جابر بن حيان .. الاسم والنشأة:-
جابر بن حيان بن عبد الله، أبو موسى الكوفي، فيلسوف كيميائي، كان يعرف بالصوفي والحرَّاني، وُلِدَ في طوس سنة 101هـ (720 م)، وأصله من خراسان، وعاش معظم حياته في الكوفة.
يقال: إنه كان من الصابئة ومن ثم جاء لقبه الحراني، ودخل جابر في الإسلام بعد ذلك وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد، ويذكر الأب جورج قنواتي أن جابراً أُرسِل إلى الجزيرة العربية بعد وفاة والده وهو صغير، حيث درس القرآن والرياضيات.
المكانة العلمية:-
كان جابر بن حيان شخصية بارزة، ومن أعظم علماء عصره، مارس الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد، وبعد نكبة البرامكة سُجِنَ في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته.
وخلاصة القول -حسب سارطون-: “إنه لا يمكن معرفة القيمة الحقيقية لما قام به جابر إلا إذا تم تحقيق وتحرير جميع مؤلفاته ونشرها”.
بدوره؛ قال المؤرخ جمال الدين القفطي عن جابر بن حيان: “الكوفي، كان متقدماً في العلوم الطبيعية بارعاً منها في صناعة الكيميا، وله تآليف كثيرة ومصنَّفات مشهورة، وكان مع هذا مشرفاً على كثير من علوم الفلسفة ومتقلِّداً للعلم المعروف بعلم الباطن وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلاك كالحارث بن أسد المجاشي وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم”.
وأضاف القفطي – المتوفَّى سنة 1248 م – ” وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن المشَّاط الاسطرلابي الأندلسي ان رأى لجابر بن حيَّان بمدينة مصر تآليفاً في عمل الاصطرلاب يتضمن ألف مسألة لا نظير لها”.
إسهاماته العلمية:-
يوجد العديد من الاسهامات العلمية لدى جابر بن حيان ، نذكر منها :
- أدخل البحث التجريبي إلى الكيمياء.
- اشتملت كتبه على بيان مركبات كيماوية كانت مجهولة قبله.
- مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي Alkali، وماء الفضة.
- صاحب الفضل فيما عرفه الأوروبيون عن ملح النشادر، وماء الذهب، والبوتاس، وزيت الزاج.
- تناول في كتاباته الفلزات، وأكسيدها، وأملاحها، وأحماض النتريك والكبريتيك، وعمليات التقطير، والترشيح، والتصعيد.
- أول من وصف أعمال التقطير والتبلور والتذويب والتحويل.
- أول من استخرج حامض الكبريتيك وسماه زيت الزاج.
- أول من اكتشف الصودا الكاوية.
- أول من استحضر ماء الذهب.
- ينسب إليه استحضار مركبات أخرى؛ مثل: كربونات البوتاسيوم، وكربونات الصوديوم.
- أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء.
- أوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها.
- يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية، وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في: تكرير المعادن، وتحضير الفولاذ، وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود، وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.
المواد حسب خصائصها:-
قسم جابر بن حيان المواد
حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع مختلفة؛ وهي:
- الكحوليات؛ أي تلك المواد التي تتبخر عند تسخينها؛ مثل:
الكافور وكلوريد الألمنيوم. - المعادن؛ مثل: الذهب، والفضة، والرصاص، والحديد.
- المركبات، وهي التي يمكن تحويلها إلى مساحيق.
جابر بن حيان – مكانته عند الغرب:-
ولجابر شهرة كبيرة عند الغرب
بما نقلوه من كتبه في بدء يقظتهم العلمية، وعُرِفَ عند الأوربيين باسم Geber.
قال برتلو: “لجابر في
الكيمياء ما لأرسطو طاليس قبله في المنطق، وهو أول من استخرج حامض الكبريتيك وسماه
زيت الزاج، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استحضر ماء الذهب، وينسب إليه
استحضار مركبات أخرى؛ مثل: كربونات البوتاسيوم، وكربونات الصوديوم. وقد درس خصائص
مركبات الزئبق واستحضرها”.
