قال مسؤولون أمنيون وحكوميون عراقيون إن سلسلة هجمات في العراق هذا الأسبوع توضح التشابك الخطير على نحو متزايد للمنافسات المحلية والإقليمية التي تواجه أمن البلاد في عام الانتخابات.
ويقول المسؤولون إن العنف مرتبط في ما يبدو بفصائل مسلحة تسعى لمساعدة حليفتها إيران في مواجهة خصوم غربيين وخليجيين في صراع على النفوذ في أنحاء الشرق الأوسط، فضلا عن التوتر المتزايد في الداخل قبيل انتخابات أكتوبر.
وأشارت هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ في شمال العراق نفذتها فصائل موالية لإيران إلى أن الفصائل المسلحة توسع ترسانتها التي تستعد لنشرها في مواجهة القوات الأميركية المتمركزة في البلاد.
وأسفرت الضربات أيضا للمرة الأولى عن مقتل جندي تركي وأظهر انفجار نادر بسيارة ملغومة في بغداد، بعد ذلك، أن قوات الأمن تكافح للسيطرة على العنف المحلي بعد سنوات من الهدوء النسبي في العاصمة.
وقال المسؤولون إن التنافس بين إيران والولايات المتحدة لا يزال أكبر عامل لزعزعة الاستقرار رغم رحيل الرئيس السابق دونالد ترامب وخطابه الصارم والمحادثات الجديدة بين القوى العالمية بشأن برنامج إيران النووي.
وقال مسؤول أمني عراقي إن هجوم الأربعاء على القوات الأميركية في مطار أربيل الدولي كان المرة الأولى التي تُستخدم فيها طائرة مسيرة محملة بمتفجرات ضد هدف أميركي في أربيل.
وأضاف المسؤول أن “استخدام الطائرات المسيرة تطور مثير للقلق. نشهد تغييرا في طريقة إصابة الأهداف (الأميركية) في إقليم كردستان في رسالة مفادها بأن هذه الجماعات يمكنها اختيار وقت ومكان هجماتها دون إيقافها”.
واتهم المسؤول الأمني وضابط في الجيش العراقي ومسؤول حكومي الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجوم.
وقالوا إن ذلك كان على الأرجح ردا على هجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة نفذته. ولم تعلق إسرائيل رسميا على الهجوم.
وقال المسؤول الحكومي “كان هذا مرتبطا بحادث نطنز والمفاوضات مع الولايات المتحدة. إنه لإظهار قدرة إيران على الرد والحاجة إلى أن تؤتي المفاوضات ثمارها وأن هناك تكلفة للهجمات الإسرائيلية على إيران وتكلفة للمفاوضات دون إحراز أي تقدم”.
ورحب أنصار الفصائل بالهجوم لكن لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عنه حتى الآن.
وقال النائب العراقي جاسم الحلفي إن العراقيين يدفعون عادة ثمن تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. وأضاف أن هذه هي المرة الثانية في غضون أسابيع قليلة تتمكن فيها الفصائل الموالية لإيران من استهداف أربيل، مشيرا إلى أنهم لا يريدون أن ينعم العراق بالأمن.
ووافقت إيران والولايات المتحدة هذا الشهر على إجراء محادثات غير مباشرة بشأن برنامج طهران النووي على أمل عودة محتملة للاتفاق الدولي الذي انسحب منه ترامب في 2018 قبل فرض عقوبات على إيران وقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في ضربة بطائرة مسيرة في بغداد العام الماضي.
ومنذ أن تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه، كثفت الفصائل العراقية مطالبتها بمغادرة القوة الأميركية المتبقية وقوامها 2500 جندي من العراق وواصلت الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ونشر أسلحة أكثر تطورا.
تصاعد التوتر مع تركيا
وقال بعض المسؤولين الغربيين ومسؤول في فصيل عراقي مسلح ومصدر أمني إيراني إن هجوما بطائرة مسيرة على السعودية تم إحباطه في يناير كان قد انطلق من الأراضي العراقية ضمن موجة متزايدة من الهجمات التي يشنها وكلاء إيران على المملكة.
لم تعلق إيران على الهجمات التي وقعت في الآونة الأخيرة على القوات الأميركية، لكنها نفت في السابق تورطها في تنفيذ مثل هذه الضربات.
وأصدرت عدة جماعات غير معروفة موالية لإيران بيانات تعلن فيها مسؤوليتها عن بعض الهجمات السابقة على أهداف أميركية.
وأدى مقتل جندي تركي يوم الأربعاء في هجوم صاروخي على القوات التركية المتمركزة بشمال العراق إلى تعقيد الوضع الأمني الهش في العراق.
كان هذا الهجوم منفصلا عن هجوم أربيل وإن كان قد وقع في نفس الوقت تقريبا.
وتشن تركيا حملة على مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين ينشطون في جنوب تركيا لكنهم يتمركزون في جبال بشمال العراق. وللحزب حلفاء عراقيون مرتبطون بفصائل مدعومة من إيران.
وشددت الفصائل المسلحة المدعومة من إيران هذا العام لهجتها في معارضة الوجود التركي، واصفة القوات التركية بأنها قوة احتلال يتعين عليها الرحيل، مثلها مثل الأميركيين. ولم تعلن أي جماعة على الفور مسؤوليتها عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل الجندي التركي، لكن محللين يقولون إن فصائل موالية لإيران هي التي نفذته.
وقال بلال وهاب، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “يبدو أن الفصائل المسلحة فتحت جبهة جديدة مع تركيا وأراقت الدماء. ربما يثيرون المشاكل”.
وينظر وكلاء إيران إلى التوغل التركي على أنه تهديد لبوابتهم إلى سوريا ولطريق تهريب رئيسي للأسلحة والأفراد والبضائع.
وقد لا يكون لدى إيران وتركيا رغبة في التصعيد. وقال وهاب “سنرى ما إذا كان سيتم التغاضي عن هذا الهجوم على قاعدة تركية، أم أنه سيصبح علامة فارقة في مجرى الأحداث “.
ولم ترد السلطات التركية على الفور على طلب للتعليق.
حكومة محاصرة
وتزيد الصورة الإستراتيجية الآخذة في التعقيد من الضغوط على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي حاول دون جدوى الحد من نفوذ الجماعات المسلحة لإجراء انتخابات عامة حرة في أجواء سلمية في أكتوبر.
وأضافت الخصومات الداخلية إلى التحديات التي تواجهه في بلد يزيد فيه عادة العنف في العام الذي يشهد التصويت.
وشهدت سوق مركزية ببغداد أكبر هجوم بالعاصمة في ثلاثة أعوام في يناير الماضي أسفر عن مقتل 30 فردا، وأعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عنه.
وأودى هجوم بسيارة ملغومة يوم الخميس بحياة أربعة على الأقل ليصبح ثاني هجوم ينهي الهدوء النسبي الذي شهدته العاصمة العراقية منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017.
وأعلن التنظيم يوم الخميس مسؤوليته عن الهجوم.
وقال سياسيون عراقيون إن الدولة الإسلامية تحاول نشر الفوضى، بينما قال آخرون إن جماعات مسلحة شيعية متنافسة ربما تحاول إخافة بعضها البعض قبل التصويت.
ويرى محللون أن تلك الهجمات أيا كان منفذها تظهر أن بمقدور الجماعات المسلحة نقل السلاح في أنحاء بغداد دون علم قوات الأمن.
وقال وهاب “الحكومة … ليس لديها لا القدرة السياسية على ردع الميليشيات لوقف تنفيذها هجمات ولا الإمكانيات الأمنية لوقفهم ومحاسبتهم عند وقوعها”.