مرت كوريا الجنوبية بتغييرات مهمة منذ تحولها إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات، كان آخرها في 2016-2017 عندما أدت الاحتجاجات على ضوء الشموع إلى إطاحة الرئيسة بارك غن هي (2013-2017)، وصولاً إلى انتخاب الرئيس الجديدي ون سوك يول، من خلال اتباع نهج موضوعي لفهم الديمقراطية. يقدّم هذا الكتاب لمحة عن السياسة الكورية الجنوبية وإمكانات وقيود الديمقراطية اليوم في هذا البلد الآسيوي.
في هذا الكتاب الصادر عن دار «روتليدج» في يونيو/ حزيران2021 باللغة الإنجليزية ضمن 226 صفحة، كتب كل فصل فيه خبير كوري بارز حول عنصر مختلف في السياسة والحكومة في كوريا الجنوبية. يغطي الكتاب موضوعات حيوية في السياسة الكورية مثل: الاختلافات بين الأجيال، وعدم استقرار نظام الحزب، ودور الرئيس، وتأثير تظاهرات عام 2016. يقدم الكتاب تفاصيل تساعد القرّاء على فهم الماضي والحاضر والمستقبل المحتمل للديمقراطية في كوريا الجنوبية.
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم تفسيرات حديثة حول كيفية تطور الديمقراطية في كوريا اليوم، من خلال معاينة عشرة أركان، في أربع فئات، تؤدي وظيفة رئيسية في الديمقراطية الكورية: الانقسام الاجتماعي (الإقليمية، والفئة العمرية، والطبقة)، والعلاقات بين النخبة الجماهيرية (الثقافة السياسية، والتعبئة/المشاركة، ونظام الحزب)، والمؤسسة السياسية (التنظيم القانوني والهيمنة التنفيذية)، والسياسة العامة (سياسة الرفاهية والسياسة الخارجية).
بدايات التحوّل الديمقراطي
تعد جمهورية كوريا الجنوبية دولة ديناميكية سياسياً خلال معظم فترة ما بعد الحرب التي انتهت 1953. أنشأت كوريا الجنوبية دولة تنموية في الستينات وحققت التصنيع السريع. بدأ الكوريون الجنوبيون بالتحول الديمقراطي في عام 1987، وتصدوا بنجاح للتحديات الرئيسية للديمقراطية الجديدة. يقول المؤلف: «يمكن أن يُسمى هذا ب«التطور المضغوط»، ولا يمكن إنكار أن كوريا تحولت إلى ديمقراطية ثرية نتيجة ديناميكيتها».
يضيف المؤلف: «من خلال تجربتها المضغوطة، في الأغلب تم الاعتراف بكوريا كنموذج للديمقراطيات الجديدة. علاوة على ذلك، جذبت آفاق الديمقراطية في كوريا، انتباه الديمقراطيات بشكل عام. تفيد الحكمة التقليدية في العلوم السياسية أن الديمقراطية الغنية مستقرة وقادرة على الصمود. ومع ذلك، تطرح الاحتجاجات على ضوء الشموع في 2016 في كوريا لغزاً مثيراً للاهتمام: لماذا ظهر التقلب السياسي في هذه الديمقراطية الثرية؟ أطاح المواطنون الناشطون سياسياً الرئيسة بارك غن هي من الرئاسة ووسعوا الفضاء الديمقراطي بتجارب جديدة في مجالات المشاركة السياسية، والسياسات الحزبية، وإنفاذ القانون، والسياسة الداخلية، والسياسة الخارجية، ويمكن فهم مستقبل الديمقراطية التمثيلية في جميع أنحاء العالم بشكل أفضل من خلال دراسة حالة تجربة كوريا في ماضيها القريب ومستقبلها الوشيك»، مضيفاً: «عند مناقشة مستوى الديمقراطية، يميل الناس إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية يمكن أن تتطور بشكل موحد. تماماً كما تم انتقاد نظرية التحديث؛ كونها تستند إلى فكرة التقدم الموحد نحو التغريب، فإن مفهوم التطور الديمقراطي المستقيم/الخطي سيتم أيضاً انتقاده. فلا تتطور الديمقراطية دائماً في نفس الاتجاه؛ إذ يمكن أن يتم ذلك بعدة طرق. لمناقشة مستوى الديمقراطية مع الاعتراف بشروط مختلفة من التاريخ والظروف، يجب ألا ننظر إلى الديمقراطية على أنها خطية؛ بل دورية».
