اسمه ونشأته:-
علي بن محمد ،علاء الدين القَوْشَجي الحنفي، عالم بالفلك والرياضيات، أصله من سمرقند، ولم يذكر المؤرِّخون تاريخ ولادت القوشجي ، ولكنه من علماء الفلك والرياضيات في القرن التاسع الهجري الموافق للقرن الخامس عشر الميلادي.
كان والده أحد خُدَّام الأمير (ألغ بك) ملك ما وراء النهر، يحفظ له البزاة، ومن هنا تم تلقيبه بالقَوْشَجي، والتي تعني في لغتهم: حافظ البازي.
ويقول عبد الحق عدنان في هذا الصَّدَد: “إنَّ والده لُقِّبَ بقوشجي، لأنَّه كان رئيس من يقومون على تربية الصُّقور عن ألغ بك”.
أبرز العلماء الذين أخذ عنهم:-
- الأمير الأعظم ألغ بك: فقد تفتَّحت عينا القوشجي في بداية نشأته بمدينة سمرقند، على نجم الأمير ألغ بك اللامع في العلم والفضل والشهرة، والذي تولَّى العناية الفائقة بالقوشجي وراهن عليه، وقد عامله معاملة الابن والصديق، وقد كان الأمير ماهراً في العلوم الرياضية وعلم الهيئة، وهنا يقول المستشرق الرُّوسي بارتولد: “وقد تعلَّق علي قوشجي مثل سيده بعلم الهيئة واشتركَ في إنشاء مرصده”.
- قاضي زاده الرومي : وهو العالم الورع التَّقي صاحب الصِّيت الذائع والذي اكتسب حُب النَّاس وتقديرهم، وحمَلَ اسم قوجة أفندي، وهو الذي سار إلى بلاد ما وراء النَّهر، وقرأ على علمائها، وقد تتلمذ القوشجي على يديه ونهل منه العلوم الرياضية والفلكية.
- الشريف الجرجاني: العالم الشهير بالنَّحو والصرف (توفي 838 هجرية) و الذي تتملذ عليه القوشجي، وللجرجاني كتب معروفة في العربية والفارسية، وقد تأثر القوشجي به في مضمار المزج بين المنطق واللُّغة، وأصول الفقه واللُّغة.
مكانته العلمية:-
يعتبر علي بن محمد القوشجي من كبار فقهاء وعلماء الحنفية، بالإضافة إلى تميزه وبراعته في علم الفلك والرياضيات.
أخذ
العلم عن علماء سمرقند، وكان قد قرأ على الأمير ألغ بك، الذي كان ماهراً في العلوم
الرياضية، وبعد ذلك انتقل إلى بلاد كرمان، فتلقى العلم عن كبار علمائها، ولازمهم
وأخذ عنهم، وفيها ألَّف كتابه «شرح التجريد» للطوسي.
عاد علي بن محمد القوشجي من كرمان إلى سمرقند، وفي هذه الأثناء كان الأمير (ألغ بك) قد بنى مرصداً بسمرقند، ولكن لم يتم إكمال هذا المرصد، فقام العالم علي بن محمد القَوْشَجي بإكماله.
وكان هذا الأمير قد عاتبه على غيابه مدة عن سمرقند، فاعتذر القوشجي بأته اغترب طلباً علماً، وسأله الأمير: هل جئت لنا بهدية بعد غيبتك هذه؟ فأجاب القَوْشَجي: نعم، لقد جئتك برسالة حللت بها إشكال القمر، وهو إشكال تحيَّر في حله الأقدمون، فقال الأمير: هات أنظر فيها، فقرأها قائماً فأعجبته.
ترك علي بن محمد القوشجي كرمان وانتقل بعد ذلك إلى تبريز، ولقي حفاوة وإكراماً من سلطانها الأمير حسن الطويل، وأرسله في بعثة إلى السلطان محمد خان سلطان بلاد الروم؛ ليقوم بالصلح بينهما، فاستبقاه السلطان محمد خان عنده، وألَّف له رسالة في الحساب سماها «المحمدية»، وألَّف له رسالة أخرى في علم الفلك سماها «الفتحية»، فأكرمه السلطان محمد خان ومنحه مدرسة (أيا صوفية)، وجعله السلطان مدرساً في بعض المدارس، وعيَّن له كل يوم مائتي درهم، وعيَّن لكل من أولاده وأتباعه شيئاً خارجاً عن ذلك، وكانوا كثيرين يزيدون على مائتي نفس، فأقام في إسطنبول، وبقي فيها إلى وفاته.