وقال لوبون: “تتألف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره”.
بدوه يقول هولميارد: “لقد كان علماء الإسلام أول من طبَّق المنهج العلمي السليم في دراسة الظاهرة الكيميائية”، ويضيف “لقد كانت وجهات نظر جابر بن حيَّان واضحة ومتقنة وبسبب أبحاثه الدقيقة الشاملة؛ استحق لقب المؤسس الأول للكيمياء على قواعد سليمة وأسس راسخة”.
تلاميذ جابر بن حيان:-
- الأخميمي: واسمه عثمان بن سويد أبو حرى الأخميمي، من اخميم من قرى مصر، وقد كان مقدماً في صناعة الكيمياء ورأساً فيها، وله مع ابن وحشية مناظرات، وبينهما مكاتبات، وألَّف كتاب الكبريت الأحمر، وكتاب الآت القدماء، وكتاب التصعيد والتقطير…
- ابن عيض المصري.
- الخرقي… قد يكون صاحب كتاب التبصرة في علم الهيئة”.
- الأسماء السابقة، هي لمن أقدم على التعلم المباشر من جابر بن حيان، لكن أسماءً كبيرة نهلت لاحقاً من معين علمه من قبيل الطبيب الشهير الرازي (المتوفى سنة 923 م) الذي وصف جابر بالأستاذ قائلاً في كتابه “سر الأسرار” المختص بالكيمياء: “وشرحنا في هذا الكتاب ما سطرته القدماء من الفلاسفة مثل أغاثا ديموس، وهرمس، وأرسطو طاليس، وخالد بن يزيد بن معاوية، وأستاذنا جابر بن حيان، بل وفيه أبواب لم يُرَ مثلها..”.
ترجمة أعماله إلى الإنجليزية واللاتينية:-
وقد ترجمت بعض كتبه إلى
اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما تُرجِم بعضها من اللاتينية إلى
الإنجليزية سنة 1678م.
وظل الأوربيون يعتمدون على
كتبه لعدة قرون، وقد كان لها أثر كبير في تطوير الكيمياء الحديثة، وفي هذا يقول
ماكس مايرهوف: “يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوربا إلى جابر بن حيان بصورة
مباشرة، وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة
في مختلف اللغات الأوربية”.
جابر بن حيان – كتبه:-
له تصانيف كثيرة، قيل: عددها 232 كتاباً، وقيل: بلغت 500، ضاع أكثرها، وتُرجِم بعض ما بقي منها إلى اللاتينية، ومما بين أيدينا من كتبه أو الكتب المنسوبة إليه:
- مجموع رسائل، الرسائل السبعون.
- أسرار الكيمياء.
- علم الهيئة.
- أصول الكيمياء.
- المكتسب.
- السموم ودفع مضارها.
- تصحيحات كتب أفلاطون.
- الخمائر.
- الرحمة.
- الخواص، الكبير المعروف بالمقالات الكبرى والرسائل
السبعين. - الرياض.
- صندوق الحكمة.
- الملك.
- الموازين الصغير.
- العهد، في الكيمياء.
وتضاف إلى هذه الكتب تصانيف أخرى عديدة تتناول -إلى جانب الكيمياء- شروحاً لكتب أرسطو وأفلاطون، ورسائل في الفلسفة، والتنجيم، و الرياضيات، والطب، والموسيقى.
جابر بن حيَّان هو صاحِبُ الفضل فيما عرفه الأوروبيون من مِلحِ النوشادر وماء الذَّهب والبوتاس وزيت الزَّاج وبعض السُّموم، وقد تُرجِم له كتابهُ السبعون وكِتاب تركيب الكيمياء إلى اللُّغَةِ اللاتينيَّة في أوائل القَرْنِ الثاني عشر، وظلَّت كُتُبهُ عُمدة في هذا العِلم بين الأوروبيين إلى أواخِر القرن السابع عشر، فتُرجِمَ كِتابه الاستتمام إلى اللُّغَةِ الفرنسية سنة 1672 م.
