Site icon العربي الموحد الإخبارية

أبو الوفا البوزجاني …أول من كتب في الحسابات التجارية

أبو الوفا البوزجاني – مولده ونشأته:

هو محمد بن مجمد بن يحيى بن إسماعيل بن العباس الملقب بـ أبو الوفا البوزجاني ،العالم الفلكي والمهندس والرياضي، وهو من قال عنه البيهقي: “لقد بلغ المحل الأعلى في الرياضيات، وكان نقي الجَيبِ من عثرات الدنيا، قانعاً بما عنده”.

ولد البوزجاني في سنة
(328هـ، 940م) في منطقة بوزجان الواقعة بين هراه ونيسابور في خراسان (إيران اليوم)
حيث نشأ وترعرع خلال فترة ترسيخ حكم سلالة حاكمة جديدة في تلك البلاد وهي سلالة
البويهيين، التي شمل حكمها العراق وإيران اليوم وامتد بين عامي (945 إلى 1055 م).

قام الحاكم عضد الدولة البويهي برعاية الفنون والعلوم بشكل كبير حيث حرص خلال حكمه على اجتذاب العديد من علماء الرياضيات والحساب إلى بلاط حكمه في بغداد، وهو ما تلقاه البوزجاني ولبى دعوى الحاكم متوجهاً إلى بغداد سنة (959م).

 في الواقع لم يكن البوزجاني هو العالم الوحيد
الذي تميز في بلاط الخليفة في دار السلام حينذاك، بل عمل هناك عدد كبير من أعلام
الحساب والرياضيات والفلك والفلسفة.

مكانته العلمية:

بعد وفاة الخليفة عضد
الدولة بن بويه (936-983 م)؛ تسلّم الحكم من بعده نجله شرف الدولة شرزيل (971-990
م) والذي واصل النسج على منوال والده في دعم علماء الرياضيات والفلك، حيث استمر
دعمه لكل من العالمين أبي الوفا وأبي سهل القوهي (940-1000 م) وذلك من خلال مجلس
وديوان البلاط في بغداد.

مساهمات علمية كبرى للبوزجاني

 وقد طلب شرف الدولة من أبي الوفاء العمل على
تشييد مرصد فلكي شيد في حديقة القصر في بغداد والذي انتهى من بنائه سنة (988م)
واجتمع في لحظة افتتاحه مجموعة كبيرة من العلماء.

يتألف هذا المرصد من
العديد من الأدوات الفلكية من الربع الفلكي الذي يبلغ طوله ما يقارب الـ (6) أمتار
وآلات السدس المثلثية الحجرية التي ترتفع لقرابة الـ (18) متراً، وتبعاً لما وجده
المؤرخون؛ يعتبر أبو الوفا العالم الأول الذي يبني الأرباع الجدائية في سبيل رصد
النجوم ومراقبة الفلك.

 ولكن هذا المرصد لم يتابع أعماله طويلاً؛ فقد
أغلقه الخليفة شرف الدولة بعد عام من العمل به.

ومثل العديد من
العلماء الذين عاشوا في تلك الفترة؛ توجه أبو الوفا في كتابة أفكاره ونظرياته في
مخطوطات وأطروحات تناقش أعمال كل من الإغريقيين إقليدس، و ديوفانتوس الإسكندري،
بالإضافة إلى أعمال محمد بن موسى الخوارزمي.

مخطوطة للحرفيين والخبراء:-

ومن أبرز أعمال أبو الوفا البوزجاني هو مخطوطته المسماة “كتاب فيما يحتاج إليه العمال في علم الحساب”، وكتب البوزجاني في مقدمته:

“يتضمن
هذا الكتاب كل ما يُحتاج إليه كل من الخبراء، المبدئين، المرؤوسين أو المسؤولين في
الحساب لأجل التعرف على فن عمل الموظفين المدنيين أو على كيفية حساب الضرائب
المترتبة على الأراضي، بالإضافة إلى كل الأعمال المطلوبة في كل من: الإدارات، حساب
النسب، الضرب والقسمة، القياسات، التوزيع والتبادل مع كل الممارسات التي تحتاج في
ممارسة الاعمال التجارية تعتبر من الأمور المفيدة في الأعمال اليومية”.

خلال تلك الفترة من
تاريخ الرياضيات؛ تم استعمال نمطين من الكتابات الرياضية، أحداهما من خلال اعتماد
الترميز الرياضي بالأرقام الهندية والأخرى عبر كتابة الأصابع الحسابية (العد
اللفظي)، وهو ما اعتمد عليه البوزجاني، حيث كان يكتب الأرقام بالكلمات ويُتم
العمليات الحسابية بشكل ذهني.

