Site icon العربي الموحد الإخبارية

ابن الهيثم .. الموسوعي الذي أرسى قواعد علم البصريات الحديث

ابن الهيثم :

هو أبو علي،
الحسن بن الهيثم البصري، الذي عُرف في أوروبا خلال العصور الوسطى باسم الحَسَنَ ،
بينما أُطلِقَ عليه في العالم الإسلامي لقبَ “بطليموس الثاني”، فقد كانَ
من العُلماء الموسوعيين الذين لديهم الدافع والقدرة على خوض غمار البحث في علوم
شتّى.

فقد سَبَرَ ابن
الهيثم أغوارَ العلومِ التالية على الأقل: الرياضيات، الفيزياء، الميكانيك، الفلك
والفلسفة.. إلى جانب الطب.

لقد كان ابن الهيثم أحَدَ أعظم العلماء المسلمين في الفترة الممتدة بين القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، هذا دون إغفال وجود أسماءً هائلة أخرى من قَبيل العظيمين أبي الريحان البيروني (973-1050 م) وابن سينا (980-1037 م).

ابن الهيثم وتنقله بين الحواضر:

خلال حياته
العملية؛ ارتحَلَ ابن الهيثم مِن البصرة قاصِداً القاهرة، وذلكَ لتلبية دعوةَ الخليفة
الفاطمي الحاكِم بأمر الله (985 -1021 م).

هذا الأخير؛
اعتنى بالعلماء ومَنَحَهُم التبجيل الذي يستحقون، فكان من بين قراراته دعم بناء مرّصَدٍ
فلكي لابن يونس المصري (المتوفى عام 1009 م)، كما قامَ برعاية تأسيس مكتبة دار الحكمة
(1004م) والتي كانت حينها توازي نظيرتها في بغداد والشهيرة بـ” بيت
الحكمة”.

لقد كان ابن
الهيثم كاتباً نشطاً صاحب إنتاج غزير، فهو نفسه كان قد أعلن عن كتابته لخمس وعشرين
مجلداً خاصاً بالرياضيات وعلومها، هذا بالإضافة إلى كتابته (44) مؤلفاً خاصاً
بعلوم الفيزياء والميتافيزيقيا الأرسطية.

العلامة ابن الهيثم

 هذا ناهيك عما كتبهُ ابن مدينة البصرة في علم
النفس والتنبؤ بحالات الطقس.

يذكر أنه
خلال نشأته العلمية؛ قام ابن الهيثم بدراسة معمقة للفلسفة والميتافيزيقيا من منطلق
الإغريقي أرسطو، وقد حاز ذلك على حيز كبير من وقت وتفكير العالم الموسوعي العربي.

وصفه من قِبَل العلماء:-

قال المؤرخ جمال الدين القفطي – المتوفَّى سنة 1248 م – عن ابن الهيثم: “أبو علي المهندس البصري، نزيل مصر، صاحب التصانيف والتآليف المذكورة في علم الهندسة، كان عالماً بهذا الشان متقناً له متفنناً فيه قيِّماً بغوامِضه ومعانيه، مُشاركاً في علوم الأوائل، أخَذَ عنه النَّاس واستفادوا..”.

وقال يوسف الناشي الإسرائيلي الحَكيم نزيلُ حلب: ” سَمعتُ أنَّ ابن الهيثم كانَ ينسخُ في مُدَّة سَنة ثلاثة كُتُب في ضِمن أشغاله، وهي إقليدس، والمتوسِّطات، والمجسطي ويستكملها في مدة السنة، فإذا شَرَعَ في نَسخِها جاءهُ من يعطيهِ فيهم مائة وخمسون ديناراً مصرية، وصارَ ذلكَ كالرَّسم الذي لا يحتاجُ فيه إلى مُواكبة ولا مُعاودة قول فيجعلها مؤنثة لسنته، ولم يَزَل على ذلك إلى أن ماتَ بالقاهرة في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة أو بعدها بقليل”.