ويرى أنه «يمكن تفسير الديمقراطية الكورية من منظور دوري. أولاً، تقوم على دورة مدتها 20 عاماً. منذ التحول الديمقراطي في عام 1987، تألف التوجه الأيديولوجي للحكومة الكورية من عشر سنوات من الحكومات المحافظة (روه تاي وو وكيم يونغ سام)، وعشر سنوات من الحكومات التقدمية (كيم داي جونغ وروه مو هيون)، عشر سنوات من الحكومات المحافظة (لي ميونغ باك وبارك غن هي)، والحكومة التقدمية السابقة (مون جاي إن). بموجب النظام الدستوري الحالي، المسمى دستور الجمهورية السادسة، تُجرى انتخابات الرئاسة والجمعية الوطنية كل خمس سنوات وكل أربع سنوات على التوالي. وبالتالي، فإن الدورة الانتخابية الإجمالية هي 20 عاماً. يمكن الاستشهاد بحقيقة أن التحول الأيديولوجي الناتج عن الانتخابات الرئاسية، والذي يتعلق بتوقيت انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية، يتكرر كل 20 عاماً كأساس لنظرية دورة الحكومة التي تبلغ مدتها 20 عاماً. ومع ذلك، منذ أن أدت محاكمة الرئيسة بارك غن هي إلى تقدم الانتخابات الرئاسية لعام 2017 بأكثر من نصف عام، كانت الدورة التي تبلغ مدتها 20 عاماً مضطربة قليلاً.
ويرى أنه قد تكون نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2022 إما امتداداً للمرحلة التقدمية الحالية أو نقطة انطلاق لدورة جديدة تماماً، قائلاً: إذا تم التعبير عن ذلك من حيث التمديد أو فقدان التفويض الحكومي، فإن الدورة ستكون عشر سنوات. حتى الآن، شهدت دورة ال20 عاماً تحول الحكومة باستمرار بين المحافظين والتقدميين كل 10 سنوات. يمكن العثور على دورة العشر سنوات من التغيير السياسي ليس فقط في تغيير الحكومة ولكن أيضاً في نوع القادة الوطنيين. يمكن تصنيف الرؤساء المنتخبين بموجب دستور الجمهورية الخامسة ودستور الجمهورية السادسة، الذي ينص على أن الرؤساء لولاية واحدة، وفقاً لخلفيتهم التاريخية، ومصدر دعمهم، وأسلوب قيادتهم. وهكذا، ظهر نمط جديد للزعيم الوطني كل عشر سنوات: قادة عسكريون سابقون (تشون دو هوان وروه تاي وو)، شخصيات ديمقراطية (كيم يونغ سام وكيم داي جونغ)، وقادة عصاميون (روه مو هيون ولي ميونغ باك)، وزعماء وارثون (بارك غن هي خلفاً لبارك تشونغ هي، ومون جاي خلفاً لروه مو هيون). وقد صدر أسلوب جديد آخر في القيادة في الانتخابات الرئاسية لعام 2022؛ حيث تم انتخاب المرشح اليميني المعارض يون سوك يول.
النظام السياسي
ويؤكد أنه بغض النظر عمّا إذا كان النظام السياسي يسير في دورات أو يأخذ اتجاهاً مستداماً، فإن صعوده وسقوطه هو ظاهرة طبيعية. يمكن النظر إلى النمط الحالي للديمقراطية في كوريا على أنه نتيجة للتطور في ظل الظروف الخاصة بكوريا. لا يؤدي التطور دائماً إلى التغيير للأفضل. فحتى الظواهر السلبية في الأغلب تكون نتيجة للتطور في حالة معينة. بعبارة أخرى، في ظل الظروف التي يصعب فيها على الشكل المعين للديمقراطية، فإن الشكل سيتغير أيضاً. على سبيل المثال، كانت أساليب الإدارة اليابانية وشرق آسيا تعد فاعلة وتنافسية في السبعينات والثمانينات. ومع ذلك، خلال الأزمة المالية في عام 1997 في شرق آسيا، تم اعتبارها الجاني الرئيسي للأزمة، وبالتالي، كان من الضروري القضاء عليها. في وقت لاحق، ظهر بعضهم مرة أخرى بعد إعادة التقييم.
زيادة المشاركة السياسية
مع التحول الديمقراطي في عام 1987، زادت المشاركة السياسية بشكل ملحوظ في كوريا. يرى المؤلف أن الطبقة، وهي سمة تقليدية للانقسام الاجتماعي أو النظام الحزبي، لم تكن عاملاً حاسماً في الانتخابات الكورية؛ بل كانت منطقة الناخب من أهم العوامل التي أوضحت سلوك التصويت الكوري.
يختبر الفصل الأول الفرضيات الثلاثة القائلة إن المشاعر الإقليمية للشعب الكوري تنشأ من التحيز الاجتماعي أو الشخصي، والتلاعب الأيديولوجي، والاستجابة العقلانية للتهديد. ويكشف عن التغيرات في المشاعر الإقليمية من عام 1988 إلى عام 2020. ويناقش الجهود السياسية؛ للحد من الصراع الأيديولوجي وكذلك العداء الإقليمي. ويجد أيضاً أن العمر عامل مهم آخر في السلوك السياسي للناخبين الكوريين. تعبر كل فئة عمرية عن مواقف سياسية مختلفة. يبين الفصل الثاني بأن الكوريين في العشرينات والثلاثينات من العمر يضعون قيمة أكبر للحرية الفردية مقارنة بمن هم في الأربعينات من العمر وما فوق، مما يعني أن نظام الحزب الإقليمي يمكن تعديله نتيجة لسياسات الأجيال.
