أسماؤهم:-
بنو موسى بن شاكر ،هم أولاد موسى بن شاكر الثلاثة، وهم بناء على كتاب تاريخ الحُكماء لجمال الدين القفطي:
- محمد أبو جعفر، وقد كانَ وافِر الحَظ من الهَندسة والنجوم، عالمٌ بإقليدس والمجسطي وجَمَعَ كُتُب النُّجوم والهندسة والعَدَدَ والمنطق، وكان حريصاً عليها قبل الخِدمة (في مرصد المأمون) ويصبر، وصار من وًجًوه القوَّاد إلى أن غَلَب الأتراك على الدَّولة، وذَهبَت دولة أهل خُراسان وانتقلت إلى العِراق فَعَلَتْ منزلته واتسَعَ حاله إلى أن كان مدخوله في كل ِّ سَنَة بالحَضرة وفارس ودمشق وغيرها نحو أربعمائة ألف دينار، وكان أكبر إخوته، توفي في شهر ربيع الأول، سنة 259هـ.
- أحمد كان دون أخيه محمد في العلِم الَّا في صناعة الحِيَل فإنَّه قد فَتَحَ فيها ما لم يُفتَح مثله لأخيه محمد ولا لغيره من القُدَماء المُحقِّقين بالحِيَل، وكان مدخوله نحو سبعين ألف دينار.
- الحَسَن وهوَ المنفرد عن سابقيه بالهندسة وله طبعٌ عجيب فيها لا يدانيه أحد، عَلِمَ كُلُّ ما عَلِمَ بطبْعِهِ ولم يقرأ من كُتُب الهَندسة إلَّا ستّ مقالات من كتاب إقليدس في الأصول فقط، وهي أقل من نصف الكتاب ولكن ذِكره كان عجيباً وتخَيُله كان قوياً حتى حدَّث نفسه باستخراج مسائل لم يَستخرِجها أحد من الأولين( كقِسمة الزاوية بثلاثة أقسام متساوية وطرح خطَّين بين خَطَّين ذوي توال على نسبة) فكانَ يُحلّلها ويردَّها إلى المسائل الأُخَر ولا ينتهي إلى آخر أمرها( لأنها قد أعيَت الأولين فكانَ يروِّض فِكره فيها حتى إنَّه كان يحكي عن نفسه أنَّه كان يغرق في الفكر في مجلسٍ فيه جماعة فلا يسمع ما يقولون ولا يحس به)..”.
الأخ الثالث الحسن، فقد كان بارِعاً في الهندسة موهوباً، قريع الدَّهر، يشهد بذلك جميع الذين عرفوه، فلمسوا فيه نبوغاً خارقاً، وألْفَوا عنده ذاكرة نادرة ومخيِّلة قويَّة كانت تُمكِّنهُ دوماً من حَل المسائل الرِّياضية المستعصية التي لم يتمكَّن من حَلِّها القُدَامى، وكان يغوصُ بفكرهِ وكيانهِ في أغوارِها، فلا يعودُ يسمع أو يُبصِر أحداً على الرَّغْم من وجوده في رهطٍ من النَّاس صاخِب.
— شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه.
نشأتهم:-
كان
والدهم موسى بن شاكر من قطَّاع الطرق في شبابه في بغداد، فتاب، ودخل في خدمة
المأمون الخليفة العباسي، وكان من المقربين منه، وقد اهتم بالفلك والتنجيم، فتعلم
التنجيم وهيئة الأفلاك، وعندما توفي موسى بن شاكر سنة 200هـ، ترك أولاده الثلاثة
صغاراً، فرعاهم المأمون، وكلَّف إسحاق بن إبراهيم المصعبي بالعناية بهم، فأدخلهم
إسحاق إلى بيت الحكمة الذي كان يحتوي على مكتبة كبيرة وعلى مرصد فلكي، إضافةً إلى
القيام بترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية من اليونانية، فنشأ بنو موسى في هذا
الوسط العلمي، وأصبحوا أبرز علماء بيت الحكمة.
رواية ابن العبري حولهم:-
تحدَّث المؤرخ ابن العبري عن مساهمات بني شاكر، وذلك في كتابه “تاريخ مختصر الدول”.
وقال ابن العربي – المتوفى عام 1286 م- عنهم ” في أيام المعتضد؛ علت منزلة بني موسى بن شاكر وهم ثلاثة محمد وأحمد والحسن، وكان موسى بن شاكر يصحب المأمون ولم يكن موسى من أهل العلم، بل كان في حداثته حرامياً يقطع الطريق، ثم أنه تاب ومات وخلَّف هؤلاء الأولاد الثلاثة صغاراً، فوصى بهم المأمون؛ إسحق بن إبراهيم المصعبي، وأثبتهم مع يحيى بن أبي منصور في بيت الحكمة، وكانت حالتهم رثَّة رقيقة، على أن أرزاق أصحاب المأمون كلهم كانت قليلة”.