— عباس محمود العقاد.
الحديث عن عدد ضخم من المؤلفات:-
قال جابر كما أورد ابن النديم: “ألَّفتُ ثلثمائة كتاب في الفلسفة، وألف وثلثمائة كتاب في الحيل، على مثال كتاب “تقاطر”، وألف وثلثمائة رسالة في صنائع مجموعة والآت الحرب، ثم ألَّفتُ في الطب كتاباً عظيماً، وألَّفتُ كتاباً صغاراً وكباراً، وألَّفتُ في الطب نحو خمسمائة كتاب، مثل كتاب المحبسة والتشريح، ثم ألفت كتب المنطق على رأي أرسطوطاليس، ثم ألَّفتُ كتاب الزيج اللطيف، نحو ثلثمائة ورقة، كتاب شرح إقليدس، كتاب المرايا، كتاب الجاروف، الذي نقضه المتكلمون، وقد قيل إنه لأبي سعيد المصري، ثم ألَّفتُ كتباً في الزهد والمواعظ، وألَّفتُ كتباً في العزائم كثيرة حسنة، وألَّفت كتباً في النيرنجات، وألَّفتُ في الأشياء التي يعمل بخواصّها، كتباً كثيرة، ثم ألَّفتُ بعد ذلك خمسمائة كتاب، نقضاً على الفلاسفة، ثم ألَّفتُ كتاباً في الصنعة يعرف بكتب الملكك، وكتاباً يعرف بالرياض”.
يمتاز جابر على غيره من العُلَماء بكونه في مقدِّمة الذين عملوا التَّجارُب على أساسٍ علمي، وهو الأساس الذي نسير عليه الآن في المَعَامِل والمُختبرات؛ إذ دعا إلى الاهتمام بالتجرُبة وحثَّ على إجرائها مع دِقَّة المُلاحَظة، كما دعا إلى التَّأني وترْك العَجَلَة، وقال: إنَّ واجبِ المُشتغِل في الكيمياء هو العَمَل وإجراء التجرُبة، وإنَّ المعرفة لا تحصل إلَّا بِهَا.
— قدري طوقان.
رد ابن النديم على ما ينكر وجود جابر بن حيان:-
تعرض ابن النديم في كتابه “الفهرست” بالردِّ على جماعة من أهل العلم وكبار الورَّاقين ممن قالوا: إن هذا الرجل يعني جابراً، لا أصل له ولا حقيقة، وبعضهم قال إنه لم يُصنِّف، وإن كان له حقيقة إلا كتاب الرحمة، وأن هذه المصنفات كتبها الناس ونحلوه إياها.
ويرد ابن النديم بالقول: “إن رجلاً فاضلاً يجلس ويتعب ويصنف كتاباً يحتوي على ألفي ورقة، يتعب قريحته وفكره بإخراجه، ويتعب يده وجسمه بنسخه، ثم ينحله لغيره، أما موجوداً، أو معدوماً، ضَرّبٌ من الجهل، لأن ذلك لا يستمرُّ على أحد، ولا يدخل تحته من تحلَّى ساعة واحدة بالعلم، وأي فائدة في هذا وأي عائدة، والرجل له حقيقة وأمره أظهر واشتهر، وتصنيفاته أعظم وأكثر”.
تعرف على جابر بن أفلح .. عالِم الرياضيات المُلهم للفلكيين
جابر بن – حيان نهاية مسيرة:-
توفي في الكوفة سنة 199هـ (815 م).
المصادر:–
- الأعلام (2/103).
- إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القفطي.
- أثر العرب فى الحضارة الأوروبية، العقَّاد.
- كتاب الفهرست للنديم، تحقيق رضا- تجدّد.
- معجم العلماء العرب، باقر أمين الورد.
- ماذا قدَّم المسلمون للعالم؟، راغب السرجاني.
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 2).