في السادس من أبريل، التقى رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي بنظيره الليبي عبد الحميد الدبيبة في طرابلس. كانت هذه أول زيارة لدراغي منذ توليه منصبه في 13 فبراير. والأهم من ذلك، أنها جاءت في وقت تدخل فيه ليبيا مرحلة جديدة من الانتقال السياسي.
وتولت حكومة الدبيبة، المدعومة من الأمم المتحدة، السلطة، الشهر الماضي، بتفويض لتحسين الخدمات والاستعداد لانتخابات عامة في ديسمبر.
وتقول دراسة بحثية نشرها المجلس الأطلسي إن زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، وإن كانت قصيرة، فقد ركزت على عدة قضايا مهمة.
فقد شدد دراغي على أن هذه لحظة فريدة للبلدين “لإعادة بناء صداقة قديمة”، في إشارة إلى التعاون الاقتصادي والسياسي طويل الأمد الذي تشترك فيه إيطاليا وليبيا على مر السنين.
وأظهر دراغي الكثير من الحماس لبدء “مستقبل” جديد والقيام بذلك “بسرعة”، مضيفا أنه يجب “التقيد الصارم بوقف إطلاق النار لعام 2020”.
ويشترك البلدان في العديد من المصالح المشتركة، والتي تمت مناقشتها خلال الزيارة. وتمتلك شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط استثمارات استراتيجية في ليبيا، حيث استوردت إيطاليا عام 2019 ثمانية في المئة من غازها الطبيعي من ليبيا.
ويقول المجلس الأطلسي: “ليس من المستغرب أن تحدث دراغي عن تكثيف التعاون مع ليبيا في قطاعي الكهرباء والطاقة”.
فالهجرة، وهي من الاهتمامات الرئيسية الأخرى، تم التطرق إليها أيضا عندما ذكر دراغي أنه يقدر بشدة جهود ليبيا لإنقاذ المهاجرين في البحر ومكافحة تهريب البشر، وهي التصريحات التي عرضته لانتقادات شديدة بسبب الحالة المحفوفة بالمخاطر والمروعة لمعسكرات الاعتقال الليبية”.
ويرجح المجلس الأطلسي أن يتجاوز التعاون بين البلدين ما قاله الزعيمان علنا، مضيفا “في الواقع، يعتقد الكثيرون أن إيطاليا ستأخذ زمام المبادرة في إعادة بناء مطار طرابلس، وهو المشروع الذي تم تكليفه لشركة البناء الإيطالية إينيس قبل ثلاث سنوات”.
كما ترددت شائعات بأن إيطاليا ستتولى بناء طريق سريع طويل على ساحل البحر الأبيض المتوسط في ليبيا، والذي سيربط تونس بمصر عبر ليبيا.
ويعتقد المجلس الأطلسي أن زيارة دراغي إلى ليبيا هي خطوة كبيرة لتجديد دور إيطاليا في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط الأوسع، خطوة لا ينبغي إغفالها. “ربما تمهد إيطاليا الطريق لتصبح جهة فاعلة مهمة في إدارة الأزمات والتحديات في المنطقة”.
وقبل أسبوعين من رحلة دراغي، تحديدا في 21 مارس، التقى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بالدبيبة، ونائبي رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني وعبد الله اللافي، ووزيرة الخارجية نجلاء المنكوش.
خلال زيارته، تحدث دي مايو عن “المصالح الجيوستراتيجية الهامة” التي يشترك فيها البلدان، وسلط الضوء على نية إيطاليا للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد.
يذكر أن دي مايو كان أول وزير من الاتحاد الأوروبي يزور رئيس الوزراء الليبي المنتخب حديثا. كانت زيارة دي مايو إشارة قوية بالفعل على أن إيطاليا مستعدة لأن تصبح شريكا استراتيجيا في المنطقة، وهو ما أكدته زيارة دراغي.
وبحسب المجلس الأطلسي، فإن إيطاليا لديها العديد من الأسباب لتكون شريكا حيويا لليبيا ودول أخرى في المنطقة. على سبيل المثال، تشترك إيطاليا وليبيا في علاقات تاريخية تعود إلى عام 1911، حينما احتلت إيطاليا لأول مرة طرابلس وبرقة.
وعام 2008، وقع رئيس الوزراء آنذاك سيلفيو برلسكوني ومعمر القذافي، معاهدة بنغازي وهي الاتفاقية التي وضعت إيطاليا كشريك قوي وذي مصداقية لليبيا.
إيطاليا هي أيضا واحدة من الدول الوحيدة التي حافظت على وجود قوي على الأرض حتى قبل الإطاحة بالقذافي، لكن بشكل خاص في السنوات القليلة الماضية أثناء احتدام الحرب الأهلية.
ولم تغلق إيطاليا أبدا سفارتها في طرابلس، بينما العديد من الدول الأخرى -بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة- فعلت ذلك.
وعلى الجانب الآخر، يتحدث المجلس الأطلسي عن أن إيطاليا تتمتع الآن بمصداقية أقوى بفضل تعيين دراغي رئيسا جديدا للوزراء لإيطاليا. إن سجله الحافل كسياسي جدير بالثقة مستمد من حياته المهنية الطويلة والناجحة في أفضل المؤسسات الدولية في أوروبا، وعلى الأخص كرئيس للبنك المركزي الأوروبي بين عامي 2011 و2019.
وأضاف “هذه المصداقية المتجددة تضع إيطاليا في موقع استراتيجي في أوروبا لتصبح نقطة مرجعية للولايات المتحدة عند التعامل مع ليبيا ودول أخرى في البحر المتوسط”.
وفي الوقت الذي تتنحى فيه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وينشغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحملة انتخابية مهمة، فإن إيطاليا هي الأنسب لتولي زمام المبادرة في تعزيز التعاون عبر الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط.