رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود، لا يزال الجدل مستمر حول الأسباب الحقيقية لدخول صدام حسين إلى الكويت، هل كانت خلافات شخصية أم مؤامرة أمريكية غربية معدة مسبقا بالاتفاق مع دول عربية لكبح جماح الجيش العراقي الذي حارب إيران ثمان سنوات ولم ينهزم، بل خرج منتصرا وفق موازين القوى بين الجانبين، لماذا دخل صدام حسين الكويت، ألم يكن يعلم بعواقب هذا الأمر خصوصا أن العام 1990 هو العام الذي تفكك فيه الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل ميزان القوى في العالم.
©
Photo / Iraqi Joint Operations Commandالجيش العراقي يقضي على إرهابي بارز في “داعش” في محافظة ديالى شرقي البلادبداية يقول أمين الحزب الطليعي الناصري، السفير السابق في الخارجية العراقية، الدكتورعبد الستار الجميلي، إن احتلال الكويت من قبل النظام العراقي السابق، يعد جريمة قومية ودولية في نفس الوقت، باعتبار أن العراق والكويت كلاهما جزء من الأمة العربية، وليس هناك ما يسمى، أن الكويت جزء من العراق أو العكس.
تداعيات باقية
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، القانون الدولي لا يبيح استخدام القوة واحتلال أراضي الغير بالقوة، لأن العراق والكويت كلاهما دولتان مستقلتان وعضوان في الأمم المتحدة، في نفس الوقت كان هذا الاحتلال حجة للتدخل الأمريكي والغربي بشكل واسع في العراق والوطن العربي بشكل عام، نتيجة السياسات الخاطئة للنظام السابق، حيث وجدت أمريكا في احتلال الكويت ذريعة للدخول إلى الوطن العربي من بوابته الشرقية، فقد كان الأمريكان على استعداد لدفع ملايين الدولارات على أن تعطيهم الكويت موطئ قدم على أراضيها قبل دخول العراق، وبعد 2 أغسطس/آب 1990، فإن الكويت هي التي تدفع مليارات الدولارات من أجل بقاء القوات الأمريكية في الكويت والخليج بشكل عام.
خطأ وخطيئة
وتابع أمين الحزب الطليعي، إن احتلال الكويت خطأ وخطيئة تاريخية بحق الوطن العربي، وكان المدخل لكل ما حدث من احتلالات وتدخلات في العراق والوطن العربي بشكل عام، مثلما فعلت زيارة السادات إلى القدس في العام 1979، حيث عملت تلك الزيارة على إنهاء القضية الفلسطينية بشكل كبير، كذلك أثر احتلال الكويت على الأمن القومي العربي، الذي تم اختراقه بفعل سياسات النظام العراقي السابق.
معاناة مستمرة
واستطرد: نحن كتيار قومي ناصري، منذ بداية الاحتلال وقفنا موقف جدي ضد هذا الاحتلال، و اعتبرناه جريمة دولية، والآن نعمل بشكل جوهري، من أجل إنهاء آثار تلك الجريمة من ذاكرة الشعبين العربيين الشقيقين في العراق والكويت، و بناء علاقات عربية وقومية متينة قائمة على الأخوة والمصالح المشتركة، وعدم السماح بأن يراق الدم العربي بأيد عربية، فمنذ احتلال الكويت وحتى الآن وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود تعاني المنطقة من ثمار هذا الغزو.
دوافع عراقية
من جانبه يرى الدكتور قحطان الخفاجي، نائب رئيس لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات، أنه ما كان للعراق الدخول إلى الكويت، لولا مواقف كويتية لا مسؤولة، توافق تطلعات غربية وغايات حيال العراق خاصة والمنطقة عامة، غايات تهيئ الظروف لاحتواء المكانة التي تمتع بها العراق بعد انتصاره على إيران في حربه التي استمرت 8 سنوات.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، كان العراق قد خرج من الحرب ليس منتصرا على خصم استهدف العراق فحسب، بل كان يستهدف المنطقة العربية والوحدة الإسلامية، لذلك ترسخت القناعة العربية بدور العراق، وأنه مقعد للعروبة والإسلام، ببعده الإيماني الحقيقي وليس المذهبي الذي تريده إيران ودوائر صهيونية وغربية.
وتابع الخفاجي، بعد أن حظي العراق بمكانه كبيرة بين العرب في المنطقة والوطن العربي، و زيادة ثقة الشعب العربي بالدور العراقي، توجست الصهيونية خيفة على وجودها الذي يتهدد بانتباه العرب ووعيهم لحقيقة الوجود الصهيوني وأساليبه، فكان الموقف الكويتي المتجسد بإغراق السوق العالمية النفطية، بمثابة الخطة العملية للغرب حيال العراق، لسببين أولهما، الأزمة المالية التي يمر بها العراق، الذي يئن من ديون خارجية ومن تدني عائدات النفط، والسبب الثاني، أن خاصية القدرة المالية للكويت كانت تميل لصالحهم على حساب العراق إذا ما قورنت.