بل وإن ابن الهيثم قد عمَّقَ تفكيره إلى ما هو أبعدُ غوراً بما يظُنُّ أول وهلةً، فأدرك ما قال من بعد (ماك) و(كارل بيرسون) وغيرهما من فلاسفة العلم المُحدثين في القرن العشرين، وأدرك الوضع الصحيح للنَّظَرية العلمية، وأدرك وظيفتها الحقَّة بالمعنى الحديث.

— مصطفى نظيف ، الطبيب والفيزيائي والمفكِّر المصري (توفي عام 1971 م).


الكتاب الأبرز:

من أبرز
الكتب التي خلّفها ابن الهيثم للبشرية باللغة العربية فيما يتصل بعلم البصريات؛ هو
كتاب “المناظر” والذي يتضمن قاموساً للمفردات البصرية تم ترجمته نقل إلى
اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي دون أن يذكر من قام بنقله.

فتم وضع
الكتاب المذكور ضمن سبع مجلدات تَدرَس بتعمق خواص الضوء وسلوكه، وذلك استناداً لأساليب
تجريبية ورياضية.

لقد قام ابن
الهيثم في البحث في ماهية تكوين الضوء، مسارات الضوء المنبثق من النجوم، كما تعمَّق
في بحث ضوء القمر والهالة الضوئية، هذا بالإضافة إلى دراسته لكيفية تشكُل قوس القزح
.. أي أنه بحث في كل أشكال الضوء الذي يراه.

مقالة في صورة الكسوف – ابن الهيثم

بعض مؤلفاته ومصنفاته: –

  • المناظر.
  • المرايا المُحرقة.
  • كيفية الإظلال.
  • تهذيب المجسطي.
  • مصادرات إقليدس.
  • حل شكل من إقليدس.
  • مساحة الجسم المتكافئ.
  • الأشكال الهلالية.
  • حركة القمر.
  • اختلاف منظر القمر.
  • صورة الكسوف.
  • العدد والمجسم.
  • قسمة الخط الذي استعمله أرشميدس في الكرة.
  • استخراج مسألة عددية.
  • مقدمة ضلع المسبع.
  • تربيع الدائرة.
  • عمل المسبَّع في الدائرة.
  • أصول المساحة.
  • مسألة في المساحة.
  • التنبيه على ما في الرَّصد من الغَلَط.
  • أصول الكواكب.
  • رؤية الكواكب.
  • ما يرى من السَّماء أعظم من نصفها.
  • علل الحساب الهندسي.
  • بركاز الدوائر العظام.
  • شكل بني موسى.
  • خطوط الساعات.
  • أوسع الأشكال المجسمة.

التجريب:-

وفي سبيل
فهم آلية عمل ابن الهيثم في العصور الوسطى؛ نلاحظ أنه توجَّه نحو التجريب لاختبار
الفرضيات، وليس فقط أن يستعمل أفكاراً يوظفها في سبيل الملاحظة أو الاكتشاف كما
فعل أسلافه.

فيلاحظ أن الفرضيات
المتعلقة بالضوء التي قام باختبارها، ثبت صحتها من عدمها وذلك عبر تكوينهِ لآليات
تجريبية خاصة بكل نوع منها بشكل يتسق مع نوع الضوء المدروس سواءً كان ضوء الشمس،
الشفق، أشعة الصباح.

ليستفيد ابن
الهيثم بعد ذلك من انعكاس كل من هذه الأضواء على الأسطح الملساء المصقولة والمعتمة،
متتبعاً خيوط الإنكسار والإنعكاس، لينتهي به المطاف إلى تأسيس القواعد التالية:

  • الضوء مصدره الجسم المضيء، أو هو ضغطه تحسّه العين.
  • للضوء وجود بذاته.
  • انتقال الضوء يستغرق زماناً.. وهو ينتقل في مادة، أو بواسطة جسم مشفّ.
  • للضوء سرعة أو حركة.
  • مساواة سرعة الضوء بعد الانعكاس لسرعته قبل الانعكاس.
  • في حال خروج الضوء من الجسم الأغلظ إلى نظيره اللطيف؛ كانت حركته أسرع.
  • يتحرَّك الضوء في خطوط مستقيمة في جميع الجهات إذا لم يصطدم بمانع.
دراسة منهجية لضوء الشمس

استنتاجات ابن الهيثم :

استنتج ابن الهيثم بعد التجربة؛ بأن مصادر الضوء تنقسم إلى ثلاثة أنواع وهي: المصادِر المضيئة، العاكسة والمرسلة للضوء.

