من بين خمس اتفاقيات وقعتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية مع تركيا، الاثنين، كان لافتا منها مذكرة التفاهم حول “التعاون الاستراتيجي في مجال الإعلام”، والتي نصت في تفاصيلها على تأسيس منصة إعلامية مشتركة، في خطوة لـ”تعزيز العلاقات الإعلامية” بين الطرفين.
المذكرة التي تغيب نواة الأهداف المرجوة منها، يراها مراقبون أتراك أنها ستصب في إطار مواجهة ما توصف بـ”عمليات التضليل”، لكن آخرين ليبيين اعتبروا أنها ترتبط بأبعاد سياسية مستقبلية، لاسيما أن البلاد مقبلة على تحولات جذرية، قد لا تكون الدول الفاعلة فيها بمنأى عنها.
ومن شأن هذه المذكرة أيضا أن تزيد من عمليات التواصل والتنسيق بين الجانب التركي من جهة وحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة، عبد الحميد الدبيبة، من جهة أخرى، لا سيما أن الأخيرة تحسب لها خطواتها الجديدة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وبالتالي فهي بحاجة لفتح قنوات تواصل مع الدول التي تفتح الخطوط معها.
موقع “الحرة” تواصل مع وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية الليبي، وليد عمار اللافي، واعتذر عن المشاركة في التقرير، وقال إنه “على سفر”، حيث كان أحد المشاركين في مراسيم التوقيع على الاتفاقيات الخمس في العاصمة التركية، أنقرة.
واللافي هو الطرف الأساسي الذي وقع على مذكرة التعاون الاستراتيجي في مجال الإعلام من طرف حكومة الوحدة الوطنية، مع نظيره من الجانب التركي، رئيس دائرة الاتصالات في الجمهورية التركية، فخر الدين ألتون.
“شراكة إعلامية”
في منشور له عبر حسابه الشخصي في “فيسبوك” قال اللافي، عقب مراسيم التوقيع على الاتفاقيات، إن المنصة المشتركة التي نصت عليها مذكرة “التعاون الاستراتيجي في مجال الإعلام” تهدف إلى “تأسيس الشراكة الإعلامية الاستراتيجية من خلال التعاون في مجال الإعلام والاتصال، والوصول للنشاط الفعال في تنسيق التحرك الإعلامي لدى البلدين”.
وأضاف اللافي، الذي شغل سابقا مدير قناة “نبأ” الليبية، أن نطاق التعاون في المنصة سيكون بتبادل المعلومة والخبرة والتجربة والموارد في المجال الإعلامي، والقيام بالأعمال المشتركة بين المؤسسات الرسمية التي تنشط في المجال الإعلامي بين البلدين.
في المقابل، ذكرت وسائل إعلام مقربة من الحكومة التركية أن “مذكرة التعاون الاستراتيجي في الإعلام مدة سريانها سنة واحدة يتم تجديدها تلقائيا، بمدد مماثلة مالم يجري فسخها من أحد الطرفين”.
وأشارت الوسائل إلى أن المنصة المشتركة سيكون جزء من عملها متمثلا بتأسيس شراكات مع ممثلين إعلاميين وقطاعات مختلفة بين الطرفين.
بالإضافة إلى جزء آخر يرتبط بتنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية مشتركة، وأيضا بـ “مكافحة التضليل الإعلامي على الساحة الدولية، وإجراء أعمال مشتركة مع المؤسسات الإعلامية الرسمية في البلدين”.
“تشتت وانقسام”
منذ سنوات، تتخذ وسائل إعلام ليبية من مدينة إسطنبول التركية مقرا لها، وفي المقابل، هناك وسائل إعلام على الأرض، لكنها انقسمت سابقا ما بين وسائل تعرض رؤية الأطراف المسيطرة على الأرض، “حكومة الوفاق” في طرابلس وقوات شرق ليبيا.
وكغيرها من مناطق الحروب، شهدت ليبيا تشتتا في السياسة الإعلامية الموحدة، وهو الأمر الذي ساعد في تغذية الانقسام العسكري والسياسي، وأيضا الانقسام المجتمعي ما بين مناطق تسيطر عليها “الوفاق”، وأخرى تتبع لقوات المشير خليفة حفتر.
وتتفق أغلب الدراسات والتقارير ونشطاء المجتمع المدني على إسهام وسائل الإعلام الليبية بمختلف توجهاتها، في السنوات الماضية، في تأجيج النزاع بدلا من أن تكون وسائل للمصالحة والتوعية بالخطر الذي تتعرض له البلاد.
لذلك ومع دخول البلاد في مرحلة سياسية جديدة، قد يكون استمرار الواقع الإعلامي المفروض عقبة من شأنها أن تنعكس بالأثر السلبي على طرق المصالحة ونسيان تداعيات الصراع العسكري والسياسي.
لماذا مع تركيا؟
مع ما سبق، هناك أسئلة لا يمكن تجاهلها عن الأبعاد التي تقف وراء التعاون الاستراتيجي بين أنقرة وحكومة الوحدة الوطنية، ولماذا خرج الإعلان عنها من تركيا بدلا من دول أخرى، يرتادها الساسة الليبيون الجدد، منذ أسابيع بصورة متواترة.