سلوك كويتي
وأشار الخفاجي، إلى أن العراق أدرك السلوك الكويتي والإصرار عليه، رغم تنبيه العراق لهم في مؤتمر القمة العربية، لكن كان هناك إصرار كويتي وتأكيد لحالة التوافق مع الغرب على العراق، ولا ننسى أن الغرب وبالأخص أمريكا وبريطانيا كان قد مارس مقاطعة اقتصادية حقيقية عملية ضد العراق منذ 1989، إذ ألغيت صفقات حنطة “قمح” أمريكية، ومنعت قطع غيار بريطانية كان للعراق سبق وأن تعاقد عليها.
©
REUTERS / ESSAM AL-SUDANIالأمن العراقي يطيح بـ 3 “دواعش” بـ”ولاية كركوك”حرب باردة
وتابع الخفاجي، بالمقابل كان ملك السعودية حينها يتخابر هاتفيا مع حاكم قطر، يخبره بضرورة عدم الاكتراث بصرخات العراق، فهو منتهي، وجاءت هذه المكالمة عبر مكالمة بينهما بثت عدة مرات في إذاعة بغداد، وكان العراق قد حصل عليها، المهم كان البرنامج هو الضغط على العراق اقتصاديا حتى ينتهي، فهي إذا رغبة غربية كويتية لحرب باردة، تلك الحرب الباردة خسرها الاتحاد السوفيتي السابق، إذ انهار أمام الحلف الغربي، وهو أحد عملاقي العالم، فما الذي سيحصل بالعراق إذا اعتمد الحرب الباردة، فقام العراق بخطوة استباقية، فدخل موقع الفوج العربي الأقرب للعراق، أي أن الكويت هو طرف أساسي بالحرب الباردة التي أرادها العرب، وهي الخندق الأقرب في الحرب الساخنة التي يتمناها العرب أيضا.
وأكد أن، “العراق وجد نفسه بين حرب باردة سيخسرها بسبب ضخامة القدرات الاقتصادية للخصم، وبين حرب ساخنة سيخسرها أيضا لحجم القدرات العسكرية للخصم، صحيح أن الحرب الباردة إذا خسرها لن ينهدم جسر ولا يقتل شخص، ولكن سينتهي أي أمل بعودة الأمة، وهذا هو حال السوفييت إذ كانت الحرب الباردة سببا باختفائه للأبد، ولكن لو احتل الغرب نصف أراضي السوفييت، فقد يلملم السوفييت حاله، ويعيد ماخسره من أرض.
الدرس السوفيتي
وقال نائب رئيس لجنة العلوم السياسية، إن “العراق استلهم الدرس السوفيتي في الحرب الباردة، كما أدرك أن خسارته بالحرب الباردة سوف تغطي على حقيقة المواقف العربية أمام العالم، لأن العرب لسانهم مع العراق وقلوبهم مع الغرب والصهاينة، لذا كان الخيار هو الحرب الساخنة، وإن فيها أذى للعراق، ففيها نفع للعرب إذ ستبين الناصح من العرب عن العميل”.
انفراد أمريكا بالعالم
ولفت، إلى أن هذا الحدث أثر على المنطقة بكل تأكيد، ليس من حيث دخول الكويت، بل بالمغالاة الغربية والعربية في التعامل مع الحدث لاحقا، إذ لم يكتف التحالف الدولي على إخراج العراق من الكويت، ولا على فرض التعويضات عليه، بل على إنهاء التجربة العربية والقدرات العربية في العراق، والتي أضحت أمل الأمة في استعادة مستحقاتها بعد أن انتصر العراق في حربه ضد دولة هي أقوى منه وأكثر قدرات، وكان أول انتصار للعرب منذ قرون، وأضحى بشرة خير للعرب ومستقبلهم، والحقيقة أيضا، أنه بانتهاء السوفييت وتفرد أمريكا بالعالم هرميا، تفرغت للأعداء الإقليميين الأقل عظمة من السوفييت وهو ما كان يشغلها، فتفرغت للدول التي تسميها المارقة، وهي ” العراق- إيران -كوبا- كوريا الشمالية وليبيا”، لكن هذه الدول لا تشكل خطورة متماثلة بل متباينة، فالعراق هو الأخطر ثم ليبيا وذلك وفق الضوابط العربية والموقف من الصهيونية.