وكان أول من
يحدد نوع ضوء القمر وسبب ضيائه وذلك في مخطوطته الفريدة “في ضوء القمر”
التي توصَّل فيها إلى أن “التجربة دلت على أن طريقة انتقال الضوء الذي يأتي
من القمر؛ يشابه الشعاع الضوء المنبثق من الأجسام ذاتية الإضاءة”

لقد قدَّم
ابن الهيثم للبشرية على طبق من ذهب نظريته الخاصة بالضوء والنور، فوضع للضوء تعريف
فيزيائي، كما وضَّح آلية انكسار الضوء بشكل ميكانيكي، ليخبرنا بأن المَسَارَ الذي
تسلُكهُ أشعةُ الضوء المنكسرة دائماً يكون الطريق الأسهل في الوسط.

ولم يكتف
بذلك؛ بل أجرى سلسلة أبحاث تربط ما بين الحرارة والضوء، ليتمكن هذا العقل الفَذ -عبر
أليات بدائية- من وضع ثمانية قواعد لانكسار الضوء.

البشرية لن تنسى مساهمات ابن الهيثم

الربط بين فيزياء الضوء والعبارات الرياضية:

إن الإنجاز الحقيقي لابن الهيثم لا يتعلق فقط بتجربته، بل أيضاً بكيفية تقديمها للعالم.

فقد قام
بالتعبيرِ عن أشعة الضوء وعبارات الانكسار والانعكاس بتعابير ممثلة رياضياً، بشكل
دقيق.

فهو أول من قام بالتجارب الفردية في دراسة كل ظاهرة بشكل مستقل، حيث استخدم التمثيل الرياضي الخاص في كل منها، وهو الذي ربط الانكسار بخصائص الوسط الكاسر وشفافيته التي نعرِفها اليوم باسم معامل الانكسار، لتسبق بذلك استنتاجاته ما خلَصً إليه الفيزيائي جاليليو جاليلي بنحو 500 عام.

ابن الهيثم الرائد:-

تروي كتب “تاريخ الحضارات” ما يفيد بأن روجر بيكون نهل علومه من جامعات الأندلس، لدرجة أن الفصل الخامس من كتابه الذي خصَّصه للبحث في البصريات، هو نسخة طبق الأصل عن كتاب “المناظر” لابن الهيثم.

هذا الأخير كان رائداً أيضاً في الرياضيات والطبيعيات، وهو الذي كان صاحب قصب السبق في شرح تركيب العين، وتعرَّض إلى أجزائها بالتفصيل، وأطلق عليها أسماءً ما زالت معتمد إلى يومنا، مثل الشبكية والقرنية والسائل المائي والساحل الزجاجي وسواها.

وقد ظل ابن الهيثم رائداً ومرجعاً للمعنيين في علم الضوء، إذ كان كتابه المذكور هو الوحيد المقرر على الباحثين في هذا العلم طيلة العصور الوسطى.