الكاتب والسياسي الليبي، إبراهيم بلقاسم، يرى أن حكومة الوحدة الوطنية تسعى من خلال الشراكة مع تركيا لتطوير الإعلام الرسمي والحكومي “ليكون وسيلة اتصال بين السلطة والمواطن بشكل فعال”.
ويتابع بلقاسم في تصريحات لموقع “الحرة”: “لأن الإعلام الرسمي الليبي ما يزال بطيئا وتقليديا، ويواجه تحديات كبيرة جدا على مستوى التشريعات والقوانين وعلى مستوى الأدوات. وفي نفس الوقت له صعوبة في الاتصال”.
وعن مذكرة التعاون الاستراتيجي، يوضح بلقاسم أن “السلطة السياسية الجديدة والحكومة في ليبيا من جهة وتركيا من جهة أخرى يحاولان استنساخ التجربة التركية في ليبيا، وهي تجربة فريدة بالنسبة لليبيين”.
وفي المرحلة المقبل قد تكون “الشراكة في الإعلام” على مراحل، ويشير الكاتب الليبي: “سيحاول الطرفان تأهيل القدرات والوسائل والمؤسسات الليبية وكوادرها، من خلال تبادل الخبرات والمعرفة، كما سيحاولان تطوير الاتصال السياسي، لتكون ليبيا قادرة على تنشيط الإعلام العام الرسمي في أداء رسالته”.
“استحقاقات ومخاوف”
في مقابل التفاصيل السابقة، ركّز الكاتب الليبي على نقطة لافتة قد ترتبط بشكل أو بآخر بمذكرة “التعاون الاستراتيجي في الإعلام”.
ويقول إن “حكومة الوحدة الوطنية أمامها استحقاقات مهمة جدا في المرحلة المقبلة، بينها الانتخابات والتمهيد لها والإشراف عليها”.
لذلك تتطلب هذه الاستحقاقات حسب بلقاسم “رسالة واضحة للمواطن، تتحدد فيها توجهات السلطة وأهدافها، والسياسة العامة للحكومة، كخطوة لخلق شراكة مع المواطن”.
ولم يخف الكاتب والصحفي الليبي مخاوفه مما وصفها بعمليات “اختطاف الإعلام الرسمي والعام في ليبيا”، مضيفا “إلى حد ما ينظر له على أنه مختطف فعليا بين التيارات والتجاذبات السياسية”.
ويوضح: “عندما يذهب الإعلام في فكرة الاتصال السياسي، أعتقد في هذه المرحلة سنخرج من عملية أن يصبح الإعلام الرسمي إحدى أدوات الأطراف السياسية، ويصبح فعلا أداة مكملة للسلطة وقادرا على التعبير عن توجهاتها، ومساعدتها في الوصول لأهدافها”.
“جسر تواصل”
حسب ما رصد موقع “الحرة” على وسائل الإعلام التركية فقد اعتبر الجزء المقرب من الحكومة، في اليومين الماضيين، أن مذكرة “التعاون الاستراتيجي في الإعلام” مع حكومة الوحدة الوطنية سيكون لها تداعيات إيجابية حول “عمليات التضليل” المتعلقة بعدة ملفات ليبية.
التلفزيون الرسمي التركي (TRT) نشر تقريرا، الثلاثاء، قال فيه إن الجانبين سينشآن جسرا للتواصل بين قادة الرأي في البلدين، كما سينظمان برامج للتبادل والتدريب المهني.
ومن المقرر تعيين الطرفين لـ”لجنة عمل مشتركة” من أجل إعداد خطة تفصيلية تهدف لتشغيل المنصة الإعلامية المتفق على إطلاقها في غضون 3 أشهر، بعد دخول مذكرة التفاهم حيز التنفيذ.
وأضاف التلفزيون الحكومي “ستعقد اللجنة اجتماعات منتظمة في البلدين بالتناوب، في مواعيد معينة تحددها القنوات الدبلوماسية”.
دلالات التوقيت
الباحث في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، يشير إلى أن مذكرة التفاهم حول التعاون الاستراتيجي في مجال التعاون بين تركيا وليبيا تحمل “أهمية خاصة ولها دلالاتها في هذا التوقيت من حيث المضمون”، خصوصا بعد التأكيد على سلامة الاتفاق الموقع بين البلدين، المتعلق بترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.
ويقول عودة أوغلو، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن “تطورات العلاقات المستقبلية بين البلدين في المرحلة المقبلة بحاجة إلى التعاون المشترك للمحافظة على المصالح المشتركة بين البلدين.
ولعل عزم تركيا وليبيا إنشاء منصة إعلامية مشتركة يهدف بالمقام الأول إلى المساهمة في تعزيز العلاقات الإعلامية بين البلدين.
ويتابع الباحث التركي: “لكن الهدف الأساسي هو تبديد مخاوف الدول، التي كانت تتهم أنقرة بالتركيز على الجانب العسكري والأمني”.
وتدرك أنقرة أهمية الدور الذي لعبه الإعلام في الماضي والذي سيقوم به في المرحلة المقبلة، لذا تأتي هذه المنصة “لتشكيل جسر للتواصل بين البلدين، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى النخبوي وقادة الرأي بين البلدين”، حسب عودة أوغلو.