من مؤلفات البوزجاني – مكتبة قطر الرقمية

ما يظنه المؤرخون؛ أن
الكتابات الحسابية كانت موجهة لنوعين من القراء، ومع أن البوزجاني كان خبيراً في الأرقام
الهندية؛ إلا أنه اعتمد الكتابة بنمط الأصابع أو الكتابة اللفظية.

وتبرير ذلك أنه لم يكن هناك قدرة معرفية للتطبيق في الدوائر التجارية وفيما بين سكان المناطق الشرقية التي تقع تحت سلطة الخلافة البويهية لفترة طويلة، لذلك فقد كان استعمال أبو الوفا لطريقة الكتابة بنمط الأصابع لأنه هو الأسلوب السائد في عالم الأعمال آنذاك.

كتاب البوزجاني تم عرضه ضمن سبعة أجزاء كالتالي:-

  • الجزء الأول: يعتني بالنسب (وكل ما يتعلق بالكسور) والتي
    يشيع استعمالها في عالم الأموال (1/2, 1/3,
    1/4, …..1/10).
  • الجزء الثاني: يعالج مشكلات الضرب والقسمة (العمليات
    الحسابية التي تتضمن الأعداد الصحيحة مضروبة بالكسور).
  • الجزء الثالث: ويهتم هذا الجزء بالقياسات والاشكال
    (فيبحث بالأشكال، حجومها وقياس المسافات).
  • الجزء الرابع: يعتني في حساب قيمة الضرائب والزكاة
    (بمختلف أنواعها وتحديد قيمة نصابها عبر المعادلات الضريبية).
  • الجزء الخامس: يُعالج جوانب الاقتصاد والبيع (حيث يضع
    عبارات الحساب الخاصة بأنواع المحاصيل، وكل ما يتعلق بقيمها وكيفية تبادلها).
  • الجزء السادس: ضمَّنه العديد من الأنواع والمجالات (من
    الوحدات المالية، رواتب الجند، كيفية حساب أجور تصاريح السفن، والترانزيت
    التجاري).
  • الجزء السابع تضمن العديد من المتفرقات التجارية الأخرى.

الأرقام السلبية في كتاب أبي الوفا:

من أبرز ما ينسب لأبي الوفا في هذه الأطروحة المذهلة؛ هو تطرقه إلى الأرقام السالبة والتعامل معها، ومنه يُخبرنا المؤرخون اليوم أن كتابت البوزجاني تمثل المكان الوحيد الذي تم فيه ذكر الأرقام السالبة ضمن الرياضيات الإسلامية والعربية في العصور الوسطى، وخاصة ضمن الفصل الثاني من كتابه.

وعلى سبيل المثال؛ هو
يعطي قاعدة عامة ويلحقها بإحدى الحالات الخاصة حيث القيام بطرح (5) من العدد (3)
يكون الناتج “دين” أي قيمة سالبة للعدد (2) يمكن تمثيله على أنه دين.

 بعد ذلك؛ يقوم أبو الوفا الوزجاني بمضاعفة ذلك بقيمة (10) لنحصل على دين أو قيمة سالبة بمقدار (20)، أما إن قمنا بإضافة (1) على كل من (3و5) ، فنحصل على العبارة تكتب بالترميز كالتالي: (10-3) *(10-5) =35  أي يوجد إضافة (20) عن جداء (3 و5) الممثل بالرقم (15).

أبو الوفا والبحث في الهياكل الإنشائية:

ومن نتائج معرفة البوزجاني ؛هو أطروحة موجهة للحرفيين تتعلق بالهياكل الهندسية التي يحتاجونها.

هذه الأطروحة أنجزت
عام 990 م، وهي بمثابة كتاب يتكون من ثلاثة عشر فصلاً يبحث فيها باختبار وتصميم
الأدوات الحرفية، بناء الزوايا الصحيحة، إنشاء القطوع والأشكال الدائرة بالإضافة
إلى المضلعات وتقسيم الأسطح الكروية وغيرها.

وما يميز هذا العمل؛ هو محاولة أبو الوفا البوزجاني حل إشكاليات الاستقامة بالمسطرة والمساحة المحددة عندما يكون عمل الهياكل صعباً، حيث قام بإنشاء آلية معينة تمكن من إصلاح وتحديد الزوايا وذلك عبر استعمال عمليات حساب المساحة، حيث يقول:

“مما
يثير الاهتمام في الانشاءات وحساباتها؛ هو أنها عند تنفيذها العملي تمنحنا نتائجاً
أكثر دقة عبر فتح مجال المساحة وحسابه”.