وأضاف ابن العبري”.. فخرج بنو موسى بن شاكر نهاية في علومهم، وكأن أكبرهم وأجلّهم أبو جعفر محمد، وكان وافر الحظِّ من الهندسة والنجوم، ثم خدم وصار من وجوه القوَّاد إلى أن غلب الأتراك على الدولة”.
وزاد “.. وكان أحمد دونه في العلم إلا في صناعة الحيل، فإنه فُتح له فيها ما لم يُفتح مثلهُ لأحد، وكان الحسن وهو الثالث منفرداً بالهندسة وله طبع عجيب فيها لا يدانيه أحد علم كل ما علم بطبعه ولم يقرأ من كُتب الهندسة إلا ست مقالات من كتب أوقليذس في الأصول فقط وهي أقل من نصف الكتاب، ولكن ذكره كان عجيباً وتخيله كان قوياً”.
وحُكِيَ أن المروزي قال عنه يوماً للمأمون إنه (الحسن) لم يقرأ من كتاب أوقليذس إلا ست مقالات، أراد بذلك كسره ، بحسب ابن العبري، فقال الحسن: يا أمير المؤمنين لم يكن يسألني عن شكل من أشكال المقالات التي لم أقرأها إلا استخرجتهُ بفكري وأتيته به، ولم يكن يضُرُّني أنني لم أقرأها ولا تنفعه قراءتهُ لها إذ كان من الضعف فيها بحيث لم تغنه قراءته في أصغر مسألة من الهندسة، فأنه لا يحسن أن يستخرجها.
فقال له المأمون: “ما أدفع قولك، ولكني ما أعذرك ومحلُّك من الهندسة محلُّك أن يبلغ بك المسل أن لا تقرأهُ كلهُ وهو للهندسة كحروف أ ب ت ث للكلاكلام والكتابة”. واشتهر المأمون بدعمه الواسع للعلوم والفلسفة.
المشاركة ببناء المرصد:-
تعرض الدكتور شوقي ضيف في كتابه ” العصر العباسي الأول” إلى انطلاقة المرصد الذي أمر بإنشائه المأمون بمشاركة عدد من الفلكيين البارزين وأولئك الشبان، كما ساهم المرصد بولادة جيل جديد من المهرة في علم الفلك.
وقال ضيف :”وقد جعل المأمون على مرصده الكبير ليحيى بن أبي منصور، وألحق به طائفة من نابهي الفلكيين، مثل علي بن عيسى الإسطرلابي، ومحمد بن موسى الخوارزمي، والعباس بن سعيد الجوهري، ولم يلبث هذا المرصد أن تحوَّل إلى مدرسة رياضية فلكية كبيرة تخرَّج فيها غير فلكي مثل بني موسى بن شاكر”.
وأضاف ضيف ” وقد أفادت هذه المدرسة من الأبحاث الفلكية والجغرافية التي سبق إليها الهنود والفرس واليونان، وأضافت إلى ذلك إضافات جديدة باهرة، إذ وضَعَت لحركات الأفلاك زيجات وجداول أكثر دقة مما كان لدى الأقدمين، وأُدخِلت تحسينات على خريطة بطليموس، واستطاعت أن تقيس درجتين من درجات محيط الأرض على أساس كرويتها، إلى مباحث فلكية فلكية وجغرافية ورياضية كثيرة”.
مكانتهم العلمية:-
تُنسَب إليهم (حيل) بني موسى، في (الميكانيك) وهم مشهورون بها، وكانوا مقرَّبين من المأمون العباسي، يرجع إليهم في حل ما يعسر عليه فهمه من آراء متقدمي الحكماء، وكانت لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكتب الأوائل، وأجهدوا أنفسهم في شأنها، وبعثوا إلى بلاد الروم من أخرجها لهم، وأحضروا النَّقَلَة من الأصقاع الشاسعة، فأظهروا عجائب الحكمة، ووضعوا كتاباً يشتمل على كل غريبة، اطَّلع عليه ابن خَلِّكان، وقال: “إنه من أحسن الكتب وأمتعها”، وتعقَّبه الزِّركلي بقوله: “ورأيت في مخطوطات الفاتيكان (317 A) مجموعاً أوله «كتاب الحيل لبني موسى بن شاكر المنجم» لعله هو الذي رآه ابن خَلِّكان”.
وتجدر
الإشارة إلى أن بني موسى قد تعاونوا فيما بينهم لدرجة يصعب معها التمييز بين العمل
الذي قام به كل واحد منهم، لكن المهم هو أنهم لعبوا دوراً مهماً في تطوير علوم
الرياضيات، والفلك، والهندسة، وأثَّروا في عصرهم تأثيراً كبيراً.
