، فهل من واجبهم التصويت بعناية؟ المناقشة المركزية في الكتاب هي أن واجب العدالة الطبيعي يتطلب من الناخبين اكتساب الحد الأدنى من الكفاءة المعرفية والتصويت بإحساس بالصالح العام من أجل دعم الحكم العادل. «صحيح أن العديد من الحكومات التي نعتبرها ناقصة أو غير عادلة حول العالم قد تكون نتيجة جزئية للتصويت غير الكفء أو غير الأخلاقي. ولكن على نفس المنوال، فإن الكثير منها هو نتيجة جزئية لامبالاة الناخب، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات المشاركة وعدم الاهتمام بما يمكن أن تحققه الانتخابات للمجتمع وأفراده. إن الفكرة القائلة بأن الناخبين غير الأكفاء وغير المطلعين وذوي النوايا السيئة هم وحدهم الذين يقررون نتيجة انتخابية سيئة هو شبيه بالاعتقاد بأن عدد حوادث السيارات التي تورطت فيها السيارة هو فقط الذي يحدد مدى سرعة تدهورها على مر السنين. في الواقع، يؤدي فشل المالك في صيانة السيارة بين الحين والآخر دوراً في التسبب بتعطل السيارة».
تشير المؤلفة أيضاً إلى أن التصويت بمعلومات كافية وإحساس بالصالح العام هو تكلفة معقولة وغير بطولية لتتوقع من الناخبين تحقيقها في مواجهة الفوائد التي يمكن أن تحققها الانتخابات للمجتمع، وهي الحكومات المنصفة والعقلانية. يحتاج المجتمع إلى الإنقاذ من القادة والمسؤولين العامين المسيئين وغير المستجيبين؛ والانتخابات وحدها تزودنا بآلية لتحقيق هذا الهدف دون تكلفة باهظة علينا كناخبين.
مواجهة الاعتراضات
يتناول الفصل الثالث بعنوان «ما الذي يتطلبه التصويت بعناية؟» السؤال المتعلق بما يعنيه التصويت بحكمة. ويحدد مقدمة للتصويت المدروس الذي يركز على المبدأ الأخلاقي للحياد. تقول الكاتبة: «أفهم أن المبدأ المذكور هو التوصية بقدرة المرء على وضع نفسه في مكان الآخرين عند اتخاذ القرارات بشأن الحياة المشتركة». إلا أنها ترى «أن التصويت بحذر ينبغي أن يستتبع التصويت على أساس مبادئ لا يمكن لأي شخص أن يرفضها بشكل معقول، وذلك بالنظر إلى الهدف المتمثل في إيجاد مبادئ لتنظيم المجتمع يمكن أن تكون أساس اتفاق عام غير قسري. وهذا الفهم للتصويت بعناية لا يُقصد منه تفضيل أي مفهوم معين للعدالة أو الأيديولوجية السياسية. الخلاف المشروع على هذه الجبهة مرحب به ومتوقع في الديمقراطيات الليبرالية. ومع ذلك، يجب أن تكون هناك حدود لهذا الاتفاق».
كما يجادل الفصل أيضاً بأن منتقدي واجب التصويت لا يمنحون مصداقية كافية لتيار كبير من البحث العلمي حول سلوك الناخب الذي يقدم نظرة متفائلة لقدرات المواطن على الانخراط في السياسة بذكاء. في هذا السياق، يقترح الفصل أنه يجب علينا التركيز على اكتشاف سبب عدم اطلاع العديد من الناخبين على السياسة أو عدم اهتمامهم بها، أي التصميم الهيكلي للنظام السياسي وإعادة توزيع الدخل والثروة في المجتمع. يشير الفصل إلى أن جهل الناخبين لا يمكن عزوه فقط إلى الإخفاقات المعرفية الفردية، وهذه الحقيقة توفر الأمل في تحسين المعرفة السياسية لهم.
يستجيب الفصل الرابع بعنوان «لماذا التصويت أمر مميز؟» لإحدى أقوى الاعتراضات ضد واجب التصويت، ومفادها بأنه إذا كنا نهتم بالواجب المدني، فهناك العديد من الطرق لتكون مواطناً صالحاً بخلاف التصويت.. على سبيل المثال، يمكننا التبرع للجمعيات الخيرية، والمساعدة في معالجة المرضى، ودعم الفن، والتعليم، وغيرها. يرى هذا الفصل أنه مع وجود العديد من الطرق لفعل ذلك، فإن الصالح العام لا يعني أننا يمكن أن نفشل في الالتزامات الأساسية المطلوبة منا أخلاقياً.
ويسرد الفصل الخامس الاعتراضات الحالية ضد واجب التصويت الموجود في الأدب ويشرع في فضحها. هذه الاعتراضات، كما توضحها المؤلفة، ليست كلها جزءاً من رواية منظمة؛ بل مزيج من انتقادات متنوعة، وكثير منها شائع أيضاً في الدوائر غير الأكاديمية.
يأتي الفصل الخامس بمثابة رد على بعض الحجج العالقة والأكثر شيوعاً ضد التصويت بشكل عام. يقدم الفصل ردوداً مفصلة على اثنين من أكثر الانتقادات تأثيراً ضد واجب التصويت الذي ينبع من الأدب ومن الأوساط الشعبية. تسميهما الكاتبة «حجة اللاعقلانية» و«حجة الكمال». ترى حجة اللاعقلانية أن التصويت غير منطقي لأنه غير فعال من منظور الفرد. وتقول حجة الكمال، بدورها، أن واجب التصويت ينتهك الحرية لأنه يستلزم رؤية ضيقة لما يجعل الحياة جيدة وهذا أمر قمعي. رداً على هذين الاعتراضين، يجادل الفصل بأن التصويت أولاً ليس غير منطقي إذا أسسنا فكرتنا عن العقلانية على العقلانية الجماعية، حيث يكون لما يمكننا القيام به معاً الأولوية على ما يمكننا القيام به بمفردنا؛ وثانياً واجب التصويت لا يفترض مسبقاً تفضيلاً أخلاقياً للحياة السياسية، لأنه يمكن تبريره على أساس اعتبارات العدالة، وليس التميز في الشخصية.
الواجب صديق للحرية
تقول المؤلفة: واجب التصويت يعزز الاختيار، وليس الفضيلة الشخصية، إذا اعتبرناها مصدراً للحرية على أنها عدم سيطرة للناخبين بشكل عام. وتعلق بالقول: «الواجب صديق للحرية لأن إقبال الناخبين المرتفع يحسن التمثيل، وهو ما يشجع النخب السياسية على تلبية احتياجات جميع الناخبين بأمانة أكبر، وهذه الحقيقة تزيد من حرية الناخبين».
وتضيف: ليس مطلوباً من أحد أخلاقياً أن يكون قديساً لكن من المتوقع بالتأكيد أن نتصرف باحترام تجاه المجتمع، إذا كان بإمكاننا القيام بذلك بسهولة. يسمح لنا التصويت الدقيق والمستنير في الانتخابات العرضية بالتصرف بهذه الطريقة تماماً من خلال العمل بالتنسيق مع الآخرين لأجل مسعى مشترك.