الفلك والجيب المثلثي لديه:

إن أبرز ما يعرف عن كتابات أبو الوفا البوزجاني هو استعماله للجيب المثلثي وخاصة (الظل المثلثي) حيث استعمل هذه الدوال الرياضية حين وضع جدول للجيب والظل عند الدرجة (15)، واعتمدها في عمله الفلكي عند التحقق من مدار القمر.

كما أن أبو الوفا قد استعمل القواطع لجيب التمام والتي جعلت من حساباته الفلكية دقيقة حتى ثماني خانات (منزلة عشرية) بينما كانت نتائج قياسات بطليموس دقيقة حتى الخانة الثالثة فقط.

ومع أنه لم يهتم
بالتعليق على كتاب المجسطي للإغريقي بطليموس؛ إلا أن أعمال الأخير في الرصد
الفلكي، كانت المنطلق الذي اعتمده العلماء من بعده في نقدها وتصحيحها.

كتبه ومؤلفاته:

كتب أبو الوفا البوزجاني في الرياضيات والفلك ومن أطروحاته والمخطوطات التي وصلت إلينا:

  • كتاب ديوفنطس في الجبر.
  • كتابه في تفسير كتاب الخوارزمي “في الجبر والمقابلة”.
  • كتاب الكامل في حركات الكواكب.
  • كتابه المسمى: “كتاب فيما يحتاج إليه العمال”
  • كتاب الزيج الواضح.
  • كتاب” رسالة فيما يحتاج إليه الصانع من أعمال الهندسة.
  • كما أن لأبي الوفا كتابات ومخطوطات شعرية.

أبو الوفا البوزجاني – آراء فيه:-

  • قال عنه ابن خلِّكان في “وفيات الأعيان”: أحد الأئمة المشاهير في علم الهندسة، وله فيه استخرجات غريبة لم يُسبق بها، وكان شيخنا العلَّامة كمال الدين أبو الفتح موسى بن يونس، وهو القيِّم بهذا الفن؛ يبالغ في وصف كتبه، ويعتمد عليها في أكثر مطالعاته، ويحتج بما يقوله، وكان عنده من تأليفه عدة كتب”.
  • وقال أبو عبد الله بن سعدان الذي كان وزيراً لصمصام الدولة البويهي عن البوزجاني والذي كان من الجماعة المقربة له: “وأمَّا أبو الوفاء؛ فهو والله ما يقعد عن المؤآنسة الطيبة، والمساعدة المطربة، والمفاكهة اللذيذة، والمؤاتاة الشهية، إلَّا أن لفظه خراساني، وإشاراته ناقصة، هذا مع ما استفاده بمُقامه الطويل ببغداد، والبغدادي إذا تخرسَنَ كان أعلى وأظرف من الخراساني إذا تبغدد”.
  • قال عنه جمال الدين القفطي: “البُوزجاني له يد في علوم الأوائل والحساب والهندسة وصنَّفَ في ذلك كتاب مطلع العلوم للمتعلمين، نحو ستمائة ورقة”.
مكتبات عالمية تحتفظ ببعض كتب البوزجاني

أبو الوفا وعلاقته بالتوحيدي:-

لقد ربطت أبو الوفاء علاقة وطيدة بالفيلسوف والأديب أبي حيان التوحيدي، فقد كان الأول سبباً في اتصال الثاني بالوزير أبي عبد الله العارض أو أبي عبد الله بن سعدان، والذي جمعه حوار مطول ومتنوع مع التوحيدي دام سبع وثلاثين ليلة، حيث سجله التوحيدي في كتابه الشهير “الامتاع والمؤآنسة”.

ساهم أبو الوفاء بذلك في التهوين على أبي حيان الذي عانى الفقر والبؤس وإهمال السلاطين، فبالإضافة إلى تعريفه بالوزير العارض؛ فإن البوزجاني  كان صادق الوعد مع التوحيدي حينما قابله ببغداد سنة 358 م وتحديداً في مجلس ابن شاهويه الفقيه الشافعي الذي عُهِدت إليه مهمة القضاء ببلاد فارس، حيث تعهد له بأن يعمل على تحسين حاله بدعوى الشفقة وإخلاص الضمير.

أبو الوفا البوزجاني – نهاية مسيرة حافلة :

توفي البوزجاني بتاريخ (15) تموز / يوليو سنة 998 للميلاد عن عمر يناهز الثامنة والخمسين في بغداد، هذه المدينة التي منحها كل حياته ومنجزاته.

بغداد في العام 1932 م – مكتبة الكونغرس

المصادر:

http://mathshistory.st-andrews.ac.uk/Biographies/Abul-Wafa.html

أبو حيان التوحيدي، فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، أحمد عبد الهادي.

جمال الدين القفطي، تاريخ الحُكماء.

مكتبة قطر الرقمية.

خير الدين الزركلي، الأعلام، ج7، ص21.

Exit mobile version