ما بعد السوفييت
ونوه الخفاجي إلى أنه، بعد انهيار السوفييت تفرغت أمريكا للأعداء الأقل، فجاء مبدأ كارتر القاضي “بأن النفط بالخليج يمثل مصلحة استراتيجية أمريكية عليا، ولا تتوانى أمريكا في استخدام القوة ضد أي إجراء يخل بذلك”، ثم جاء ريغان ليؤسس المارينز القوة المخصصة لحماية المصالح الأمريكية عموما والنفط العربي/الأمريكي بوجه خاص.
الهيمنة الأمريكية
وأوضح أن، الموقف الكويتي هو الذي كان بداية تنفيذ المخطط الأمريكي بالمنطقة، وهو مخطط كان لينفذ حتى في ظل الحرب الباردة بين العراق وخصومه، وهو تأكيد الهيمنة الأمريكية على النفط العالمي، فاحتلت العراق وسيطرت على نفطه، وفككت القوة العراقية وهي القوة العربية الضاربة والمعول عليها عربيا لاستعادة الحقوق العربية، وقد كان دخول العراق للكويت كجزء من حرب أوسع أعدت ضده، قد أخل نسبيا بالترتيب الأمريكي للمنطقة، فلم يتم القبول العربي الشعبي لما حصل بالعراق، رغم موافقة البعد الرسمي العربي، بل الشعب العربي ربط بين الغزو الأمريكي واحتلاله وما جرى للعراق بالوهن العربي والتفوق الصهيوني والتحكم الأمريكي، أكثر من ربطه بإعادة الحق الكويتي.
واختتم الخفاجي، وعليه كان الكويت والمخطط الأمريكي ضد العراق، سببا أساسيا بحالة التردي التي تعم المنطقة، وليس دخول العراق للكويت.
مخطط التقسيم
أما القيادي في الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل، فيرى أن “الكويت مارست سياسة خاطئة و دور سلبي ساهم في انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي تسبب في انهيار اقتصادي وشيك للعراق، ولاسيما بعد التكلفة المالية الكبيرة جراء صد العدوان الإيراني لمدة ثمان سنوات واستطاع العراق حماية الكويت ودول الخليج من المد الإيراني الذي تشهده حاليا المنطقة، وتسبب في دمار كبير للعراق، حيث شكل غزو الكويت الباب الرئيسي إلى الحصار الاقتصادي وإلى تواجد القوات الأمريكية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وجعل المنطقة على صفيح ساخن تسبب في عدم استقرار الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية، وجعلها منطقة الصراعات الدموية، لأن أمريكا وجدت ذريعة دخول العراق للكويت سببا رئيسيا في تنفيذ مشاريعها التي اعتمدت فيها على تشجيع الطائفية والانقسام المذهبي، والقتال الأهلي لتحقيق مشروع تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أثناء دخول النظام السابق للكويت شهد العالم انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يعتمد عليه العراق تسليحا وتعاونا، مما جعل العراق يواجه التحالف الأمريكي والبريطاني وحده، بعد أن اصطفت مصر والسعودية ودول الخليج ضد العراق خوفا من اجتياح المنطقة وإسقاط أنظمة حكمهم، أن دخول العراق غير الشرعي للكويت مع أن الكويت مارست ضغطا كبيرا على العراق بجميع الوسائل وربما كانت الكويت تمثل دورا مرسوما أمريكا لاستفزاز العراق لدخول الكويت، ساهم في الانقسام العربي وعزز العزلة العربية والإقليمية للعراق بشكل واسع، حتى أن النظام السابق بسبب هذه العزلة أرسل طائراته الحربية إلى إيران الذي خرج منتصرا عليها قبل سنتين، وهذا يؤكد حجم الهوة التي أحدثها غزو الكويت.
الجميع أخطأ
وتابع القيادي في الميثاق الوطني، “إنني أؤكد أن ما تشهدة المنطقة من عدم استقرار وفتن وحروب كلها بسبب الباب الجهنمي التي تسببه الاجتياح العسكري، ونؤكد أن هذه الذكرى يجب أن تطوى في سجلات الماضي ونعمل على مصالحة حقيقية، لأن الجميع أخطأ، العراق والكويت، ولاسيما بعد احتلال العراق ساهمت الكويت في إحراق مؤسسات الدولة العراقية، ودعمت مليشيات بدر وغيرها بالأموال والتي اغتالت الآلاف من الضباط والطيارين وعلماء العراق، وهذا مسجل وموثق في ذاكرة العراقيين لذا يجب علينا الآن تغليب المصلحة العامة وطي صفحة الماضي بأخطائها، والعمل على وحدة الموقف والعمل الإيجابي بين الشعب العراقي والشعب الكويتي وإنقاذ المنطقة، والمساهمة بإطفاء الحرائق التي تسبب فيها الصراع العراقي الكويتي”.