ابن الهيثم .. مقولاته العلمية:-

  • إن العَمل بالحَق والعدل هما ثمرة العلوم.
  • الحقُ مطلوبٌ لذاته، وكلُ مطلوبٍ لذاته، فليس يعني طالبه غير وجوده، ووجود الحق صعب، والطَّريقُ إليه وعِر.
  • .. بحيث نصل بالتدرُّج إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، ونظفر مع النَّقد والتحفُّظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها موادُّ الشُّبهات.
  • نبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفُح أحوال المُبصرات، وتمييز خواص الجزئيات، ونلتقط باستقراء ما يخُص في حالة الإبصار، وما هو مُطَّرِد لا يتغير، ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المُقدِّمات، والتحفُّظ من الغَلَط في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفَّحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرَّى في سائر ما نُميِّزُهُ وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء.
  • إنني لم أزَل منذ عَهد الصِّبا مُرتاباً في اعتقادات هذه النَّاس المختلفة..، فكنتُ متشكِكاً في جميعه، موقناً بأنَّ الحقَّ واحد، وأن الاختلاف إنَّما هو من جهة السُّلوك إليه.
  • اشتهيتُ إيثار الحقَّ وطلب العلم.. فخُضتُ لذلك ضروب الآراء والاعتقادات، وأنواع علوم الديانات، فلم أحظَ من شيء منها بطائل، ولا عرفت منه للحق منهجاً، ولا إلى الرأي اليقيني مسلكاً محدداً، فرأيتُ أنني لا أصل إلى الحق إلَّا من آراء يكون عنصرها الأمور الحِسِّية، وصورتها الأمور العقلية.

الخلاصة:

كان ابن
الهيثم صاحب قَصَب السبق في التحقق من الفرضيات تبعاً للمنهجية العلمية التي ظهرت
في أوروبا بعده بخمسة قرون على يد كل من جاليليو ورينيه ديكارت، وذلك خلال بداية
عصر النهضة.

لقد كان ابن
الهيثم (965- 1040م) يحترم أعمال من سبقه ولو خالفها، ولم يكن يُسلِّم بشيء حتى
يتأكد من صحته، فتراه يقرأ.. يفكر.. ويُخضع كل ما يستهويه إلى التجربة.. ثم يكتب..
فيؤرخ أعماله، مبتكراً بذلك أسلوباً ومنهجاً بحثياً بُني على منهج التجريب للتأكد
من سلامة الفرضيات الأساسية.

استوعبَ ابن الهيثم كافَّة مؤلفات الإغريق والعلماء العرب في ميادين الرِّياضة والطبيعة ممن سبقوا عصره، ثمَّ مضى قُدُماً لحلِّ مسائل أُخرى لم يحلُّوها، وقد بقِيَ لنا أكثرَ من خمسين من كُتُبِه ومؤلفاتهِ ورسائلهِ، أشهرها “كتاب المناظر” الذي تُرجِمَ إلى اللاتينية، ومن بين ما تضمَّنه هذا الكِتاب من موضوعاتٍ كثيرةٍ، معارضته لنظرية إقليدس وبطليموس القائلة إن الأشعَّةَ البصريَّة تنتقلُ من العينِ إلى المُبصِرات، في حين يذهب العالِم العربي إلى أنَّ الضوءَ ينتقلُ من المُبصِرات إلى العين، كما ناقَشَ ما يُعرف حتَّى اليوم بمسألة ابن الهيثم التي أوجَدَ فيها حَلَّاً لمعادلةٍ من الدَّرَجةِ الرَّابعة، وقد أجرى ابن الهيثم تجارب عديدة، واشتغل على المرايا الكروية والقَطْعية المُكافئة، وتمكَّنَ بعد دراسته لانكسار الضُّوء عند تخلله لجسم شفَّاف، أن يقيسَ ارتفاع الغلاف الجوي للأرض، بل إنَّهُ كانَ قابَ قوسين أو أدنى من اكتشاف مبدأ العدسات المُكبِّرَة.

— وليام مونتغمري وات، فضل الإسلام على الحضارة الغربية.


المصادر:

https://en.unesco.org/courier/news-views-online/ibn-al-haytham-s-scientific-method

https://www.jw.org/en/library/magazines/awake-no6-2017-december/alhazen-called-first-true-scientist/

  • إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القفطي.
  • علماء العرب، ميخائيل خوري.
  • معالم الحضارة في الإسلام، وأثرها في النهضة الأوروبية، عبد الله ناصح علوان.
  • ماذا قدَّم المسلمون للعالم، السرجاني.
  • فضل الإسلام على الحضارة الغربية، وليام مونتغمري وات.
  • مكتبة قطر الرقمية.
Exit mobile version