استحدثوا آلات لخدمة الزِّراعة والفلاحة، مثل المعالف الخاصَّة لحيوانات ذات أحجامٍ معينة تتمكَّن أن تُصيب مأكلها ومشربها فلا تنازِعَها غيرها الطَّعَام والشَّرَاب، وعمل خَزَّانَات للحمَّامَات، والآت لتعيين كثافة السوائل، وآلات تُثبَت في الحُقوب لكيلا تضيع كميات الماء هَدْرَا، ويمكن بواسطتها السَّيطرة على عملية ريِّ المزروعات، وكلن لكُل هذه الأفكار الإبداعيَّة أثرٌ كبير في دفع مسيرة تقنية (الحِيَل النَّافِعَة) أو الهندسة الميكانيكيَّة قُدُماً؛ حيث تميَّزَت تصاميمها بالخيال الخصب والتوصيف الدَّقِيق والمنهِجِيَّة التجريبيَّة الرَّائدة.
— أحمد فؤاد باشا.
إنجازاتهم العلمية:-
- أبدعوا في العلوم الرياضية، والفلكية، والميكانيكية، والهندسية؛ وأسهموا في
تطويرها؛ بفضل اختراعاتهم واكتشافاتهم المهمة. - في مجال الميكانيكا ساهموا في اختراع عدد من الأدوات العملية والآلات
المتحركة، حيث ابتكروا عدداً من الآلات الفلاحية، والنافورات التي تُظْهِر صوراً
متعددة بالمياه الصاعدة، كما صنعوا عدداً من الآلات المنزلية، ولعب الأطفال، وبعض
الآلات المتحركة لجر الأثقال، أو رفعها، أو وزنها. - في الرياضيات استخدم بنو موسى المعارف الرياضية في أمور عملية؛ من ذلك أنهم
استعملوا الطريقة المعروفة في إنشاء الشكل الأهليليجي (elliptic)، والطريقة هي أن تغرز دبوسين
في نقطتين، وأن تأخذ خيطاً طوله أكثر من ضعف البعد بين النقطتين، ثم بعد ذلك تربط
هذا الخيط من طرفيه وتضعه حول الدبوسين وتدخل فيه قلم رصاص، فعند إدارة القلم
يتكون الشكل الأهليليجي. - في مجال الفلك حسب بنو موسى الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية،
ووضعوا تقويمات لمواضع الكواكب السيارة، ومارسوا مراقبة الأرصاد وسجَّلوها. - لعب بنو موسى دوراً مهماً في رعاية حركة الترجمة والإنفاق على المترجمين
والعلماء، وفي هذا الصدد تقول المؤلفة الألمانية زيغريد هونكة عن بني موسى:
“قاموا بإيفاد الرسل على نفقتهم الخاصة إلى الإمبراطورية البيزنطية؛ بحثاً عن
المخطوطات الفلسفية، والفلكية، والرياضية، والطبية القديمة، ولم يتوانوا عن دفع
المبالغ الطائلة لشراء الآثار اليونانية وحملها إلى بيتهم… وفي الدار التي
قدَّمها لهم المتوكل -على مقربة من قصره في سامراء- كان يعمل، دون إبطاء، فريقٌ
كبير من المترجمين من أنحاء البلاد”.
“في مرصد سامرَّاء؛ رأيتُ آلةً بناها الأخوان محمد وأحمد ابنا موسى، وهي ذات شكلٍ دائريٍ تحمِل صُور النُّجوم ورُموز الحيوانات في وسَطها، وتديرُ قوَّة مائية، وكان كُلَّما غاب نجمٌ في قبَّة السَّماء؛ اختفت صورته في اللَّحظة ذاتها في الآلة، وإذا ظَهَرَ نجمٌ في قُبَّة السَّماء؛ ظَهَرَت صورته في الخَطّ الأفقي من الآلة.
— الطبيب ابن ربن الطبري.
كتبهم:-
كتب
بنو موسى في علوم عدة؛ مثل الهندسة، والمساحة، والمخروطات، والفلك، والميكانيكا،
والرياضيات، وقد ترجمت كتبهم إلى عدة لغات، ومن أشهر كتبهم:
- الحيل، وهو أشهر كتبهم، جمعوا فيه علم الميكانيكا القديمة، وتجاربهم
الخاصة. - مساحة الأكر.
- قسمة الزوايا إلى ثلاثة أقسام متساوية.
- الشكل المدور والمستطيل.
- الشكل الهندسي.
- حركة الفلك الأولى.
المصادر:–
- الأعلام (7/116).
- تاريخ مختصر الدول لابن العبري.
- العصر العباسي الأول، شوقي ضيف.
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 7).
- الفهرست لابن النديم (332).
- تاريخ الحُكماء، جمال الدين القفطي.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (5/161).
- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه.
- ماذا قدَّم المسلمون للعالم، السرجاني.