تتعرض بكين لانتقادات حادة بسبب صاروخ أرسلته للفضاء وفقدت السيطرة عليه ويخشى من سقوطه في مناطق مأهولة عند عودته للأرض، وقال البنتاغون إنه يراقب الصاروخ، فما القصة هذه المرة؟
“صاروخ تائه”.. “الصين أضاعت صاروخاً وزنه 21 طناً”.. وغير ذلك من المنشورات الساخرة حوّلت القصة إلى مادة للفكاهة على منصات التواصل الاجتماعي حول العالم خلال اليومين الماضيين، واليوم الأربعاء 5 مايو/أيار دخلت وزارة الدفاع الأمريكية على خط أزمة الصاروخ الصيني.
متى بدأت قصة الصاروخ الصيني؟
أطلقت الصين الخميس الماضي الصاروخ “لونغ مارش 5B” إلى الفضاء حاملاً المكون الأول لمحطة الفضاء التي تبنيها بكين لتصبح الثانية بعد محطة الفضاء الدولية.
الصاروخ كان يحمل “الوحدة الرئيسية” التي ستصبح مقر إقامة طاقم من ثلاثة رواد فضاء في المحطة الفضائية الدائمة التي تهدف الصين إلى استكمالها بنهاية عام 2022، وانطلقت الوحدة التي يطلق عليها اسم “تيانخه” أي “تناغم السماوات” على متن الصاروخ “لونغ مارش 5B”، وهو أكبر الصواريخ الصينية، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
هذه الوحدة واحدة من ثلاثة مكونات رئيسية لما ستصبح أول محطة فضائية تطورها الصين لتنافس المحطة الفضائية الدولية، وهي المحطة الوحيدة العاملة حالياً في مدار حول الأرض.
واحتفت وسائل الإعلام الصينية بانطلاق الصاروخ في رحلته إلى الفضاء بنجاح، ونقلت عن الرئيس شي جين بينغ كلمة هنَّأ فيها البلاد على هذا الإنجاز حيث وصف الأمر ومحطة الفضاء الصينية بأنها “مشروع رائد مهم في بناء دولة قوية في التكنولوجيا وفي الفضاء”.
لكن الإثنين نشر موقع Space News تقريراً قال فيه إن الصين فقدت السيطرة على الصاروخ الضخم بعد أن أوصل الوحدة الأساسية لمحطة الفضاء إلى موقعها، والمقصود هنا أن الصاروخ أتم مهمته بنجاح، ولكن المشكلة أن بكين فقدت السيطرة على الصاروخ فتركته يدور حول الأرض.
ما مشكلة الصاروخ الصيني بالتحديد؟
وحتى تكون الصورة واضحة من المهم القول إنه في مثل هذه الحالات، بعد أن يتم الصاروخ مهمته، أي توصيل ما يحمله إلى المكان المحدد في الفضاء ويتم الانفصال، يبدأ الصاروخ رحلة العودة إلى الأرض ويدخل الغلاف الجوي ليتفتت ويسقط في منطقة غير مأهولة تكون عادة في أحد المحيطات من خلال إحداثيات محددة من جانب المحطة الأرضية التي تتحكم في مسار الصاروخ.
وهذه بالتحديد هي المشكلة بشأن الصاروخ الصيني، حيث فقدت بكين السيطرة عليه وهو حالياً يدور حول الأرض كل 90 دقيقة بسرعة بلغت حوالي 27 ألفاً و600 كلم، وعلى ارتفاع يزيد عن 300 كلم، بحسب تقارير متخصصة في الفضاء تراقب الصاروخ منذ الإثنين 3 مايو/أيار.
وكان تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية ذكر أن الصاروخ الذي يدور الآن حول الأرض دون سيطرة يبلغ وزنه 21 طناً.
وقال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد جوناثان ماكدويل للصحيفة: “أظن أنه بحسب المقاييس الحالية من غير المقبول أن يسمح له بالعودة لدخول (الغلاف الجوي) دون سيطرة”.
ووصف ماكدويل ما فعلته الصين بأنه “ليس جيداً”، وقال إنه في المرة الماضية عندما أُطلق صاروخ “لونغ مارش 5B”، انتهى بهم الأمر بسقوط قضبان كبيرة من المعادن بعدما تطايرت في السماء، وتسببت بإلحاق الأضرار بالعديد من المباني في ساحل العاج.
أين ومتى قد يسقط الصاروخ “التائه”؟
وبحسب الصحفي أندرو جونز الذي يغطي برنامج الفضاء الصيني في موقع Space News، من المتوقع أن يعود جسم الصاروخ إلى الأرض في وقت ما خلال الأيام القليلة المقبلة، وأشارت مصادر أخرى إلى احتمال أن يكون لك يوم 10 مايو/أيار.
وقال ماكدويل للموقع: “عندما يسقط الجسم الصاروخي من المدار، فإنه قد يحترق في الغلاف الجوي للأرض، ولكنَّ قطعاً كبيرة من حطامه يمكن أن تنجو من السقوط، ومعظم الكوكب عبارة عن محيطات، لذلك من المرجح أن تهبط قطع الصواريخ المتساقطة فيها، لكن لا يزال بإمكانها تهديد المناطق المأهولة بسقوطها فيها”.
ولكنه أضاف: “أظن بحسب المقاييس الحالية أنه من غير المقبول أن يسمح له بالعودة لدخول (الغلاف الجوي) دون سيطرة”.
ولكن البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) أصدرت بياناً اليوم الأربعاء بشأن الصاروخ الصيني جاء فيه أن البنتاغون يتتبع الصاروخ الصيني ويراقبه، بسبب عدم السيطرة على الصاروخ وما يثيره ذلك من قلق بشأن مكان سقوط حطامه بعد احتراقه في الغلاف الجوي في طريق العودة للأرض.
وقال مايك هاورد، المتحدث باسم البنتاغون، في البيان، إن التاريخ المتوقع لدخول الصاروخ الصيني الغلاف الجوي للأرض هو “تقريباً 8 مايو/أيار” أي السبت المقبل، مضيفاً أن النقطة التي قد يسقط فيها الحطام لا يمكن تحديدها بدقة إلا خلال ساعات بعد دخول الصاروخ الغلاف الجوي.
بيان البنتاغون قال إن الفرقة 18 للسيطرة على الفضاء -التي تراقب مسار الصاروخ حالياً- ستقدم تحديثات يومية بشأن موقع الصاروخ من خلال موقع the Space Track website، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
هل اقتربت نهاية العالم؟
الأنباء المتواترة بشأن الصاروخ الصيني سرعان ما تلقفها المغرمون بنظريات المؤامرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، سواء في صورة تعليقات ساخرة أو منشورات تبدو جادة تتحدث عن الأضرار الكارثية التي قد يتسبب فيها سقوط الصاروخ فوق مناطق بعينها مأهولة بالسكان.
ومن المهم هنا التوقف عند الحقائق المعروفة عن الأنواع المشابهة من تلك الأحداث، فقد سقط خزان ضغط من صاروخ “فالكون 9” من تطوير شركة “سبيس إكس” على مزرعة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وترك حفرة بعمق 4 بوصات في الأرض، ولم يُصَب أحد في الحادث، بحسب تقرير لموقع سبوتنيك الروسي.
وفي عام 2018 حدث موقف مشابه كثيراً إلى ما يحدث حالياً مع الصاروخ “لونغ مارش”، إذ عاد نموذج أولي لمحطة الفضاء التي تبنيها الصين إلى الأرض بشكل غير خاضع للسيطرة في عام 2018 وسقط فوق جنوب المحيط الهادئ غير المأهول بالسكان.
وفي هذا السياق، قال جوناثان ماكدويل، عالم الفضاء في مركز فيزياء الفضاء في جامعة هارفارد لشبكة CNN، إن الموقف الحالي الخاص بالصاروخ الصيني الخارج عن السيطرة “لا يمثل نهاية العالم”.
ماكدويل أوضح الموقف قائلاً: “لا أظن أن الناس بحاجة إلى اتخاذ احتياطات، فخطر وقوع بعض الأضرار أو أن يصيب حطام الصاروخ شخصاً ما يعد احتمالاً ضعيفاً للغاية -نعم قد يحدث لكنه احتمال ضعيف- لكن خطر أن يصيب شخصاً بعينه يعد بعيداً تماماً. وبالتالي أنا لن أقلق لدرجة أن أفقد القدرة على النوم بسبب هذا الصاروخ على أساس أنه يمثل تهديداً شخصياً لي. هناك أمور أكبر كثيراً تستحق أن نقلق بشأنها”.
وفسَّر ماكدويل وجهة نظره بأن تحديد نقطة بعينها سيسقط فيها حطام الصاروخ هو أمر مستحيل في هذه المرحلة بسبب سرعة الصاروخ الهائلة، وأن أي تغيير بسيط من أي نوع قد يتسبب في تغيير وجهته بشكل درامي، مضيفاً: “نتوقع أن يدخل الصاروخ الغلاف الجوي بين يومي 8 و10 مايو/أيار وخلال تلك الفترة سيدور حول الأرض 30 مرة. هذا الشيء منطلق بسرعة 18 ألف ميل في الساعة تقريباً، وبالتالي لو خاب توقع سقوطه بساعة واحدة فهذا يعني ابتعاد السقوط 18 ألف ميل عن ذلك التوقع”.
ونصح ماكدويل الناس ألا يصدقوا شخصاً يقول لهم إن “الصاروخ سيسقط في منطقة محددة”، مؤكداً استحالة التوقع الصحيح لمكان سقوط الحطام قبل ساعات من دخول الصاروخ الغلاف الجوي”.
والخلاصة أن هناك ما يشبه الإجماع على أن المكان الأقرب لسقوط حطام الصاروخ الصيني سيكون أحد المحيطات التي تمثل 71% من مساحة سطح الكرة الأرضية، وهذا ما عبَّر عنه ماكدويل بقوله: “من يريد أن يراهن على مكان سقوط الحطام عليه أن يراهن على المحيط الهادئ، لأنه ببساطة يمثل أكبر كتلة من مساحة سطح الكوكب”.