لقد كانت حقبة مزدهرة تلك التي قضاها القوشجي في ظل السُّلطان العثماني محمد الفاتح الذي أبدى اهتماماً كبيراً بالعلم والعُلماء، فقد كان الفاتح يؤثِر العلماء ببالغ عطفه وكريم رعايته ويطلب إليهم مناقشة المسائل العلمية بحضرته، وقد يشترك في النِّقاش وفي أثنائه يخلع عن نفسه رداء الحاكم ويلبس شعار العالِم، ويعمل كعضو علمي في مجلس علمي.
وفي هذه الفترة، تمكَّن القوشجي من تأليف كتب “عنقود الزَّواهر”، و”الرسالة الفتحية”، وغيرهما من الكتب التي كانت ثمرة لتشجيع السلطان محمد الثاني (الفاتح) وطلبه من القوشجي ليخرج معه، ليصطحبه معه بالحروب.
أقوال العلماء فيه:-
- يقول حسين مجيب المصري: ” ومن المتعارف المشهور أنَّه – يقصد السُّلطان محمد خان- استقدم العالم الكبير علي قوشجي من ديار العَجَم، وقدَّر له ألف أقجة (أوقيَّة) على كلِّ مرحلة من مراحل سفره، وأكرمه إكراماً، ووقَّرهُ توقيراً”.
- يقول عنه القرماني: ” القوشجي من علماء الإسلام وفضلاء الأنام”.
- ويقول علي همت الأقسكي عنه: “وكان محمد الفاتح دائباً، ليجعل من وطنه موطِناً للعِلم، ومجمعاً للعلماء والشُّعراء، ومركزاً للعدالة، ولهذا الغرض؛ استقدم العالم الكبير والرياضي الشَّهير علي القوشجي من علماء ما وراء النَّهر مع أفراد أُسرته، وغمره بفيضٍ من عطفه ورعايته حين وصوله”.
- أما الدكتور سهيل أنور؛ فيقول: “ويعتبر القوشجي من أعظم علمائنا دون شَك”.
كتبه:-
كتب علي بن محمد القوشجي مجموعة من الكتب باللغتين العربية والفارسية، تناول فيها الحديث عن علوم شتى؛ كعلم الحساب والفلك والصرف، وغيرها من العلوم.
وقام بشرح كتب لعلماء بارزين، ومن أشهر هذه الكتب والتصانيف والشروحات ما يلي:
- شرح التجريد للطوسي.
- المحمدية: رسالة في علم الحساب ألَّفها لسلطان الروم محمد خان، سمَّاه بهذا الاسم؛ لمصادفتها لفتح عراف العجم.
- الفتحية: رسالة في علم الفلك ألَّفها لسلطان الروم محمد خان.
- حاشية على أوائل حواشي الكشاف للتفتازاني.
- العنقود الزاهر في نظم الجواهر: كتاب في علم الصرف.
- حاشية على شرح السمرقندي على الرسالة العضدية.
- مسرة القلوب في دفع الكروب: كتاب في علم الفلك.
- تفسير البقرة وآل عمران.
وفاته:-
توفي علي بن محمد القوشجي في إسطنبول سنة 879هـ-1474م، وقد دُفِنَ في حَرَم مقبرة السُّلطان أبي أيوب الأنصاري، وقد ظلَّ قبره معلوماً ما يقرب من 350 عام بعد وفاته، وهنا يعلِّق الدكتور سهيل أنور بالقول: ” وهذا دليلٌ على الإهمال في حقِّ الرَّجُل الذي يُعتبر من خيرة علمائنا، ولوكان الذي مات أحد أصحاب النُّفوذ أو رجال السُّلطة لظلَّ قبره معلوماً”.
المصادر:
- الأعلام (5/9).
- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (1/495/رقم 243).
- الفوائد البهية في تراجم الحنفية (214).
- العنقود الزاهر في نظم الجواهر، تحقيق أحمد عفيفي، القاهرة.
- معجم المؤلفين (7/227).