يناقش الكتاب موضوع الطبقة أيضاً في الفصل الثالث الذي يشير إلى ثلاث ظواهر ملحوظة؛ أولاً، تم تحييد السياسة الطبقية منذ الأزمة المالية في عام 2008. ثانياً، مع تحييد السياسة الطبقية، أنشأت القيادة الكورية المحافظة هيمنة جديدة من خلال إعلان صدقها وقدراتها في معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بدلاً من تخفيف المشكلات فعلياً. ثالثاً، حتى حكومة مون جاي إن التقدمية روّجت لنفس الاستراتيجية.
تلاحظ الفصول (4-5-6) كيف تتفاعل الجماهير والنخبة. يؤكد الفصل الرابع أن ميل الجماهير الكورية للمشاركة في السياسة يمكن أن يحد من الديمقراطية التمثيلية، ويؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي. يوضّح الفصل أن احتجاجات 2016-2017 التي جرت على ضوء الشموع ضد الرئيسة بارك غن هي والمسيرات الجماهيرية لعام 2019 ضد وزير العدل تشو كوك، تحرض التوجهات التشاركية للجمهور ضد الديمقراطية التمثيلية. يناقش الفصل الخامس آثار الاحتجاجات على ضوء الشموع وإجراءات المساءلة في عامي 2016 و2017. يعلق المؤلف هنا: كان المواطنون الكوريون غاضبين من سياسيين محددين، وأدى هذا إلى حدوث انفجار في المشاركة السياسية. كما تمت الإشارة إلى المؤشرات السلبية؛ مثل انخفاض حماس المواطنين الشباب والمواطنين غير الحزبيين. يلخص الفصل السادس الانقسامات والاندماجات المتكررة للأحزاب السياسية، وهي إحدى السمات البارزة للسياسة الديمقراطية الكورية. وقد ورد ذكر الرئاسة ذات الفترة الواحدة، ونظام التعددية الحزبية، والميل القوي للغاية للأحزاب للحصول على الأصوات، والسياسات الحزبية كخلفية للانقسامات والاندماجات. ويقال أيضاً إن هذه الانقسامات والاندماجات المتكررة قد أخرت إضفاء الطابع المؤسسي على الأحزاب السياسية وزادت من ضعف الأنظمة السياسية.
قانون الأحزاب
يناقش الفصل السابع اللوائح القانونية مثل قانون الانتخابات وقانون الأحزاب، بينما يحلل الثامن جدول أعمال الأمر الواقع الذي يحدد سلطة الرئيس. يشير الفصل السابع إلى أن تنظيم المشاركة السياسية في الحملات الانتخابية والأنشطة الحزبية، يظل مفرطاً حتى بعد التحول الديمقراطي حينما كانت المشاركة السياسية غير المؤسسية مثل الاحتجاجات نشطة بشكل مفرط. يُعزى هذا التنظيم المفرط إلى عدم رغبة الأحزاب السياسية الرئيسية في التخلي عن مزاياها. يجادل الفصل الثامن بأن أصول الهيمنة التنفيذية في العلاقة التشريعية التنفيذية مؤسسية، فمنذ اعتماد قانون النهوض بالجمعية الوطنية في عام 2012، والذي يتطلب موافقة ثلاثة أخماس الجمعية لإقرار مشروع القانون، تراجعت سلطة الرئيس في وضع جدول الأعمال. بعد انتخابات عام 2020، التي فاز فيها الحزب الديمقراطي الكوري ب 180 مقعداً من أصل 300 مقعد، عادت الهيمنة التنفيذية للظهور.
يحلل الفصل التاسع تأثير المؤسسات على سياسات الرعاية الاجتماعية، ويقترح بعض النتائج التجريبية من بيانات المسح لثلاث جهات فاعلة رئيسية في سياسات الرفاهية تتضمن العمل المنظم، وأرباب العمل، والسياسيين. يوضّح الفصل أنه عندما يتم تنفيذ الأنشطة العمالية على أساس مستوى الشركة وليس على أساس وطني أو صناعي، فإن الدعوة السياسية للرفاهية العامة تكون ضعيفة لأن اتحادات الشركات تقدم زيادات في الأجور أو رفاهية الشركات إلى الرفاهية العامة. إضافة إلى ذلك، يقال إن النظام الانتخابي التعددي قد يقيد تطوير الرفاهية العامة. يمكن أن تختلف سياسات الرفاهية اعتماداً على مؤسسات ديمقراطية محددة.
يبحث الفصل العاشر في كيفية مشاركة عامة الكوريين في صنع السياسة الخارجية، ويجادل بأن الاستقطاب السياسي والشعبوي المضلل يشكل تهديداً خطراً للديمقراطية الكورية. يحلل الفصل عملية صنع القرار في السياسة الخارجية من خلال ثلاث حلقات دبلوماسية: احتجاجات مرض جنون البقر في عام 2008، معارضة اتفاقية نساء المتعة الموقعة في عام 2015، والجدل العام حول نشر بطاريات «ثاد» الخاصة بمنظومات الدفاع الجوي منذ عام 2017. يقترح الفصل إجراء محادثة بناءة حول السياسة الخارجية للديمقراطية الكورية مع استمرار مشاركة الجماهير في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية.